محمد صادق الحسيني||
مرة اخرى ورغم افتضاح امرها ، تحاول الامبريالية الامريكية الهيمنية الغاشمة محاولاتها البائسة لاطلاق "ثورات" ملونة مدفوعة الاجر وتعمل بالقطعة من البلطيق والبحر الاسود الى شواطئ المتوسط...!
والعين اليوم تشخص في كل مسارح عمليات الحرب الناعمة بقوة وتركيز على روسيا البيضا...!
على الرغم من الجهود الاعلاميه التضليلية ، التي تقوم بها آلة الاعلام الاميركيه الاوروبيه / الناتو / ، والتي تحاول تصوير ما يجري في جمهورية روسيا البيضاء السوفييتيه السابقة ، على انه صراع بين الرئيس الشرعي اليكساندر لوكاشينكا وربة المنزل سڤيتلانا تيخانوفسكايا ، التي يسميها الغرب " زعيمة المعارضه " والتي هربت الى جمهورية لاتفيا ، العضو في حلف الناتو ، قبل ايام اثر هزيمتها في الانتخابات الرئاسيه ، التي جرت في روسيا البيضاء وفاز فيها الرئيس لوكاشينكا . نقول انه وعلى الرغم من كل هذا الجهد الاعلامي والضغوط السياسيه ، التي تمارس على روسيا البيضاء وروسيا الاتحادية ، الحليفه للرئيس لوكاشينكا ، وهما عضوان في معاهدة الامن الجماعي ، التي تضم دولاً سوفييتية سابقة اخرى ، رغم كل ذلك فان الاهداف التي تعمل الولايات المتحده واذنابها الاوروبيين على تحقيقها في هذا البلد ، ذو الاهميه الاستراتيجيه الكبرى ، للامن الاستراتيجي الروسي ، لا علاقة لها بالديموقراطية طبعاً ولا بأي هدف انساني نبيل آخر على الاطلاق .
الهدف الحقيقي لكل ما يجري هو
بالضبط ما صرحت به ربة المنزل المذكوره اعلاه يوم امس ، عندما دعت الى اغلاق القواعد العسكريه الروسيه ، الموجوده على اراضي جمهورية روسيا البيضاء ، وانسحاب الاخيره من منظمة الامن الجماعي ، التي تضم عدة جمهوريات سوفييتيه سابقه .
من هنا تنبع ضرورة توضيح طبيعة هذه القواعد والاسس القانونيه ، التي تنظم وجودها على اراضي روسيا البيضاء ، وتفضح الاهداف العدوانيه للولايات المتحدت واذنابها في حلف الناتو ، وتعري نفاقهم وريائهم وكذبهم واستغلالهم لعناصر عميلة في هذه الدولة ، تماماً كما هو الوضع كل بلد يقررون محاصرته وخنقه كما في لبنان مثلا ، وذلك بهدف نشر الفوضى والخراب وتهديد السلم الاهلي فيها .
اما تلك القواعد ، التي يدور الحديث حولها ، فهي قاعدتان :
الاولى : هي قاعدة هانتاسافيتشي ( Hantasavichy ) التي تبعد ٤٨ كم عن مدينة بارانافيتشي ( Baranavichy ) في جنوب غرب البلاد . وهي قاعدة رادارات من طراز 70- M 6 / Volga Type . وهي قاعدة رادار للانذار المبكر ، تابعة للقوات الجوفضائيه الروسيه ومخصصة لرصد اطلاق الصواريخ الباليستيه الثقيله ، التي تطلق من اوروبا الغربيه ، كما انها مخصصة لرصد الاقمار الصناعية ايضاً . وهي تقوم بالمهمات التي كانت تقوم بها قاعدة سكروندا ( Skrunda ) في لاتفيا المجاوره والتي تم تفكيكها منذ سنوات ، في اطار اجراءات إدخال لاتفيا الى حلف الناتو .
الثانيه : هي قاعدة ڤولغا للرادار ( Volga Radar Station ) وتقع على بعد ٨ كم شمال شرق بلدة هانتافيتشي ( Hantavichy ) في مقاطعة بريست . ويطلق عليها في اللغة العسكرية الروسيه اسم : كليتيك ٢ / ( Kletsk 2 ) .
وهي مخصصه للانذار المبكر وتحديد مواقع اطلاق الصواريخ الباليستيه الاستراتيجيه . ويبلغ مدى عمل هذه الرادارات ستة آلاف كيلومتر .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، في هذا المجال ، هو : ما هي الاسباب الكامنة وراء التركيز على محطات الرادار هذه ، من قبل الولايات المتحده وحلف الناتو ، واستمرار محاولاتهما التخلص منها ، عبر اسقاط روسيا البيضاء والسيطرة عليها ، ودمجها في نسيج الحلف الغربي العدواني والمعادي لروسيا ؟
1. لان هذه المحطات تعتبر من عناصر الانذار المبكر الروسيه ، ضد الهجمات المعاديه بالصواريخ الاستراتيجيه ، وبالتالي فان استراتيجيي البنتاغون واذنابهم في بروكسل ( قيادة حلف الناتو ) يعتقدون انهم بذلك سوف يوجهون ضربةً لقدرات الانذار المبكر الروسي ولسلاح الدفاع الجوي فضائي بالنتيجه .
2. ان هذه الخطط ، اي اغلاق القواعد الروسيه واسقاط الدوله في روسيا البيضاء والسيطرة عليها وتنصيب ربة المنزل ، سڤيتلانا تيخانوفسكايا ، رئيسة لروسيا البيضاء ، تأتي في اطار تنفيذ مسلسل خطوات الحشد الاستراتيجي ضد روسيا الاتحاديه وجمهورية الصين الشعبية والجمهورية الاسلاميه في ايران ، على الرغم من البعد الجغرافي بين هذه القواعد وكلاً من الصين وايران . حيث ان اضعاف قاطع من قواطع المواجهه العسكريه ، مع الولايات المتحده والناتو ، كقاطع الجبهه الغربيه الروسيه ، الممتده من اقصى شمال الدول الاسكندنافيه شمالاً ، مروراً ببولندا واوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وتركيا ، على البحر الاسود جنوباً ، انما هو اضعاف للوضع الجيواستراتيجي لكل من الصين وروسيا ومعهما ايران ، خاصة بعد دخولها في تفاهمات تعاون متعددة الجوانب وبعيدة المدى ، مع هاتين الدولتين .
3. الامعان في محاولات واشنطن وبروكسل ( قيادة الناتو ) الاقتراب من الحدود الروسيه ، وتكرار محاولات الاعتداء على السيادة الجوية الروسيه ، باستخدام طائرات الاستطلاع الاميركيه والغربيه ، بشكل يومي ، ونجاح انظمة الدفاع الجوفضائي والمقاتلات الروسيه الاعتراضيه ، في التصدي لهذه المحاولات وافشالها ، قد جعلهم يسيرون خلف السراب والاوهام المتبخره برفع مستوى الضغط على روسيا ، واهمين انهم بذلك سيستطيعون اجبارها على تقديم التنازلات ، في الكثير من الملفات الدوليه ، بدءاً بملفات الحد من انتشار الاسلحه النوويه واتفاقيات تنظيم الاسلحه الصاروخيه ، وصولاً الى الكثير من الملفات الدوليه ، والتي يتصدرها الملف الفلسطيني والسوري والايراني والفنزويلي . وهذه كلها ملفات ترتبط بشكل وثيق بميزان القوى الجيواستراتيجيي بين الدول العظمى ، وبالتالي فانها ملفات شديدة التأثير ، في مسار الغاء او دحر الهيمنه الاميركيه الاحادية على العالم ، وتشكيل هرم قيادي جديد ، يقود العالم لا تكون الولايات المتحده هي من يجلس على كرسي القيادة فيه .
وهو الامر الذي يقودنا الى الاعتقاد الراسخ بان معركة الصراع على جمهورية روسيا البيضاء لن ينتهي الى نصر اميركي غربي وذلك للاسباب التاليه :
أ)شجاعة الرئيس لوكاشينكا ، وتعامله وتفاعله الديناميكي ، في التصدي للمؤامرة الاميركيه التي تحاول اسقاط الدولة ، وفهمه العميق لطبيعة هذه المؤامرة والدول التي تقف وراءها وتمولها .
ب)الموقف الحازم الذي اتخذه الرئيس لوكاشينكا ، منذ بداية التحركات المعاديه ، ليس فقط بالوقوف في وجه المؤامرة داخل البلاد ، وانما باصداره الاوامر الفوريه للقطعات العسكريه لروسيا البيضاء ، المرابطه على الحدود الشماليه الغربيه ، مع كل من دولتي الناتو ، ليتوانيا وبولندا ، وضرورة اتخاذ كافة الاجراءات العسكريه الضرورية لحماية حدود البلاد . خاصة بعد تكرار محاولات جهات استخباراتيه اميركيه ، وتابعة لحلف الناتو ، لارسال اموال واسلحة ومعدات مختلفه الى داخل روسيا البيضاء لتزود بها مثيري الشغب داخل البلاد . علاوة على تكثيف واشنطن وبروكسل لمحاولات التجسس الجوي في المناطق الحدودية وذلك باستخدام الطائرات المسيره والمناطيد وطائرات الحرب الالكترونيه العسكريه .
ج)الزيارات التفقدية ، لخطوط المواجهه مع بولندا ولتوانيا ، التي يقوم بها الرئيس لوكاشينكو ، مرتدياً الزِّي العسكري وممتشقاً سلاحه الرشاش وجاهزاً للدفاع عن سيادة واستقلال بلاده ومنع سقوطها في ايدي الغرب والحاق الضرر الاستراتيجي بجمهورية روسيا الاتحادية من جراء ذلك .
د)اما العامل الذي يزيد التأكيد على ان مخططات واشنطن وبروكسل ، في حرمان قوات الدفاع الجوفضائي الروسيه ، من قواعدها للانذار المبكر المنتشره في روسيا البيضاء حسب اتفاقيات بين الدولتين مطابقة تماماً للقوانين الدوليه ، فهو ان لدى روسيا القواعد البديله ، التي تقوم بعمليات تغطية اوسع بكثير من العمليات التي تنفذه القواعد الموجوده في روسيا البيضاء .
هـ )فعلى سبيل المثال لا الحصر ، هناك قاعدة رادارات الانذار المبكر ، من طراز فورونيش ( Voronezh Radar ) ، التابعه لقوات الدفاع الحوفضائيه الروسيه والموجوده في قرية بيونيرسكي ( Pionersky ) على بعد ٢٧ كم شمال مدينة / ميناء كاليننغراد . علماً ان مدى عمل هذه الرادارات يزيد على ستة آلاف كيلومتر وهي مخصصة للانذار المبكر ورصد الصواريخ الباليستيه الثقيله والبعيدة المدى .
و )يضاف اليها قاعدة الانذار المبكر المقامه في قرية ليختوسي ، على بعد ٤٠ كم شمال لينينغراد ، ( Lechtusi Radar Station ) وتحمل نفس اسم القريه . وهي تابعة لقوات الدفاع الجوفضائيه الروسيه وتعمل بنوع من رادارات فورونيش ( Voronezh ) من الجيل الثالث ، ويصل مدى عمل رادارات هذه المحطه الى اربعة آلاف وخمسمائة كيلومتر ، وتغطي كامل منطقة عمليات شمال غرب روسيا ، وهي موجودة في الخدمة القتاليه منذ شهر شباط ٢٠١٢ .
وهذا يعني ان الاجراءات الاحترازية المسبقة ، التي اتخذتها قوات الدفاع الجوفضائيه الروسيه ، قد افشلت كل مشاريع واشنطن وبروكسل حتى قبل ان يفكروا في وضع خططها .
وانطلاقاً من هذه القراءه الموضوعيه ، لحالة الشغب المُوَجَّهْ من الدول الغربيه في روسيا البيضاء ، ولما شهده لبنان والعراق في الاشهر الماضيه ، ولما كان " مستوراً " واصبح مفضوحاً من تآمر وتعاون أمني عسكري ، بين مشيخة ابوظبي و"اسرائيل" ، منذ عقدين من الزمن ، ليس ضد ايران فقط وانما ضد كل جهة تنتمي الى المقاومه وتقاتل الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة الاميركيه ، فان بامكاننا ان نؤكد ان الاستعدادات التي اتخذتها اطراف حلف المقاومة لاسقاط مؤامرات اعراب الخليج وسيدهم في البيت الابيض وصِنْوَهُمْ الصهيوني قد حققت الكثير من النجاحات ، سواءً في اسقاط مخطط تدمير الدولة السوريه وتفتيتها او في لبنان وفلسطين او في اليمن الصامد ، الذي سيستكمل هزيمة قوى العدوان ويعلن انتصاره الناجز ، على قوى العدوان الاميركي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي السعودي الاماراتي وبعض السماسرة والمرتزقة الآخرين ، ويلحق بهم الهزيمة النكراء قبل نهاية هذا العام باذن الله .
نصر يعتقد المراقبون بانه سيترافق مع سقوط متزعم الحرب الظالمة على اليمن ، محمد بن سلمان ، وتوقع قيام دولة في نجد والحجاز ، تختلف جذريا عن المملكة الوهابيه الحالية التي باتت مثالاً ونموذجاً للقمع والاستبداد والتبعية والعبودية للاجنبي القادم من وراء البحار ونهوض عالم جديد لا مكان فيه لضعفاء النفوس المتسولين على موائد الدول التي كانت يوماً كبرى وهي في طريقها للافول وان بعد حين...!
عالم ينهار
عالم ينهض
بعدنا طيبين قولوا الله