عادل الجبوري ||
من الطبيعي جدا ان تتصدر الذكرى السنوية الاولى لاغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس(جمال جعفر ال ابراهيم)، وقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني صدارة المشهد العام في العراق وربما خارجه، ارتباطا بمكانة وموقع وتأثير الرجلين في مجمل الوقائع والمحطات، وارتباطا بملابسات عملية الاغتيال من حيث الزمان والمكان، والجهة او الجهات المتورطة، ومن ثم التداعيات والانعكاسات التي خلفتها وافرزتها عملية الاغتيال.
ولعل عبارة (الشهادة والسيادة) التي اختيرت كشعار عام يستوعب كل الفعاليات والنشاطات الجماهيرية على مختلف الصعد والمستويات والاتجاهات لاحياء الذكرى السنوية الاولى للشهيدين، جاءت معبرة عن جوهر وماهية الحدث، الذي بدا بعد مرور عام كامل عليه وكأنه جديدا، لان ما عمل عليه المهندس وسليماني، وانتهى بهما الى نيل احدى الحسنيين(الشهادة) بعد ان حققا الاولى(النصر)، تمحور حول هدف اساسي محوري، تمثل بالدفاع عن المقدسات ومواجهة العقائد المنحرفة، وتحقيق السيادة الوطنية، سواء عبر مواجهة تنظيم داعش الارهابي في الميدان، بعد ان استباحات عصابات الاجرامية ارض العراق في صيف عام 2014، او التصدي للاحتلال والوجود الاميركي في العراق، الذي اوجدته ظروف وعوامل مختلفة تراكمت على امتداد فترات زمنية طويلة، ليترسخ ويتكرس من خلال بوابة الغزو بذريعة الاطاحة بنظام صدام في عام 2003.
ولاشك ان الاعوام الثمانية عشر المنصرمة، حفلت بالعديد من المنعطفات الخطيرة والمحطات المؤلمة التي كانت الولايات المتحدة الاميركية ورائها، ابتدأت من اول ايام غزو العراق في العشرين من شهر اذار-مارس 2003، وتواصلت وامتدت حتى يومنا هذا، ولعل العراقيين يتذكرون جيدا الحاكم المدني بول بريمر، وما حفلت به فترة وجوده بالعراق من مشاكل وازمات، وبعدها حفلت ذاكرتهم بالكثير من التجاوزات والانتهاكات والاساءات التي راح ضحيتها الاف المدنيين، ناهيك عن الخسائر والاضرار المادية، سواء تلك التي تورطت بها القوات الاميركية مباشرة، او التي ارتكبتها ادواتها من قبيل تنظيم القاعدة وبعده تنظيم داعش الارهابيين، وسواهما.
لايمكن لمن يستذكر ويستحضر وعاش ويعيش ذلك الواقع المؤلم ان يتقبل فكرة استمرار التواجد الاميركي في العراق، وفي واقع الحال لايخرج اغتيال القادة الشهداء، واحياء ذكراهم، عن سياق السعي الجاد والحثيث لانهاء التواجد الاجنبي وطوي صفحة الاحتلال، وقد لاتكون مصادفة ان تتزامن عدة وقائع واحداث مرتبطة بهذا المطلب ضمن فترة زمنية قصيرة، فأنسحاب القوات الاميركية من العراق اواخر عام 2011، والاستهداف الاميركي لقوات الحشد الشعبي على الحدود العراقية-السورية بقضاء القائم، الذي تسبب بأستشهاد وجرح العشرات من مقاتلي الحشد، وقع في التاسع والعشرين من شهر كانون الاول-ديسمبر من العام الماضي، اي قبل ايام قلائل من اغتيال المهندس وسليماني، وتبع ذلك في الخامس من شهر كانون الثاني-يناير 2020، تصويت مجلس النواب العراقي بالاجماع على قرار يلزم الحكومة بالعمل على اخراج القوات الاجنبية من البلاد في اسرع وقت، فضلا عن ذلك كله، فأن العام المنصرم 2020، كان حافلا بشتى المواقف والفعاليات الداعية والمطالبة بأنهاء التواجد الاميركي، سياسيا وجماهيريا ونخبويا، رغم الكم الكبير من التحديات والمصاعب والمخاطر الامنية والصحية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد.
وكما جاءت التوقعات بعد اغتيال المهندس وسليماني فأن تلك الجريمة اربكت الولايات المتحدة الاميركية الى حد كبير، وخلطت حساباتها، ولم يعد العالم اكثر امنا بعد الاغتيال، كما روج لذلك كبار الساسة في واشنطن وتل ابيب وعواصم اخرى بعضها عربية، بل ان الانعكاسات السلبية على واشنطن وحلفائها واصدقائها اتت سريعة، سواء من الناحية السياسية او من الناحية العسكرية، علما ان الرد عليها-اي على واشنطن-لم يكتمل حتى الان-وهو ربما سيكون مثلما اشار القادة الايرانيون بأخراج الاميركان ليس من العراق فحسب وانما من عموم المنطقة.
ففضلا عن تفاقم التعقيد والتشابك في الملفات الاقليمية والدولية التي تعد الولايات المتحدة طرفا فيها، وارتفاع حدة الخلافات والتقاطعات مع شركائها الدوليين، الى جانب المزيد من الضعف والارتباك والاضطراب الذي اصاب ادواتها الاقليمية في مقابل تصاعد قوة وتماسك محور المقاومة، فأن الاوضاع الداخلية الاميركية انزلقت بفعل سياسات ترامب المتهورة والانفعالية الى منعطفات حرجة وحافات خطرة للغاية، مع تنامي النزعات العنصرية والعرقية، الى حد المواجهات والصدامات المسلحة، بحيث بات موضوع امكانية واندلاع حرب اهلية جديدة، الشغل الشاغل للكثير من المحافل والنخب والاوساط الفكرية والسياسية وكذلك الشارع الاميركي، واصبح ملايين الاميركان يعدون الايام وايديهم على قلوبهم بأنتظار مغادرة ترامب للبيت الابيض بعد ثلاثة اسابيع دون ان يحدث كارثة كبيرة قبل ذلك.
من المستبعد ان لا تكون الولايات المتحدة قد ادركت بعد عام كامل، انها بأغتيال المهندس وسليماني رسمت مسارا مختلفا تماما عن المسار الذي خططت له من وراء عملية الاغتيال، ومجمل معطيات وحقائق الواقع القائم، سواء في اطار اسبوع "الشهادة والسيادة" وما اطلقه وسيطلقه من رسائل واشارات، او تلك المتبلورة على امتداد اثني عشر شهرا، تؤكد وتثبت وتؤشر الى ذلك المسار المختلف، بل والمعاكس تماما للمسار المطلوب..
واذا قررت واشنطن في ظل ادارتها الجديدة، ان تتصرف بقدر اكبر من العقلانية والواقعية والحكمة، فأنها بلاشك سوف تراجع بدقة وعمق ما خلفته حقبة ترامب من مشاكل وازمات وكوارث وويلات، وتعمل على تصحيح ما يمكن تصحيحه، ولكن في حال ارتأت ان تواصل ذات النهج عبر شعارات وسياقات واليات مختلفة، فعليها ان تترقب وتنتظر وتتلقى نتائج وعواقب اسوأ.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha