التقارير

عن ماذا تبحث انقرة في بغداد؟!

1956 2021-01-28

 

عادل الجبوري ||

 

    في الثالث عشر من شهر اب-اغسطس من العام الماضي، كان مقررا ان يقوم وزير الدفاع التركي خلوصي اكار بزيارة رسمية للعراق للتباحث مع كبار المسؤولين العراقيين حول جملة قضايا وملفات امنية بالدرجة الاساس، تشكل محور اهتمام الطرفين، الا ان الحكومة العراقية بادرت في اللحظات الاخيرة الى الغاء الزيارة على خلفية مقتل عدد من الجنود والضباط العراقيين جراء عمليات عسكرية نفذها الجيش التركي في الاراضي العراقية تحت ذريعة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي المعارض(PKK).

   والان، وبعد اكثر من خمسة شهور من الاخذ والرد، جاء اكار الى بغداد على رأس وفد رفيع ضم رئيس هيئة اركان الجيش التركي الجنرال  يشار اوغلو قادة عسكريين كبار اخرين، حيث عقد الوزير التركي لقاءات مفصلة مع نظيره العراقي الوزير جمعة عناد ، ومع رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

   وبحسب المصادر الرسمية في كل من بغداد وانقرة، تمحورت المباحثات الرسمية، حول التعاون الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب بين الطرفين، وهي اشارة واضحة جدا الى حزب العمال وتبعات واثار ومخاطر تواجده وتمركزه في مساحات من شمال العراق، وتحديدا ضمن حدود اقليم كردستان، الذي يتمتع بأدارة ذاتية شبه مستقلة.

   وفي هذا الشأن صرح وزير الدفاع التركي فور وصوله الى بغداد، بأن "أنقرة تحترم وحدة العراق وسيادة أراضيه، بيد ان الارهاب في شمال العراق يمثل تهديدا للبلدين، وان التعاون والتنسيق يلعبان دورا مهما في مكافحة التنظيم الإرهابي حزب العمال الكردستاني".

  وبما ان زيارة وزير الدفاع التركي لبغداد جاءت بعد شهر واحد من زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لانقرة، فأنه من الطبيعي ان تكون زيارة الكاظمي قد ازالت بعضا من سوء الفهم وتكدر الاجواء، وباتالي مهدت الارضيات لزيارة اكار، لاسيما وان الكاظمي حظي والوفد المرافق بحفاوة بالغة من قبل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وتلقى وعودا بدعم مالي سخي من انقرة.

   لاشك انه مهما كانت الاجواء الايجابية، وافاق التفاهم واسعة ورحبة بين بغداد وانقرة، والمصالح عميقة، فأن هناك حقائق لابد من اخذها بعين الاعتبار، ولعل بعض منها، كنا قد اشرنا اليها وتناولناها في مقالات سابقة، منها (العلاقات التركية - العراقية تحت المجهر.. هل تثمر زيارة الكاظمي لأنقرة؟).

   من هذه الحقائق، ان ملف حزب الـ(PKK)، يعد ملفا شائكا ومعقدا، وخيوط التحكم به خارج قدرة الحكومة العراقية حتى وان كانت قوية ومؤثرة، وكذلك خارج قدرة الاحزاب والقوى الكردية العراقية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع انقرة، كما هو الحال مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة  مسعود البارزاني، حيث ان حزب العمال تمكن خلال الاعوام الستة الاخيرة من التمدد والانتشار في بعض مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي دون ان يفعل الاخير شيئا.

   والحقيقة الاخرى، تتمثل في ان التداخل والتشابك بين الملفات الامنية والاقتصادية والمائية، غالبا ما يصعّب حلها او حتى حلحلتها، والدليل على ذلك، مازال ملف المياه بين بغداد وانقرة، على حاله، رغم تشكيل الكثير من اللجان، ورغم انه كان يتصدر معظم الاجتماعات واللقاءات عالية المستوى طيلة الاعوام الاخيرة المنصرمة، واخرها اجتماعات الكاظمي مع اردوغان في انقرة منتصف شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي.

    الى جانب ذلك، فأن لتركيا منافسين وخصوم في مختلف الساحات التي تنشط وتتواجد فيها او التي تتطلع للوصول اليها والحصول على مواطيء قدم فيها، ولعل العراق من بين ابرز الساحات التي يتجلى التنافس والتدافع بين عدد من الاطراف فيه، وتركيا احد تلك الاطراف، من اجل الحصول على مكاسب وامتيازات سياسية وامنية واقتصادية واستراتيجية.

   فعلى سبيل المثال لا الحصر، فازت شركة Aeroports de Paris Ingenierie الفرنسية مؤخرا بمشروع اعادة اعمار مطار الموصل على حساب شركة تركية، في أحدث صراع بين البلدين على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثلما عبر بعض الساسة والمراقبين.

    وقد كانت تركيا تتطلع الى ذلك المشروع بفارغ الصبر منذ عام 2019، كجزء من خططها الطموحة للمشاركة بشكل كبير في إعادة إعمار العراق، بعد سيطرة تنظيم داعش الارهابي على عدد من المدن العراقية، من بينها الموصل في صيف عام ، وكذلك كجزء من طموحاتها وخططها التوسعية، لاسيما وان هناك ارثا تأريخيا يربطها بالعراق.

   ويبدو ان الاتراك اطمأنوا كثيرا، بحصولهم على صفقة مشروع تطوير مطار الموصل بعد التطمينات التي سمعوها من الكاظمي في انقرة، ولم يتوقعوا ان تأتي الامور على العكس من ذلك، وما زاد من استياء صناع القرار السياسي التركي، هو ان الصفقة رست على خصومهم الفرنسيين وليس غيرهم.           

   قد يكون التنافس والسعي للحصول على مشروع اعمار مطار الموصل، نزرا يسيرا جدا من طبيعة الحراك والتوسع التركي بمختلف الاتجاهات، الذي ادى بالتالي الى تصاعد حدة ووتيرة الخلافات عموديا وافقيا بين انقرة والاخرين، وهو ما يعني بصورة او بأخرى بقاء الملفات والقضايا الخلافية مفتوحة، لاسيما ملف امني كبير وخطير كملف حزب العمال الكردستاني، لان خصوم انقرة ومنافسيها، من الطبيعي ان يتوجهون الى تقديم المزيد من الدعم والاسناد للاخير من اجل اشغالها واستنزافها بأقصى قدر ممكن، ناهيك عن ان هناك اصواتا داخلية ترتفع وتعلو بين الفينة والاخرى من قوى سياسية معارضة وبعض اوساط الشارع التركي، وتطالب بضرورة ايجاد سبل ووسائل اكثر عملانية واقل كلفة وخطرا للتعاطي مع حزب الـ(PKK)، لاسيما وان تجربة العشرين او الثلاثين عاما الماضية اثبتت بما لايقبل النقاش، فشل الحكومة التركية في تحجيم الحزب ناهيك عن القضاء عليه بالكامل، رغم ان زعيمه الاول عبد الله اوجلان يقبع في سجن انفرادي منذ عام 1999 بجزيرة امرالي وسط بحر مرمرة.

   من حق تركيا ان تبحث حماية امنها القومي وصيانة نظامها السياسي، بصرف النظر عن ايجابياته وسلبياته.. صوابه وخطأه، بيد ان ما تبحث عنه من الصعب جدا ان تجده في بغداد الان، مثلما لم تجده قبل ذلك، سواء جاء وزير الدفاع خلوصي اكار او رئيس المخابرات هاكان فيدان، او حتى الرئيس اردوغان نفسه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك