لندن – د. أحمد الزين - كاتب وباحث من لبنان
غدا، يوم القدس العالمي، هو يوم تاريخي عظيم، يجسد ثورة المستضعفين على المستكبرين في إطار مشروع استراتيجي تحريري انساني لتحقيق العدل وإحقاق الحق وتأمين السلام للشعب الفلسطيني المظلوم، ورفض سياسة الظلم والاستعمار والاستبداد والطغيان وفرض الاحتلال والاستيطان بالقوة للقدس ولفلسطين من قبل الصهاينة الطغاة الغزاة.. وبالتالي هو يوم الوعي الثوري وعقيدة الثبات والعناد على استرجاع فلسطين الى أهلها، وإستئصال الغدة السرطانية الاسرائيلية الإرهابية من جسد الامة العربية والاسلامية.
في هذا اليوم المجيد، نذكّر العالم بالنداء الذي أطلقه الإمام الخميني (قده) عام 1979، كحدث سياسي مفتوح أمام شعوب الامة العربية والاسلامية، للاحتفاء بيوم القدس العالمي كشعار وخيار وإنحياز للحق الفلسطيني والوقوف الى جانب القضية الفلسطينية وشعبها والتمسك بخط الثبات والصمود والتصدي والاستمرار بالسير على درب الشهداء حتى التحرير.
وفي هذا اليوم المجيد، نجدد القسم باننا لن نحيد ابدا عن خيار دعم المقاومة والمساندة والتعاون والتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني في إسترداد أرضه المحتلة من قبل الكيان الصهيوني الغاصب، وتأسيس دولته فلسطين وعاصمتها الـقدس الشريف..
وللأسف، في هذه العام ظهرت أزمة تفشي فيروس كورونا العالمية التي فرضت استبدال الفعاليات الشعبية والاحتفالات الجماهيرية الحيّة بخطوات بديلة من تظاهرات وندوات إلكترونية ومقابلات تلفزيونية لقادة المقاومة الكبار، وحملات دعم وتأييد للقضية الفلسطينية والقدس الشريف ولمحور المقاومة على سائر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاته المتنوعة، ووقفات شعبية رمزية مع إتخاذ كافة التدابير والاجراءات الوقائية والصحية في جميع بلدان العالم.
ولكن وباء كورونا لن يحول دون إيصال الاثر البليغ لهذه الذكرى والمغزى الحقيقي من إحيائها، لذلك في هذا السياق التاريخي والاستراتيجي والمستجدات، نذكر أهم الثمار والحقائق الهامة والوقائع العملية التي انبثقت منها:
أولا: يعتبر إطلاق يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الراحل الخميني (قده) منذ 41 سنة في كل أخر جمعة من شهر رمضان المبارك من أهم إنجازات الثورة الإسلامية المباركة في إيران كخيار استراتيجي ثوري تحريري للامّة، وكسند ومعين وظهير للمقاومات الشريفة المحقة.
ثانيا: تجديد القسم والوعد والعهد بإلاحتفاء بهذا اليوم دوما لإحياء فكر وثقافة القدس وفلسطين واظهار اهميتهما لدى الاجيال الصاعدة من كل عام، وإمتلاء وحشد كل الساحات والميادين والقاعات بعشرات الملايين من الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم والقيام بمظاهرات ومسيرات وندوات واحتفالات ومعارض.. للتأكيد ان القدس الشريف كانت وستبقي العاصمة الابدية الواحدة الموحدة للشعب الفلسطيني ودولته.. وللتنديد بسياسات الاحتلال والاستيطان الصهيونية، والوقوف بقوة وعزم في وجه الظالمين والطامعين والطغاة والغزاة من أمريكا و"إسرائيل" وأذنابهما وكل ما يحيكوه من مؤامرات ودسائس وفتن.
ثالثا: شكل هذا اليوم سداً وحاجزاً منيعا من تسلل الياس والضعف والوهن والاحباط والتراجع في نفوس الشعوب المستضعفة، وحافزا ومشجعا لهم لمتابعة السير في طريق الجهاد والنضال والكفاح دون ملل او كلل او خوف، وكان باعثا للأمل والتيقن بحتمية الفوز والنجاح وتحقيق النصر والانتصار والتحرير - (تحرير جنوب لبنان عام 2000، والإنتصارات في حرب 2006 وحروب غزة – نماذج حية).
رابعا: استنهاض الهمم ورفع مستوى الوعي والادراك وإبقاء هذه القضية حيّة وفاعلة ومتجذرة في وجدان الاجيال المتعاقبة وإستنفار قواهم وتعميم ثقافة المقاومة لتزيدهم بصيرة وتبصر وعزيمة وثقة بإمكانياتهم وقوتهم وبقدراتهم وطاقاتهم.
خامسا: ومن ثماره أيضا توحيد هذه الشعوب وتنسيق الجهود وتجديد العمل وتوجيه الانظار والبوصلة مجددا نحو القدس الشريف وفلسطين المحتلة، وتوحيد الرؤى باعتبار "اسرائيل" العدو الحقيقي للامتين العربية والإسلامية وليست إيران، وأنها تمثل خطرا حقيقيا على أمن بلداننا والمنطقة والعالم، وتشكيل جبهة عربية-اسلامية موحدة وإنشاء محور المقاومة والممانعة لمواجهة هذا المشروع الصهيوني الاستعماري.
سادسا: كما شكل هذا اليوم محطة تاريخية هامة لشحن نفوس هذه الشعوب بالطاقة الثورية والتعبئة الجهادية في تعزيز خيار المقاومة والجهاد وتقديم الدليل الساطع والبرهان المبين لصوابية هذا الخيار في استعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة، والعمل الدؤوب والثبات على الموقف الداعم في الصمود والتصدي ومواجهة كل المخططات التآمرية من صفقة القرن ومشاريع التطبيع وشطب حق العودة.. الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية والاستيلاء على القدس الشريف وجعلها عاصمة الكيان الصهيوني الغاصب لدولته اليهودية العنصرية الإرهابية، وإيجاد بلد بديل هزيل عن فلسطين من اراضي الاردن أو مصر وضمّها الى غزة..
سابعا: ومن ثماره ايضا تراكم عناصر القوة والاقتدار بانتقال الخبرات العلمية والتقنية والفنية بين إيران وحركات المقاومة وتطوير قدراتها العسكرية والامنية وزيادة امكانياتها في الصمود والتصدي والقفزة النوعية للمقاومة من الانتفاضة بالحجر الى المواجهة المباشرة بالرصاص، ومن السلاح الفردي الى الصاروخ الدقيق الموجه، ومن الدولاب المشتعل الى البالونات الطائرة الحارقة، ومن السكين الى الطائرات المسيرة، ومن حالات فردية الى خلايا وسرايا تمتلك صواريخ الكورنيت..
ثامنا: أوجدت هذه الثمار إختلال في قوة الردع الاسرائيلية وإنكشاف جبهتها الداخلية المتصدعة وإتساع حالة الانقسام السياسي والازمات السياسية بين احزابها وإنتشار حالة الرعب والخوف في نفوس مستوطنيها بعد فقدان الثقة بقدرة قياداتهم وجنرالاتهم وجيوشهم المهزومة على حمايتهم وتوفير الامن لهم، بعد التهديد بامكانية إحتلال الجليل الاعلى ومدن المستوطنين الصهاينة من قبل المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
تاسعا: كما تمّ تحقيق الانتصارات تلو الانتصارات، وتثبيت شعار (ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات)، وفرض قواعد اشتباك جديدة لكسر هيبة وهيمنة العدو وتثبيت معادلات ردع عسكرية وأمنية - (اذا قصفتم غزّة سنقصف تل ابيب – نموذجاً) - حتى بات في الحسابات العسكرية والامنية "إسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت.
عاشرا: أثمر هذا اليوم تزايد أعداد التجمعات النهضوية والنخب المثقفة والقوى الثورية وأحرار العالم الداعمة العابرة للأديان والطوائف والمذاهب البعيدة كل البعد عن كل إشكال الطائفية والقومية والتعصب والنكفير، وتلك الجماهير المتزايدة الثائرة المؤيدة لحركات المقاومة ومحورها والمساندة لفصائلها المتصاعدة وقوتها المتعاظمة وإتساع رقعة تواجدها وأمتداد جبهاتها - (التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة – نموذجاً) - ومما يثبت بصحة الاعتقاد بقرب زوال "إسرائيل" من الوجود يقينا وحكما وبالاخص بعد تبني استراتيجية توحيد هذه القوى مجتمعة في جبهة عسكرية واحدة في أي معركة قادمة مع العدو الصهيوني الغاشم.
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha