عادل الجبوري |
ليس غريبا أن تنبري وسيلة اعلامية شهيرة وواسعة الانتشار مثل مجلة الـ"ايكونومست" البريطانية الى التهجم على الحشد الشعبي والاساءة اليه والمطالبة بإنهاء وجوده، باعتباره "أحد أبرز أسباب الفوضى وانعدام الأمن في العراق"، كما زعمت في تقرير لها في التاسع عشر من شهر حزيران - يونيو الجاري.
من غير الممكن تصديق دعوى استقلالية المجلة المذكورة، لا سيما اذا عرفنا أن جهات سياسية ومالية كبيرة ومهمة في بريطانيا تقف وراءها، وبالتالي، فهي لا يمكن أن تخرج عن مسار السياسات والتوجهات البريطانية العميقة، بل إن الكثير مما يراد تمريره وتسويقه بعيدا عن القنوات السياسية الرسمية، يمرر من خلال عدد من الصحف والمجلات والقنوات الفضائية الواسعة الانتشار، لعل من بينها، أو في مقدمتها، مجلة الايكونومست. ويخطئ من يتصور أن التقرير السيئ الذي نشرته في عددها الأخير عن الحشد الشعبي، يخرج عن منهج التسويق غير الرسمي لمواقف وسياسات رسمية، مستغلة حدث اعتقال ثم اطلاق سراح القيادي في الحشد قاسم مصلح قبل اسابيع قلائل، لتتحدث عن تحديات ومخاطر بناء الدولة في العراق، وتنسب كل ما حلّ بالعراق من ماسٍ وكوارث وويلات الى الحشد أو ما يحبذ الاعلام الغربي والعربي تسميته بالميليشيات.
تناست المجلة المشار اليها، أو تغافلت عن كمّ كبير من المشاكل والازمات التي تسبب بها الاحتلال الاميركي للعراق، ومعه قوى دولية واقليمية عديدة، من بينها بريطانيا، منذ احتلاله في ربيع عام 2003 الى الآن، بل وحتى قبل الاحتلال واسقاط نظام صدام. عانى العراقيون كثيرا جراء السياسات والمخططات الخارجية التي اقحمت بلادهم في حروب وصراعات وفتن داخلية وخارجية، خلفت أعدادا هائلة من الضحايا وأعادت البلاد عقودا الى الوراء.
· هجوم بائس لـ"ايكونومست" على الحشد الشعبي
وفي كل المراحل والمحطات، كانت بريطانيا -وما زالت- تعد ذيلا واداة بيد الولايات المتحدة تستخدمها للاستفادة من خبراتها وتجاربها التاريخية الطويلة في خلق الفتن واثارة الحروب وخداع وتضليل الشعوب.
لم تتطرق الايكونومست الى مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء الذين سقطوا جراء الاحتلال وتبعاته الكارثية، ولم تأت على ذكر حجم الدمار المروع الذي لحق بالعراق، ولم تشر الى المسؤول الحقيقي عن ايجاد وتمكين الجماعات الارهابية المسلحة كـ"القاعدة" و"داعش" في العراق والمنطقة، ولم تتناول المعادلات السياسية القلقة والمضطربة التي أوجدتها واشنطن ومعها لندن في العراق، لتبقيه ضعيفا ومشتتا ومعرضا للتقسيم والانقسام.
من الطبيعي جدًا أن لا تتطرق الى أي من ذلك، لأن المطلوب منها شيء آخر، يكمل ما يقوم به السفير البريطاني في بغداد من ممارسات وسلوكيات مخادعة، حينما يسوق نفسه للرأي العام من خلال الطبخ والمطابخ وركوب الدراجات الهوائية.
الملفت أن تقرير الايكونومست ضد الحشد، جاء متزامنا مع الذكرى السنوية السابعة لاجتياح تنظيم "داعش" لمدن ومناطق عراقية مختلفة، وصدور فتوى الجهاد الكفائي، ومن الصعب بمكان افتراض ان هذا التزامن كان عفويا وغير مقصود.
وتزامن التقرير كذلك مع اطلالات متعددة للسفير البريطاني في بغداد ستيفن هيكي بعدد من القنوات الفضائية العراقية، متحدثا عن قضايا وملفات عراقية بحتة، من بينها الانتخابات وأهمية اجرائها وفرص نجاحها، مع اعلانه تقديم الدعم المالي لها من قبل حكومة بلاده، علما ان الايكونومست في تقريرها شككت كثيرا بجدوى الانتخابات بوجود الحشد الشعبي، بادعائها "ان الكثير من العراقيين يريدون التغيير، لكنهم لا يؤمنون بالانتخابات التي تأتي بحكومة لا قدرة لها على اتخاذ القرارات"، وربطت المجلة فشل وعجز الحكومات العراقية المتعاقبة بوجود الحشد الشعبي الذي تأسس قبل سبعة اعوام، بينما العملية السياسية الديمقراطية التي رعتها واشنطن بعد الاحتلال انطلقت قبل ثمانية عشر عاما!.
مجلة الايكونومست، لا تختلف في ما تطرحه عن مجمل سياسات وتوجهات واطروحات هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) والغارديان والتايمز وسكاي نيوز وفوكس نيوز وغيرها من وسائل الاعلام الاميركية والبريطانية، والغربية على وجه العموم، لان كل هذه الاسماء هي من منظومة واحدة، تقوم بنفس الادوار والمهام وتنفذ ذات الاجندات.
https://telegram.me/buratha