عادل الجبوري ||
من العاصمة العراقية بغداد، صرح الامين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح الحجرف، قائلا، "ان العلاقات العراقية-الخليجية استراتيجية، واننا نقف الى جانب العراق في محاربة الارهاب وبسط الامن والاستقرار في البلاد".
جاءت هذه الرسائل والاشارات الايجابية خلال زيارة الحجرف الاولى للعراق مطلع شهر شباط-فبراير الجاري، منذ توليه لمنصب الامين العام لمجلس التعاون الخليجي في شهر نيسان-ابريل من العام الماضي خلفا للدبلوماسي البحريني عبد اللطيف الزياني.
لاشك ان هناك حقائق تأريخية، وثوابت جغرافية، ومصالح متبادلة وقواسم ثقافية واجتماعية مشتركة تفرض على العراق والمنظومة الخليجية بناء علاقات طيبة تصب مخرجاتها فيما يعود بالنفع والفائدة على شعوبهم وشعوب المنطقة، وتساهم بالتالي في ترسيخ وتكريس الامن والاستقرار السياسي والرفاه والازدهار الاقتصادي الاقليمي.
في ذات الوقت، هناك تراكمات لعقود طويلة من المشاكل والازمات وغياب الثقة بين العراق والخليج، انعكست سلبا على مجمل المشهد الاقليمي، بل واكثر من ذلك، ساهمت بشكل او باخر في اثارة الصراعات والحروب وتغذيتها بدلا من احتوائها وتطويقها.
وثمة حقائق ومعطيات، لابد من اخذها بنظر الاعتبار والالتفات اليها عند بحث ومناقشة وتحليل ابعاد وافاق العلاقات العراقية-الخليجية، لعل اهمها وابرزها، ان منظومة مجلس التعاون الخليجي المؤلفة من ست دول- اذا استثنينا منها اليمن-تفتقر الى التجانس والانسجام في مواقفها وتوجهاتها، وفوق ذلك، كان الصراع والتصادم والتقاطع فيما بين بعضها البعض، ومازال، السمة السائدة واللافتة، واذا لم نشأ الرجوع بعيدا الى الخلف، فأنه بالامس القريب بلغ الصدام بين قطر من جانب والسعودية والامارات والبحرين من جانب اخر، الحافات الخطيرة، حتى بدا للكثيرين ان الحرب بين الطرفين باتت قاب قوسين او ادنى من الحصول.
ومعروف ان الخلافات والاختلافات بين امارات الخليج تعود الى ما قبل تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، بتخطيط ودفع وتوجيه بريطاني اميركي في اطار الخطط والتحركات والمشاريع الرامية الى مواجهة الثورة الاسلامية الايرانية ومحاولات ارجاع الشاه الى السلطة في طهران.
ورغم مرور اربعة عقود على تشكيله، فأن مجلس التعاون الخليجي لم يفلح في تذويب تلك الخلافات والاختلافات، ولم ينجح في تحقيق خطوات استراتيجية مهمة كما حقق ذلك الاتحاد الاوربي ومنظومات اقليمية اخرى، لاسيما وان السعودية كانت تصّر على طول الخط على الاحتفاظ بموقع الزعامة، انطلاقا من حقيقة او فكرة "الاخ الاكبر".
الى جانب ذلك، وارتباطا بما سبق، فأن مواقف دول الخليج حيال العراق، لم تكن موحدة، بل انها كانت في بعض الاحيان متباينة الى حد كبير، ان لم تكن متقاطعة بالكامل، لاسيما بعد سقوط نظام صدام في ربيع عام 2003، وما افرزه من وقائع وتداعيات وتفاعلات في المشهدين العراقي والاقليمي.
فبينما التزمت عمان بمواقفها التقليدية المتزنة ولم تنزلق الى اصطفافات وتحالفات ضيقة، وبينما حاولت الكويت الحفاظ على وسطيتها واعتدالها، اختارت السعودية ومعها الامارات والبحرين مسارا متطرفا ومضادا لعموم العملية السياسية في العراق، منطلقة من نزعات طائفية متشددة، ومن هواجس ومخاوف وحسابات خاطئة، وقد انعكس ذلك المسار الذي اختارته الرياض وابو ظبي والمنامة على مجمل الاوضاع الامنية في العراق، لانه ساهم الى حد كبير في ظهور الجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة، واستفحال الفتن الطائفية والمذهبية، وتصاعد حدة الصراع والتصادم السياسي بين الشركاء والفرقاء.
