متابعة ـ جدل فاضل الصحاف||
تعاني دول المنطقة العربية من أزمات بنيوية سياسية واقتصادية عميقة، وقد وصل الأمر بمواطني بعض هذه الدول أن عليهم أن يواجهوا، بعد عقود طويلة من الاستقلال، حالات مديدة من انقطاع التيار الكهربائي وذلك في ظل ظروف مناخية صعبة، تتمثّل حاليا بارتفاع كبير في درجات الحرارة نتيجة الصيف اللاهب.
وإذا كان هذا الارتفاع الأخير في الحرارة قد أودى بحياة المئات في دول ثريّة ومتقدمة ككندا، فلنا أن نتخيّل ما يصنعه انقطاع التيار عن بلدان لا أحد يهتم بحياة أو موت مواطنيها!
وصلت درجة الحرارة في العراق هذا العام إلى 52 درجة مئوية وأدى انقطاع التيار الكهربائي إلى توقف أجهزة التكييف والمراوح وبرادات المياه وغرقت البلاد في الليل في ظلام دامس.
وقد التجأ بعض العراقيين إلى بعض الحلول الخطيرة أحيانا لإنقاذ أنفسهم، كما فعل أحد موظفي مدينة الحلة الذي اضطر لوضع ابنه الرضيع في ثلاجة المنزل للحظات لحمايته من حرارة الجو.
فيما قام آخر في الديوانية بالبحث عن قطع ثلج لتأمين مياه باردة لأطفاله، ويقوم آخر في البصرة بتنويم أبنائه على الأرض بحثا عن البرودة، ويقوم آخر برش أطفاله من صنبور المياه العام.
يتعلّق الأمر، كما كل شيء آخر في العراق، بفساد النخبة السياسية المنظم الذي أدى لسرقة مئات مليارات الدولارات، وانعكس ذلك على عدم تجديد وزارة الكهرباء لوحداتها ما يعني ضياع 40% من الإنتاج.
فيما لم تتمكن وزارة النفط من استثمار الغاز المرافق لعمليات الاستخراج لتحويله إلى وقود، وتوقفت إيران عن تصدير الغاز للعراق، ولا يدفع فواتير الكهرباء إلا عدد قليل من العراقيين، ومن التجاوزات، وخصوصا من قبل المسؤولين وعناصر الميليشيات، وإضافة لذلك فإن شبكة نقل الطاقة تعرضت لهجمات متكررة.
وفيما توجّه الدعاية الرسمية كالعادة إلى تنظيم «الدولة» فإن عراقيين كثرا يتهمون جهات وأشخاصا يحاولون تحقيق مكاسب مالية، عبر إعادة بناء المواقع المتضررة، وبيع المولدات، وحين قام المواطنون بمظاهرات واحتجاجات واجهتهم السلطات بالقمع، والنتيجة أن العراق يشهد انهيارا كاملا لمنظومة الكهرباء.
تمرّ سوريا أيضا، حسب وزير كهرباء النظام، بمرحلة هي الأسوأ على صعيد توفر المشتقات النفطية ما أدى إلى زيادة في ساعات تقنين الكهرباء، ويعتبر انعدام أو نقص مصادر الطاقة مشكلة كبرى بحد ذاتها.
وإضافة إلى إغراقها الناس في ظلام، فإنها تقلص قدرتهم على اللجوء لمصادر بديلة، فالمولدات الكهربائية تحتاج بدورها إلى مواد كالمازوت والبنزين لتشغيلها، ومع تخلّي الدولة عن مسؤولياتها لجأ السكان إلى مولدات ضخمة يديرها مستثمرون، وتدفع بعض العائلات قرابة 70 دولارا شهريا للحصول على أربع ساعات في اليوم، وهو مبلغ يفوق قدرة المواطن السوري.
يشابه هذا ما يحصل في لبنان، حيث وصلت ساعات تقنين الكهرباء في بعض المناطق إلى 20 ساعة، ويخشى كثيرون أن يخيم الظلام الكلّي على مجمل البلاد بسبب عجز الحكومة عن توفير الوقود لتشغيل محطات توليد الكهرباء لعدم توفر نقد أجنبي للاستيراد.
وهو ما يعيدنا مجددا إلى حكاية الفساد العامّ والإدارات السياسية البائسة للبلاد التي أوصلت لبنان إلى أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة.
تشهد مدن السودان أيضا أزمة حادة في الإمداد الكهربائي، حيث يستمر الانقطاع في الكثير من الأحيان لأكثر من 12 ساعة في اليوم، ويتعلق ذلك بنقص حاد في التوليد المائي والحراري، مما قلّص إنتاج الكهرباء إلى قرابة نصف ما تحتاجه البلاد فعليا.
كما أصبح انقطاع التيار سمة رئيسية في حياة المصريين، وهو ما يعزى إلى تفشي الفساد في أجهزة الدولة، ومنها وزارة الكهرباء مما أدى لتلف وتردي بعض محطات توليد الطاقة وتراجع قدراتها الإنتاجية.
باختصار، لقد أدى الفشل الهائل للدولة الوطنية العربية الحديثة، التي تحدّث سياسيوها عن قيادة بلدانهم إلى التنوير والحداثة والتقدم، إلى الظلام الفعليّ الشامل الذي لا يمكن إنكاره.
المصدر : القدس العربي
https://telegram.me/buratha