د . جواد الهنداوي *. ||
تصمدُ السلطنة رغم حدّية وعلانيّة تمحوّر دول الخليج (باستثناء الكويت)، ودول المنطقة بشكل مباشر او غير مباشر ، مع او لصالح أمريكا وإسرائيل أو مع أو لصالح إيران.
لا دولة في المنطقة، الاّ سلطنة عُمان هي على حياد، و تُعدْ كذلك و من قبل قادة المحاور (امريكا وإيران)، ومقبولة من قبلهما في وساطاتها، وتحضى برضاهما وتقديرهما. لبنان الدولة، حتى وإن رفضتْ مساعدات إيران العسكرية أو بذلَتْ (واقصد دولة لبنان) ما في وسعهَا من طاقات لأجل التوازن في علاقاتها، فإنها محسوبة على محور ايران. و يعود تصنيف لبنان على محور المقاومة أو على محور إيران، ليس لوجود حزب الله وعلاقته بايران، وإنمّا لمقاومة لبنان، جيشاً وشعباً وحزباً، لإسرائيل، ولاستحالة التطبيع أو العلاقة مع اسرائيل، وفق المعطيات الآنية والمستقبلية. كذلك، العراق، رغم مابينهُ وبين أمريكا من استراتيجيات في إطار العلاقة أو في المفاوضات السارية في الوقت الحاضر، فهو في نظر أمريكا وإسرائيل ليس على الحياد. اسرائيل تجدُ في الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الاخرى المرتبطة بالحشد، وما يملكان من قوة وسلاح واقتدار لمحاربة الإرهاب، خطراً استراتجياً على وجودها، ومانعاً لتنفيذ مشاريعها في المنطقة وتجاه العراق.
أعودُ الى حياديّة سلطنة عمان. هي حياديّة تجاه تعدّد المحاور في المنطقة، ولكن ليست حياديّة تجاه أمن واستقرار المنطقة. تحاول السلطنة إخماد نيران الحرب المشتعلة بالقرب من حدودها البرية والبحرية (حرب اليمن)، و تعاني وتصبر على تداعيات الحرب الاجتماعية والسياسية والإنسانية، والتي تطالها. تراقب وتصبر دون أن تنزلق في خطاب أو أجراء أو تصرف في السّر أوفي العلن ممكن أن يُخرجها من حياديتها.
الحياديّة تجاه المحاور والإيجابية تجاه أمن واستقرار المنطقة هما نهجاً استراتيجاً في سياسة السلطنة ودبلوماسيتها وليس إجراءاً او عملاً طارئاً على سياسة ودبلوماسية السلطنة.
نهج استراتيجي وغير مرهون بمنفعة تدخًل أو نفوذ للسلطنة بقدر ماهو (واقصد النهج) في مصلحة أمن واستقرار المنطقة و العالم.
صمدت السلطنة على حياديتها عندما كانت دول الخليج(باستثناء الكويت) موّحدة في دعمها للمسلحين المناهضين للعملية السياسية في العراق، وتبنتْ السلطنة ذات الموقف حين انتقل الدعم الخليجي للمسلحين في سوريا والمناهضين للدولة.
والآن تتسابق بعض دول الخليج نحو التطبيع مع إسرائيل وتتوزع على محاور متعددة ومختلفة دعماً لأمريكا ولإسرائيل أو تماشياً مع امريكا ومع اسرائيل، وسلطنة عُمان في ثبات على نهجها واستراتيجيتها.
اليوم نجدُ دول الخليج مُصنّفة في ثلاث توجهّات: نهج استراتيجي تتبناه سلطنة عُمان وتسيير معها الكويت، ويسعى الى تفادي الحرب مع ايران وإلى استقرار وسلام المنطقة، و محور تقوده المملكة العربية السعودية ومعها الامارات والبحرين، في خصام وعداء مع الإسلام السياسي، ويسعى إلى التطبيع مع اسرائيل والعداء لإيران والتحريض ضدّها، ومحور ثان تقوده تركيا ومعها قطر، ويدعم الإسلام السياسي، وفي خصام مع المحور الخليجي الأول (المملكة والإمارات والبحرين)، وفي تفاهم مع أمريكا واسرائيل، ولكن لا يحرّض على الحرب ضّدَ ايران. قد لا تستطيع سلطنة عُمان وأد الفتن ومنع الحروب في المنطقة، ولكن يُحسبْ لها تمسكّها بنهجها الثابت بعدم الانضمام إلى محاور المنطقة، وسعيها الدؤوب لإحلال السلام والأمن في المنطقة.
تتمتع سلطنة عمان بمقومات دولة حقيقية،
فهي عريقة في تأريخها و تراثها و كبيرة في مساحتها، ومتنوعة في تضاريسها، وغنيّة في ثرواتها النفطية والغازية، ومهمة في موقعها الجغرافي السياسي. لم توظّف السلطنة هذه المقومات لأجل التدخل في شؤون الدول والسعي لتغيير انظمتها، وانمّا في ترسيخ نظام مدني قائم على التسامح المطلق بين المذاهب والقوميات، واحترام ورعاية الانسان والمجتمع، ووضع رؤية استراتيجية شاملة لعام ٢٠٤٠م، لتنمية وتطوير كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
تنفرد السلطنة في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية بتبنيها مبدأيّن اساسيّن، يحددان استراتيجيتها الهادفة الى إحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة: مبدأ احترام الواقعية عندما تكون عادلة ومبدأ احترام و مراعاة جغرافية وتاريخ المنطقة.
جوهر وفحوى مبدأ الواقعية السياسية بمفهومه التقليدي والجديد، و السائد التطبيق في الوقت الحاضر هو "مَنْ يملك القوة يملك الحقْ"، أي العمل السياسي عن أيّة أبعاد أخلاقية وإنسانية، لذلك تجنّبت السلطنة وتتجنب الانخراط في أحداث وأعمال سياسية سادت المنطقة والعالم، ومُجرّدة من بُعد أخلاقي وقانوني وانساني!
تُعزز السلطنة تمسكها بمبدأ الواقعية العادلة باحترامها المطلق لجغرافية وتاريخ المنطقة والعرب والإسلام. تتعامل مع الجغرافية السياسية للمنطقة كمصير محتوم وكواقع مرسوم، وتحترم وتبني علاقاتها مع دول المنطقة وفق اشتراطات وفروض الجغرافية، وعلى ضوء أحداث وحركة تاريخ المنطقة.
نتحدث، في الوقت الحاضر، عن مفهوم "الصبر الاستراتيجي" في السياسة والعلاقات الدولية، ومدى ضرورة التحلي به لضمان النجاح في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، وأعتقد بصواب الرأي إنْ قُلتْ بأن سلطنة عُمان وتاريخها الماضي والحاضر وفي ظل قيادتها الجديدة تُعدْ نموذجاً في صبرها الاستراتيجي.
*سفير سابق رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات.
بروكسل - ٢٠٢٠/٦/١٤م.