يعد العلامة الموسوعي حسين علي محفوظ إحدى الركائز المهمة في الثقافة والتراث العراقي، حيث قدم مئات الآثار بين كتب ودراسات ومقالات وتحليلات وجداول في إحصاء العلوم وغيرها.
وفي يوم 19 كانون الثاني 2009 فاضت روحه عن عمر يناهز 83 عاماً، ودفن في الصحن الكاظمي ببغداد.
بدايات مسيرته
ولد الراحل محفوظ عام 1926 في شارع قريش بحي الكاظمية في بغداد، ونشأ في كنف أسرة علمية عريقة.
ويؤكد أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل الدكتور إبراهيم خليل العلاف أن محفوظ أكمل دراسته الأولية في الكاظمية، ثم تخرج في دار المعلمين العالية ببغداد وكان تخصصه اللغة العربية، وقد نال شهادة الليسانس عام 1948.
ويشير العلاف إلى أن محفوظ يعد من العراقيين القلائل الذين حصلوا آنذاك على الدكتوراه في الآداب الشرقية من جامعة طهران عام 1955، وحين عاد إلى العراق عين أستاذاً في دار المعلمين العالية عام 1956، واختير في عام 1959 ليكون مفتشاً للغة العربية في وزارة المعارف.
وأضاف أن محفوظ درس اللغة العربية في الكلية الشرقية بجامعة لينينغراد، ومنح لقب أستاذ المستشرقين، ثم عاد إلى كلية الآداب في جامعة بغداد وأسس فيها قسم الدراسات الشرقية عام 1961، وأصبح رئيساً لهذا القسم الفتي، وعمل على تطويره.
نشاطاته العلمية
كان محفوظ علامة فارقة في جيله المزدحم بالأعلام مطلع وأواسط القرن الماضي، فهو أستاذ اللغات الشرقية في جامعة بغداد، وموسوعي في العلوم الإنسانية المختلفة كما يفيد أستاذ النقد الأدبي المساعد الدكتور صالح زامل حسين.
ويبين حسين أن الراحل اعتنى بالفقه الإسلامي وسير الأعلام وتحقيق النصوص التراثية والفلسفة الإسلامية، كما يعد متخصصاً في آثار الفارابي والتاريخ، ويعرف كل شاردة وواردة تتعلق بمدينته بغداد والكاظمية.
ويضيف "كان محفوظ عضو المجمع العلمي العراقي، وعضو المجمع العلمي في القاهرة، وعضو الجمعية الآسيوية الملكية في لندن، فضلاً عن الشهادات الفخرية التي منحت له من الجامعات العالمية المختلفة".
ويعرب حسين عن أسفه لعدم الاهتمام بنشر النتاج الفكري الغزير للعلامة الراحل، والذي يقارب 1500 مؤلف، أغلبها غير مطبوع إلى يومنا هذا.
بدوره، يلفت العلاف إلى أن الراحل كثيراً ما كان يمثل العراق في المؤتمرات الاستشرافية العالمية، وفي الندوات والمؤتمرات داخل العراق وخارجه، وقد نال الكثير من التكريمات، منها وسام إقبال الذهبي، ووسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب، كما لقب بالأستاذ المتمرس من جامعة بغداد.
ويشير الكاتب والأديب أسعد عبد الله إلى أن محفوظ أحد مراجع علم الأنساب والتراث العربي والإسلامي، وهو من كبار المتخصصين في حفظ الوثائق والمخطوطات والتعامل معها، ولديه كتابات صحفية.
الأدب والشعر
ويعد محفوظ من أعمدة المجالس الأدبية والثقافية البغدادية، وقد عاصر كبار علماء ومثقفي وأدباء عصره، بحسب عبد الله.
ويلفت عبد الله في حديثه للجزيرة نت إلى اهتمامات محفوظ البحثية التراثية، فقد تخصص في اللغات الشرقية، وله العديد من المؤلفات والإسهامات الفكرية والثقافية.
ويضيف الكاتب أن الراحل يعتبر من الشخصيات البارزة في مجال الأدب الشرقي، وتخرج على يديه الكثير من الكتاب ورموز الأدب في العالم العربي.
وينقل العلاف عن الراحل محفوظ قوله "دخلت دار المعلمين العالية في خريف عام 1944، وحييتها في اللقاء الأول بقصيدة مطلعها:
أورق العود وازدهى النوار
وطوى معصم الرياض سوار
وكانت هذه الأبيات بداية التعريف بي شاعراً في الدار، وقد كان شعراء الدار في الأربعينيات نخبة، منهم عبد الجبار المطلبي، وعاتكة الخزرجي، وبدر شاكر السياب، وشاذل طاقة، ولميعة عباس، وعبد الرزاق عبد الواحد، وأحمد العيسمي من سوريا، وغيرهم".
ومما قاله محفوظ في حق بغداد يوم تأسيسها:
بغداد برج الأولياء تعانقت فيه الكواكب
غنى الزمان بمجدها وحدت بمدحتها الركائب
دامت جبينا للفخار ومفرقا لذرى الذوائب
وكتب محفوظ الشعر في سن مبكرة، حيث أكمل 3 دواوين شعرية، هي "عبث الصبا"، و"روائح الشباب"، و"يواقيت الوشاح"، وكان عمره 16 عاماً، وبعدها صدرت له دواوين أخرى هي "شقائق"، و"المحنة"، و"كربة الغربة"، وسمى شعره بعد الأربعين "ثمالة كأس".
مؤلفاته
وكانت مؤلفات محفوظ في مجالات موسوعية مختلفة توزعت في حقول كثيرة، وبشأن ذلك يوضح حسين أن مؤلفات الراحل تنوعت بين مجال التحقيق للنصوص التراثية، وسير الأعلام، والموسيقى، والتراث الشعبي، والدراسات المقارنة بين اللغات الشرقية والعربية والأوروبية.
ويضيف أستاذ النقد الأدبي المساعد أن من أبرز مؤلفات العلامة الراحل كتاب "المتنبي وسعدي"، وهي مقارنة بين الشاعر العربي والشاعر الفارسي سعدي الشيرازي.
وأشار إلى أن لدى محفوظ كتبا مهمة عن الفيلسوف الفارابي، وقاموس الموسيقى العربية، وهو جزء من اهتمامه بالتراث الموسيقي العربي وتوثيقه، وتأثير المتنبي في الأدب الفارسي، ورسالة جلال الدين الرومي وآثاره العربية، وله مقارنات أخرى بين اللغات التركية والطاجيكية والأوردية، بحسب حسين.
شيخ بغداد
حاز محفوظ على الكثير من الألقاب التي قلما تجتمع في غيره من الشخصيات، مثل "مكتبة متنقلة"، و"موسوعة متحركة"، و"إنسكلوبيديا تمشي على رجلين"، و"دائرة معارف سيارة"، و"شيخ الأدب"، و"شيخ بغداد" وغيرها، كما يقول الكاتب عبد الله.
ويؤكد أن الراحل في أيامه الأخيرة كان يعتز كثيراً بلقب "شيخ بغداد"، حيث عرف بعشقه الكبير لمدينته بغداد، والذي جسده عبر عدد من أعماله البحثية والتأليفية، كما احتوت كتاباته على معلومات غزيرة يستفيد منها الباحثون عن تاريخ بغداد وتراثها.
https://telegram.me/buratha