عادل الجبوري ||
قبل أيام قلائل من الشروع بجولة جديدة من الحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، أطل سفير واشنطن في بغداد ماثيو تولر عبر ندوة الكترونية نظمها المعهد الأميركي للسلام، ليتحدث بصراحة كبيرة عن أولويات بلاده في العراق، محددًا إياها بأربع أولويات، هي محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، ومساعدة الحكومة العراقية بمكافحة الفساد، ومواجهة التحديات الاقتصادية وجائحة كورونا، وأزمة التغير المناخي.
وما تبين من كلام السفير تولر في الندوة المذكورة، هو أن التواجد الأميركي في العراق باق الى امد غير معلوم، وأن ذلك التواجد يأتي بطلب من الحكومة العراقية، دون أن يتطرق لا من قريب ولا من بعيد الى طبيعة توجهات الرأي العراقي العام ومختلف القوى السياسية ومواقفها المعلنة حيال التواجد الأميركي، أو قل الاحتلال، وكذلك لم يتناول الأبعاد والآثار الكارثية السلبية التي خلفها احتلال بلاده للعراق قبل ثمانية عشر عامًا، والمساهمة الكبيرة في نشر الفساد وخلق الفوضى وإثارة الفتن.
السفير تولر لم يتردد في التأكيد على أن السياسة الأميركية لا تتغير بتغير الإدارات الحاكمة، اذ قال بهذا الشأن، "إن الأهداف الاستراتيجية الأميركية ثابتة رغم تغيّر الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض، إلا إنه من ناحية عملية، فإن إحدى ثمار هذا النظام الأميركي أنه في كل اربعة او ثمانية أعوام تأتي إدارة جديدة تنظر إلى التحديات بعيون تختلف عن الإدارة السابقة، وهذه العيون تجلب عدسات جديدة لبعض التحديات التي نواجهها، لكن بالطبع ستكون هناك استمرارية؛ لأن اهتمام الولايات المتحدة بهذا البلد الحيوي لن يتغير".
لا شك أن ما طرحه السفير الأميركي في الندوة، سيكون حاضرًا بقوة على طاولة الحوار بين الطرفين بعد ثلاثة أيام، والذي ينبغي أن يقابله حضور أقوى للمطالب الشعبية والمرجعية والسياسية والبرلمانية العراقية، بضرورة ووجوب طي صفحة التواجد الأجنبي على أرض البلاد الى الأبد.
النائب في مجلس النواب العراقي، سركوت شمس الدين، دعا المفاوض العراقي الى "استثمار هذه الفرصة لطرح الفقرات التي يحتاج إليها وماذا يريد ماليا وأمنيا واقتصاديا وسياسيا، ورؤيته الوطنية المقبلة للمشكلات الإقليمية أمام المسؤولين في البيت الأبيض لأنَّها ستُضمَّن في استراتيجية الشرق الأوسط التي سيتبعها الرئيس الأميركي جو بايدن". لكن في ذات الوقت اكد النائب المذكور، "ان العراق لم يجنِ شيئاً من الحوار السابق لتزامنه مع الانتخابات الأميركية واختيار رئيس جديد للبلاد، إضافة إلى المشكلات المتعلقة بهبوط أسعار النفط والانتخابات والموازنة".
في ذات الوقت شدد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بدر الزيادي، على أنه "في هذا الحوار يجب تثبيت النقاط الرئيسة حتى يمكن الاستفادة منه، ولا يكون شكليًا، فيجب أنْ تكون فيه ثوابت تخص العراق كونه يحتاج إلى الكثير ويجب الإستفادة من العلاقات الدبلوماسية، علمًا أن العراق اليوم لديه قوات أمنية ممتازة ومتطورة، وبإمكانه الإعتماد على نفسه في الدفاع عن حدوده من دون الحاجة إلى قوات أجنبية".
وهناك اتجاه سياسي وشعبي واسع يتبنى ذات الرؤية القائلة "ان العراق لم يعد بحاجة الى قوات أجنبية على أراضيه"، وهنا تكمن نقطة التصادم والتقاطع والاختلاف بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، بصرف النظر عن الرؤية الخاصة التي يحملها المفاوض العراقي الجالس حول طاولة الحوار، وبالتالي فإن الحوار يبدو وكأنه أشبه بحوار الطرشان، لا سيما وأن أي مصاديق وانعكاسات عملية ملموسة له لم تتبلور على ارض الواقع منذ انطلاقه قبل بضعة شهور.
وبما أن الجولة الجديدة للحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد ترافقت مع حراك سياسي دبلوماسي، بعضه احتضنته بغداد، وبعضه الآخر انطلق منها، فقد ذهبت أوساط ومحافل سياسية الى التأكيد على أنه في الإطار العام، لا خلاف على أن أي حراك سياسي دبلوماسي في المحيط الإقليمي أو في الفضاء الدولي، لا بد أن تكون له انعكاسات ومعطيات ومخرجات إيجابية على الوضع الداخلي، لا سيما إذا كان ذلك الحراك مدروسًا ومخططًا له بصورة صحيحة.
وطبيعي أن الزيارات الأخيرة لرئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للمملكة العربية السعودية وبعدها دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك اللقاء الوزاري الذي جمع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيريه الاردني والمصري، كلها تندرج في هذا السياق، وتخضع لذات المعايير في التقييم وحسابات الجدوى.
بيد أن الملفت هنا، والذي ينبغي التوقف عنده كثيرًا وطويلًا، أن الحراك الأخير تركز وتمحور حول أطراف قريبة من المحور الاميركي، وهناك الكثير من الملاحظات والتحفظات على عموم سياساتها ومواقفها حيال العراق طيلة الأعوام الثمانية عشرة المنصرمة.
إلى جانب ذلك، فإن هناك من ربط تزامن ذلك الحراك مع موعد انطلاق الجولة الجديدة من الحوار، من أجل فرض حقائق على الارض، لا سيما في ظل التوجه الأميركي المتمثل بالابقاء على التواجد العسكري على أرض البلاد رغم المطالب والدعوات الجماهيرية والسياسية والنخبوية المختلفة بضرورة إنهائه، والذي بدا واضحًا الى حد كبير من خلال كلام السفير ماثيو تولر في ندوة المعهد الاميركي للسلام.
وحتى تكون مخرجات الحراك مثمرة ومجدية للعراق والعراقيين فإنه ينبغي أن يتركز على معالجة الملفات والقضايا العالقة والمشكلات والأزمات الشائكة التي تسببت بها السياسات والمواقف السلبية لبعض القوى والإقليمية والدولية ازاء العراق، والتي لم تكن واشنطن والرياض وابو ظبي بعيدة عنها، إن لم تكن معنية بها ومسؤولة عنها اكثر من اي طرف آخر.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha