ادريس هاني *||
- تتضارب القراءات حول أسباب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، لعل الأسوأ من كل هذه الأفكار التي تنتقل كالعدوى، هو أنّ أمريكا تريد التّفرغ للصين، والحقيقة هي أنّ الصين حاضرة في الأجندة الأمريكية حتى في فترة الحرب الباردة. المفارقة هنا هو كيف نغادر الجوار الصيني لكي نحارب الصّين. إنّ الصراع البارد بين الطرفين يعود إلى ميلاد الجغرافيا السياسية، هل قرأنا ماكيندر؟
- الواقع أنّ انتصار طالبان لم يحصل بعد على صكّ شرعي، هم ينتظرون اعترافا، ويلتمسون من المحتل السابق أن يمضي لهم على شرعية الانتصار؛ لعل تيري ميسان قد أجمل ذلك في عبارة واضحة: "إن السؤال لم يكن ما إذا كانت طالبان ستنتصر، ولكن متى سيسمح لها الرئيس بايدن بالفوز".
- زيارة وفد الحكومة المؤقتة برئاسة شير محمد عباس ستانكزي وكيل وزارة الخارجية الأفغانية، للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كان الغرض منه تقديم الشكر المباشر للاتحاد على تهنئته السابقة لطالبان، وأيضا الاستفادة من نصائح الأخصائيين والاستفادة من الدروس، الغريب أنّ على رأس الاتحاد قيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي الذي سقط سقطة مدوية في الانتخابات، وهو لم يكن له أي تنظير حقيقي على مستوى مشروع حكومة إسلامية، حتى أن الشيخ مطيع مؤسس الشبيبة الإسلامية قبل يومين، تساءل من منفاه بلندن: ما هو مشروع الإسلاميين؟ الحقيقة أنّ طالبان شكلت حكومة قبل أن تكون لها فكرة عن الحكومة. يستنجد طالبان بخبراء من الاتحاد في تدبير مشروع دولة، استنجد غريق بغريق، وفاقد الشيء لا يعطيه.
- دائما وفي سياق زيارة وفد الحكومة الطالبانية للاتحاد العالمي، هناك تبجيل وتمادح بين الطرفين، لكن الاتحاد العالمي الذي نسي الدم الذي لا زال يقطر من مخالب طالبان، هو نفسه الذي لم يعتبر صمود سوريا أمام العدوان بمثابة انتصار، ولا سابقة له في التمدح بأي إنجاز مقاوم - ما عدا حماس لأسباب تتعلّق بوحدة الإنتماء الأيديولوجي - وقبل سنوات، طالب رئيس الاتحاد السابق يوسف القرضاوي الولايات المتحدة الأمريكية والناتو أن يعملوا عملا لوجه الله، بأن يغزوا سوريا.
-سيعلّق كلّ الإخوان الذين فشلوا في المنطقة العربية آمالهم على نجاح حكومة طالبان، إنهم ينتظرون ذلك النجاح باعتباره مؤشرا على قيام ما يسمونه دولتهم، سقط الإخوان في الانتخابات، ولكنهم يراهنون على قيام طالبان، وسننتظر موسم هجرة جماعية إلى كابل، لا سيما بعد أن طلب وفد طالبان الأخير من الاتحاد العالمي بمدّه بخبراء وتجارب، سيكون الاتحاد - بناء على تواجد مقره الرئيسي في أرض الوساطة- هو المعبر، تحت عنوان الدعم والمدارسة، إلى كابل.
- صرح عمران خان رئيس وزراء باكستان في مقابلة تلفزيونية بأن ادعاء مساعدة باكستان لطالبان هو مجرد دعاية هندية لا تقوم على أساس منطقي، إذ لو كانت باكستان بالفعل ساعدت طالبان على الانتصار على أمريكا، فهذا يعني أن باكستان أقوى من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي السياق نفسه أكد على مواصلة الحوار مع طالبان من أجل حكومة شاملة. المنطقي هنا هو: كيف تجاهلت طالبان دعوى حتى أقرب حلفائها في شأن تشكيل حكومة شاملة؟ بعض الخبراء الأمريكيين سبق واتهم باكستان بنهج سياسة مزدوجة، نعم إن طالبان ليست صناعة باكستانية فحسب، بل إنّ قرارها يُصنع في باكستان، قرارها النهائي.
- هناك رفض واسع لمساعي أوردوغان للتقارب من طالبان حتى من أعضاء داخل حزب العدالة والتنمية، فأورهان مير أوغلو وهو عضو سابق في الحزب المذكور انتقد بشدة قول أوردوغان في إحدى تصريحاته بأنه لا يوجد خلاف بين تركيا وحركة طالبان. وقد اعتبر أورهان مير حركة طالبان بأنها أكبر كارثة في الوقت الراهن. وكان أوردوغان قد صرح في وقت سابق عن إمكانية إبرام اتفاق مع طالبان على غرار اتفاقه مع حكومة الوفاق الوطني الليبية سابقا.
- النظر إلى طالبان كحركة مجردة، من شأنه أن يوهم بأنّها ستظلّ عاجزة عن القيام بما من شأنه أن يزعزع قواعد الاشتباك في المنطقة، لكن حركة طالبان مرتبطة بأجهزة ودول، وهي حين تظفر بدولة، فسيكون لها ما يكفي - تحت طائلة السيادة - لتطوير قدراتها على تنفيذ مشاريع خاصّة، هذا ناهيك عن أنّ الدول الراعية لها غير ثابتة في مواقفها، ولا تنظر إلى المصالح من منظار دولة الاستقرار، بل هناك أيضا ما يكفي من التزامات جيوسياسية تحدد الوظيفة المتغيرة للمحاور الإقليمية.
*ادريس هاني /كاتب وباحث من المغرب
:19/9/2021