وطبيعي جدا ان يحول تباين وتقاطع المواقف الخليجية دون بلورة مواقف موحدة، واليوم حينما يأتي الامين العام لمجلس التعاون الخليجي الى بغداد ويطلق رسائل واشارات ايجابية، فأنه انما يشير الى ضرورة واهمية فتح صفحة جديدة من العلاقات بيين بغداد وشقيقاتها الخليجيات، وهذا هو المطلوب، بيد ان فتح صفحة جديدة، يتطلب قبل ذلك، تصفير وتبييض الصفحات السابقة وعدم تركها على ما هي عليه من بقع سوداء، ومساحات رمادية، وخيوط متشابكة، وملامح مضطربة!.
صحيح ان المملكة العربية السعودية، بادرت خلال العام الماضي الى اتخاذ خطوات ايجابية لتعزيز العلاقات مع العراق، وخصوصا على الصعيد الاقتصادي، الا ان هناك اشكالية كبيرة، تتمثل في غياب الثقة لدى الرأي العام والنخب السياسية والثقافية العراقية بجدية ومصداقية خطوات ومبادرات الرياض، لان الذهن العراقي مازال معبئا بكّم كبير من المواقف السلبية والخطابات الاعلامية التحريضية والفتاوى الدينية التكفيرية السعودية، والتي هي في الواقع نتاج عمل منظم ومبرمج ومخطط، وليست عبارة عن اراء ومواقف فردية انفعالية، كما يحاول ان يسوق لذلك ويبرر اصحاب القرار في الرياض، حينما يواجهون ببعض الحقائق والارقام المؤلمة من قبل العراقيين، وعلى نفس المنوال كانت تتحرك وتتصرف ابو ظبي والمنامة ومعهما الدوحة في بعض الاحيان.
والاشكالية الاخرى، هي ان الانفتاح الخليجي على العراق، يراد منه، او ان احد اشتراطاته، الابتعاد عن طهران، أي بعبارة اخرى، تقول السعودية والامارات والبحرين، ان اقترابنا من العراق ينبغي ان يترافق معه الابتعاد عن ايران، وهذا يعني فيما يعنيه، اتخاذ العراق اداة او بوابة لتصفية الحسابات وطرح المساومات، بينما يشدد الساسة العقلاء في بغداد على اهمية الانفتاح على الجميع وبناء علاقات متوازنة، تتيح للعراق ان يكون حلقة وصل ونقطة التقاء بين الفرقاء الاقليميين وليس محطة تباعد وافتراق، وكما اكد وزير الخارجية فؤاد حسين خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الحجرف، "ان العراق يبني علاقاته على اساس مبدأ التوازن، وتفعيل المصالح المُشتركة، والاحترام المتبادل"، لانه ما الفائدة والجدوى من تهديم بناءات قائمة ومثمرة مع طهران او أي طرف اخر، من اجل الاتجاه للشروع ببناءات جديدة من غير الواضح بالقدر الكافي فرص وامكانيات نجاحها في خضم تشابك وتداخل الملفات والقضايا الاقليمية والدولية، وعدم تبلور حقيقة النوايا والتوجهات والرغبات والاولويات.
ومثلما يقول البعض، انه اذا كانت هناك اشتراطات لفتح صفحة جديدة بين العراق وفضائه الخليجي المجاور، فأنها يجب ان تطرح وتنطلق من بغداد وليس العكس، وينبغي ان تتأسس على مصارحات ومكاشفات تفضي الى تصفية ملفات خطيرة، ابرزها ملف الارهاب بكل تفاصيله وجزئياته وحقائه وارقامه، قبل فتح معبر عرعر والربط الكهربائي والاستثمار في الصحراء وبناء الملاعب والاسكان.
https://telegram.me/buratha