محمد صالح صدقيان ||
يُجمع المراقبون والمنظرون الاميركيون قبل غيرهم أنَّ هزيمة كبيرة لحقت بالولايات المتحدة في افغانستان التي تعد الثانية بعد الهزيمة الكبری التي منيت بها في فيتنام؛ وما حدث في 15 آب 2021 في افغانستان يشبه الی حد كبير ما حدث في سقوط سايغون الفيتنامية في 30 نيسان 1975.
عوامل متعددة وسيناريوهات متنوعة يتم تداولها بشأن سيطرة حركة طالبان علی افغانستان ودخولها القصر الجمهوري من دون اراقة دماء.
قد نتجاوز الاسباب التي ادت الی سيطرة طالبان علی افغانستان بهذا الشكل الذي قال عنه الصحفي الاميركي البارز مايكل مور: “نخسر حربا ثانية وهزيمة ثانية بعد هزيمة سايغون. صرفنا 2 ترليون دولار؛ اعطينا اكثر من 2300 قتيل من صفوف قواتنا المسلحة وهاجمنا بلداً لم يكن اسامة بن لادن موجودا فيه كما أنَّ الذين هاجموا مركز التجارة العالمي في نيويورك لم يكونوا افغانا لكننا قمنا بمهاجمة افغانستان”.
التقيت قادة من طالبان شاركوا في مؤتمر طهران الی جانب فصائل حكومية افغانية؛ كان التذمر واضحا عليهم من سلوك الاميركي الذي سيطر علی بلادهم وقالوا إنَّ الاميركيين لا يجيدون الصدق ولايتحلون بالمصداقية؛ انهم يبحثون عن مصالحهم. وعندما سألتهم عن مباحثات الدوحة قالوا انها “أكل ميتة”.
في ما يخص السيناريوهات؛ رای الدكتور رسولي سراج الدين وهو افغاني واستاذ في العلوم السياسية في جامعة فيينا وقريب من الجانب الاميركي أنَّ قائد القوات الاميركية المتمركزة في افغانستان كان المسؤول الحقيقي والفعلي لوزارة الدفاع الافغانية. وبعبارة اخری هو الذي كان يشرف علی عمليات الجيش الافغاني وتعيين القادة وتحركاته؛ والاتفاق الذي تم بين طالبان الذين هم من “البشتون” والجانب الاميركي في الدوحة تضمن العودة الی الدستور الافغاني الذي كان سائدا في عهد الملكية الافغانية الذي كان يشترط رئاسة البشتون للبلد الذين يشكلون 43 % من سكانه. وان سيطرة طالبان علی القواعد الاميركية والاسلحة والعتاد كان بضوء اخضر من الجانب الاميركي قبل أن ينسحب من تلك القواعد؛ مقابل عدم تعرض طالبان للمصالح الاميركية في افغانستان او في المنطقة.
هناك سيناريو مستقبلي بشأن مابعد كابل تتحدث عنه اوساط اوروبية يؤكد حدوث انهيار اميركي واضح ولافت في افغانستان. ويعتقد أنَّ حركة طالبان بالاساس هي صناعة باكستانية؛ وان باكستان اصبحت الان الابن المدلل للصين بعدما عمل الصينيون كثيرا معها خلال الأعوام العشرة الماضية. وان محورا بدأ بالتشكل يضم باكستان والصين وروسيا؛ وايران ليست بعيدة عن هذا المحور الذي يريد استثمار سيطرة طالبان علی افغانستان؛ لا سيماان ايران مرشحة في المؤتمر القادم لمنظمة شنغهاي أن تصبح عضوا اصليا فيها بعدما كانت عضوا مراقبا.
الصحفي الافغاني المخضرم محمد حسين جعفريان يدعو الی عدم النظر لحركة طالبان علی انها مجموعة متجانسة في الافكار والسلوك حيث تضم السلفي والمتشدد والمتطرف والقريب من القاعدة وقد تضم عناصر قريبة من داعش؛ لكنه يقول يجب أن ننتظر لنرى من الذي يسيطر علی الاوضاع ومن تكون له اليد العليا داخل هذه الحركة التي تختلف اجواؤها في العام 2021 عن العام 2000. ويری في افغانستان لا توجد حرب مذهبية او حرب دينية او حرب متطرفة؛ انها حرب البشتون.
من الصعب الانضمام لاي من هذه التصورات بسبب عدم وضوح الصورة في افغانستان في ظل تطورات متسارعة وقد تاخذ ابعادا جديدة خلال الايام المقبلة. لكن الاكيد نحن امام احداث مهمة تسيطر فيها قوی المنطقة علی معادلاتها علی انقاض الانتكاسة الكبيرة للسياسات الاميركية والاخفاق الواضح للسياسات الاميركية وعدم قدرة دولة كبيرة كالولايات المتحدة على “تقدير الموقف” بشكل صحيح لبلد مثل افغانستان الذي تتقاطع فيه القبيلة مع القومية مع الدين والمذهب بشكل مذهل.
https://telegram.me/buratha