عادل الجبوري ||
من المقرر أن ينطلق منتصف شهر حزيران-يونيو المقبل ما يسمى بـ"الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الاميركية"، الذي يراد منه اعادة ترتيب وتنظيم العلاقات بين الطرفين على ضوء الوقائع والمعطيات والمتغيرات الجديدة.
حتى الآن لا تبدو الصورة واضحة بالقدر الكافي لتلمس وتشخيص مسارات ومآلات ومخرجات ذلك "الحوار"، لأن ما صدر حتى الآن من تصريحات ومواقف من واشنطن يختلف الى حد كبير عما يطرح ويثار في بغداد.
والمعروف أنه في نهاية عام 2011 سحبت الولايات المتحدة الاميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما قواتها القتالية من الأراضي العراقية وفقًا للاتفاقية الأمنية التي أبرمت بين الطرفين في عام 2008، وأبقت على أعداد قليلة من عناصرها ومعداتها كمستشارين وخبراء ومدربين في عدد من القواعد العسكرية العراقية، وبعد حوالي ثلاثة أعوام ونصف العام، وتحديدًا بعد اجتياح تنظيم "داعش" الارهابي عدة مدن عراقية في صيف عام 2014، أعادت الولايات المتحدة وجودها العسكري في العراق تحت مظلة ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب في كل من سوريا والعراق، وقد كان لتلك الخطوة اثر سلبي من وجهة نظر أوساط ومحافل سياسية وامنية داخلية وخارجية، ارتباطا بحقيقة الاهداف الحقيقية الكامنة وراء سعي واشنطن المحموم للعودة الى العراق مجددا.
ومع أن هناك من يرى أن واشنطن ساهمت بقدر معين في كبح جماح تنظيم "داعش" من خلال "مساعدة" و"دعم" القوات العراقية، الا أن هناك قدرًا غير قليل من المعطيات والوقائع تشير الى العكس من ذلك، هذا في الوقت الذي التزمت فيه قوى سياسية ومجتمعية الصمت وغضت الطرف ولم تثر الكثير من الملاحظات والتحفظات التي كانت بجعبتها حول التواجد العسكري الاميركي وحقيقة دوره في المعارك ضد التنظيم، بيد أنها بعد الحاق الهزيمة بالأخير في أواخر عام 2017 رفعت صوتها عاليًا، مطالبة بإنهاء التواجد العسكري الاجنبي، لا سيما الاميركي من البلاد، خصوصًا بعدما راحت المؤشرات والدلائل تتبلور وتتضح يوما بعد آخر عن توجه واشنطن واطراف اقليمية ودولية مؤيدة لها لإنهاء الحشد الشعبي.
وبين الاستهدافات العسكرية المتتالية لمقرات الحشد بالطائرات المسيّرة(Drone) والصواريخ الموجهة والحملات الاعلامية في القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي من جهة، والدعوات والمطالب المتواصلة لانهاء التواجد العسكري الاجنبي، كانت مساحات الرفض السياسي والشعبي العراقي لواشنطن تتنامي وتتسع، ليصبح انهاء تواجدها اولوية تتصدر قائمة مطالب ساحات التظاهر السلمي ودعوات المرجعية الدينية.
وقد تكللت المطالب والدعوات بقرار مجلس النواب في الخامس من شهر كانون الثاني-يناير الماضي القاضي بالزام الحكومة العمل على انهاء التواجد الاميركي، وقد جاء ذلك القرار على خلفية انتهاكات واعتداءات اميركية متلاحقة على الحشد الشعبي تسببت باستشهاد واصابة العشرات من منتسبي الحشد، ومن ثم اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد ابو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الايراني الشهيد قاسم سليماني الذي كان قادما للعراق في مهمة رسمية، في غارة جوية استهدفت موكبهما قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام الجاري.
كل ذلك رفع وتيرة التشنج والتأزم مع واشنطن، وهو ما دفع الادارة الاميركية الى تشديد الضغط على الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، بسبب مواقفها وتوجهاتها الداعمة للحشد والحريصة على صيانة وجوده وتقدير تضحياته.
ولأجل التخفيف من حدة التوتر وامتصاص جزء من الغضب الشعبي والسياسي العراقي، أقدمت واشنطن خلال الشهور الثلاثة المنصرمة على سحب قواتها من عدد من القواعد العسكرية وتجميعها في عدد محدد من القواعد، هذا في الوقت الذي أطلقت فيه اشارات صريحة على نيتها سحب كامل قواتها من العراق الى قواعد عسكرية تابعة لها في المنطقة.
وعلى هذه الارضيات وفي ظل تلك المناخات، يفترض ان ينطلق الحوار الاستراتيجي. مضافا الى ذلك، هناك عوامل وظروف مسستجدة يمكن ان تساهم في توجيه مساراته، من قبيل جائحة كورونا وما خلفته من مشاكل اقتصادية واضطرابات مجتمعية وكوارث انسانية، كان للولايات المتحدة الاميركية النصيب الاكبر منها، ناهيك عن الضغوطات الاخرى على الولايات المتحدة وادارتها الحاكمة.
وبحسب ما يقال ويتردد في الأوساط والمحافل السياسية، فإن الحوار الاستراتيجي الذي يبدو أن واشنطن متحمسة له كثيرا سيتمحور حول ملفات سياسية وامنية واقتصادية وثقافية عدة، لتتبلور منه اتفاقية جديدة تؤطر العلاقة بين الجانبين، وفي الوقت الذي تتوجس بعض الاطراف من النوايا والتوجهات الاميركية، تشدد أطراف أخرى على أهمية وضرورة ان تضع الحكومة على رأس الاولويات في حوارها مع واشنطن انهاء التواجد الاميركي، وعدم القبول بأي حال من الاحوال بإخضاعه للمساومات والتنازلات، لانه يعد مطلب الشعب والبرلمان.
وطبيعي أن الحوار بين واشنطن وبغداد لا بد أن يفرز اتفاقية جديدة شاملة، تمثل خارطة طريق واطارا يحدد ويرسم مسارات واتجاهات وسياقات العلاقة المستقبلية، انطلاقا من المصالح الوطنية العليا، ومأخوذا بعين الاعتبار حقائق المشهد الاقليمي العام وموقع العراق فيه وتأثيره عليه وتأثره به.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha