جمعة العطواني ||
في كلمته التي القاها بمناسبة استقبال البابا فرنسيس بابا الكنسية الكاثوليكية وسيد دولة الفاتيكان ، اكد رئيس الجمهورية برهم صالح على قضية خطيرة وتحمل بين سطورها ابعادا كبيرة ، حيث اكد السيد برهم موجها كلامه الى البابا والقيادات السياسية العراقية المشاركة بالاحتفال قائلا(( اتمنى – قداسة البابا- بمناسبة هذه الزيارة المباركة ان تتم متابعة لمبادرة تاسيس ( بيت ابراهيم) للحوار الديني، وتشكيل مؤتمر او ندوة دائمة للحوار باشراف مندوبين من الفاتيكان، والنجف، والازهر والزيتونة ، والمراكز الدينية الكبرى التي تبحث في التاريخ المشترك والمختلف فيه ، في ضوء المتون والتراث المسماري).
قبل الخوض بالتفاصيل لابد من الاشارة الى ان فكرة ( البيت الابراهيمي) او الدين الابراهيمي جاءت على لسان نصير البورسعيدي، وهو مصري سُجِنَ في امريكا بتهمة اغتيال زعيم حركة ( كاخ) العنصري المدعو ( مائيد كاهان ) في تسعينات القرن الماضي.
قدم البورسعيدي للادارة الامريكية مقترح لحل القضية الفلسطينية على اساس تشكيل دولة فيدرالية باسم ( الدولة الابراهيمية الفيدرالية) تيمنا بنبي الله ابراهيم عليه السلام، في هذه الدولة اقليمان احدهما فلسطيني والاخر اسرائيلي.
تاكيد رئيس الجمهورية برهم صالح على ضرورة ( تشكيل مؤتمر للحوار باشراف مندوبين من الفاتيكان والنجف والازهر والزيتونة والمراكز الدينية الكبرى التي تبحث في التاريخ المشترك والمختلف فيه ، في ضوء المتون المقدسة والتراث المسماري) ياتي متماهيا مع ما قامت به امريكا في عام 2013م عندما دعت عددا من رجال الدين من الديانات الثلاث ( الاسلامية واليهودية والمسيحية )للوصول الى ( دين جديد) جامع لمشتركات الاديان الثلاث يتعبد به الناس بديلا عن الاديان القديمة .
هذا المشروع الديني الجديد ( تُوّجَ) في مؤتمر ( صفقة القرن ) الذي انعقد في البحرين بتاريخ 25 يونيو 2019م ، وقد اشار اليه بوضوح الرئيس الامريكي ترامب، اذ وصف الاتفاق ب( اتفاق ابراهام ) في اشارة الى نبي الله ابراهيم (ع) .
طبعا هنالك جملة اهداف سياسية ودينية واقتصادية وحتى امنية ترتبط بهذا المشروع الخطير، والذي يهدد الدين المجتمع وهوية المجتمعات الاسلامية ، لكن اخطر هدفين هما الخطر الديني والسياسي .
على الصعيد السياسي، فان الهدف من تنفيذ هذا المشروع الذي وافقت عليه اغلب الانظمة العربية المطبعة مع الكيان الاسرائيلي، واشار اليه بوضوح الرئيس الامريكي ترامب، ولمح اليه الرئيس العراقي برهم صالح يريد ان يلغي كل الخصوصيات السياسية والاقتصادية للشعوب والدول العربية، وبالتالي تتماهى كل الحدود ويصبح الكيان الاسرائيلي هو الجهة المهيمنة سياسيا وعسكريا واقتصاديا على كل دول المنطقة، بحكم تفوقها السياسي والامني، فيصبح امن المنطقة واقتصادها مرهون بالارادة الاسرائيلية .
اما على الصعيد الديني، فيهدف الى الغاء كل الايات القرانية والاحاديث النبوية التي تحذر من اليهود وخبثهم وعدوانيتهم للاسلام والمسلمين بنصوص قرانية صريحة واحاديث يجمع عليها كل علماء المسلمين، بل ان هذا المشروع يريد الغاء الاسلام بشكل مطلق كما سيتضح لاحقا.
ان هذا المشروع يريد ابعاد الاسلام عن السياسة والمجتمع والحياة، ويتحول الى مجموعة من طقوس فردية تؤدى في محلها المخصص من ( مساجد وحسينينات)، فيتحول الدين الى اعتقاد شخصي وذائقة فكرية اسوة ببقية الخصوصيات الشخصية من ماكل ومشرب وملبس.
ان ابعاد الدين عن الحياة والمجتمع يعني بالضرورة انه لا يجوز ان ينعكس الدين على سلوك الشخص تصرفه في الدولة ومؤسساتها، فيجب ابعاده عن الدولة، وان لا تكون الدولة متدينة ، وكل الاحكام الاسلامية المرتبطة بالدولة وقوانينها والمجتمع وتعاليمه يجب اقصاؤها بشكل نهائي.
فالدولة يجب ان تكون ( مدنية )، بمعنى ان ما تحدده مؤسساتها من تشريعات وقوانين تصبح واجبة الالترام بها، وما تنهى عنه يصبح حراما . فعلى سبيل المثال لو اقرت الدولة نظام الربا او اباحة الزنا وشرب الخمر تصبح هذه القوانين والقرارات واجبة التطبيق ولا يجوز الاعتراض عليها، فيتعطل باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتالي يتحول يتحول الدين الى تراث او اي كتاب للتاريخ نضعه على رفوف المكتبات .
الاخطرفي هذا الامر انه لم يتوقف عند حدود اصحاب مشروع ( صفقة القرن ) والقيادات السياسة فحسب ، بل نرى ان رئيس مؤسة السيد الخوئي ( جواد الخوئي ) من اكثر الداعمين لهذا المشروع، فهاهو جواد الخوئي يكررها في كل مناسبة بقوله( ندعو الى دولة بلاد يدن ، وتعليم الدين ليس من وظيفة الدولة، الدين امر شخصي يتعلمه الناس في دور العبادة من جوامع وحسينيات وكنائس ... لذلك لا معنى لان تكون الدولة متدينة .. اذا اكرر واقول ندعو الى دولة مدنية تفصل الدين عن الدولة ).
فالجامع المشترك بين من يدعو الى ( بيت او دين او اتفاق ابراهيمي، وبين من يدعو الى دولة غير متدينة ، مدنية لا شغل لها بالدين ولا للدين شغل بها) هو افصاء الدين بشكل كامل عن قاموس الحياة وايجاد دين باسم ابراهيم يحقق تلك الاهداف.
بالنتيجة ، ان الدعوة الى حوار بين الاديان السماوية الثلاث يهدف الى ابعاد سياسية لهيمنة الكيان الصهيوني والغرب على شعوب العالم الاسلامي والقضاء على دينهم وتراثهم وهويتهم الثقافية، ولا نتصور ان برهم صالح لا يعي ما قاله في كلمته التي كتبها بدقة قبل وصول البابا بايام، ان لم تكن قد امليت عليه كلماتها.
https://telegram.me/buratha