محمد صادق الحسيني ||
في ظل مجموعة الهزائم، التي لحقت بالولايات المتحدة الأميركية، خلال الثلاثة عقود الماضية، وفي ظل فشل جنرالاتها في تحقيق أي انتصار عسكري، على الرغم من أنهم يعاملون بعد أحداث 11 أيلول 2001 “كما كان يعامل جنرالاتنا بعد الحرب العالمية الثانية”، كما يقول الكاتب الأميركي، جيم ويب (Jim Webb) في موضوع طويل، نشره في صحيفة ذي ناشيونال انترِست الأميركية The Nationai Interest بتاريخ 8/5/2020، في ظل كل هذا، ونظراً لأن الكونغرس الأميركي وكثيراً من السياسيين وصناع القرار في الولايات المتحدة، لم يأخذوا بآراء ونصائح القيادات العسكرية ذات الاختصاص، بدأ القائد الجديد لمشاة البحرية الأميركية ( MarineCorps ) التي تأسست سنة 1775، بدأ بالعمل على تنفيذ خطة تقليص واعادة هيكلة لهذا الفرع، من القوات المسلحة الأميركية.
اما اهم العناصر التي تضمنتها خطة الجنرال ديفيد بيرغر ( DavidBerger ) لتقليص حجم قوات المارينز (مشاة البحرية الأميركية) فهي التالية:
ان متطلبات الحروب المقبلة لم تعد تتوافق او تتطابق مع المهمات التي كانت تنفذها قوات المارينز سابقاً، والتي تمثلت في القيام بعمليات إنزال بحري كبيرة، وإقامة رؤوس جسور على اليابسة، وتوسيع العمليات العسكرية، وإنما يجب أن تكون مهمات المارينز مستقبلاً منطلقة من خطط عمليات بحرية منسقة ومتكاملة.
وهذا يعني، في تقديري، أن طبيعة المهمات القتالية التي ستكلف بتنفيذها قوات المارينز الأميركية، في مسارح العمليات الجديدة، ستكون مختلفة عما عرفناه من تكتيكات قتالية لهذة القوات. وستكون عملياتها تكتيكية من ناحية الشكل وحجم القوات واستراتيجية في هدفها، المتمثل في إلحاق الهزيمة بالعدو او إخضاعه للشروط الأميركية على الصعيد السياسي.
يجب أن تنسحب قوات المارينز من الشرق الاوسط، الذي مثَّل تواجدها فيه خطأً من الأساس، والتوجه الى جنوب شرق آسيا، حيث كان على الولايات المتحدة أن تترك تلك المنطقة أصلاً ولا تنخرط في صراعات الشرق الاوسط. وهذا ما يتطلب إعادة الهيكلة وتقليص عدد قوات المارينز.
وهو يهدف من وراء ذلك، في تقديري، الى تقليص النفقات وزيادة فاعلية هذه القوات وتطوير مهماتها وتغيير طبيعة تلك المهمات، نظراً لتغير مسارح العمليات، حيث لم تعد مطلوبة إقامة رؤوس جسور على اليابسة وتثبيت سيطرتها على نقاط معينة تمهيداً لنزول القوات البرية على اليابسة لتشن هجوماً برياً ضد قوات العدو. وذلك لأن العدو في جنوب آسيا سيكون الصين الشعبية وستكون المواجهة معها مختلفة عن الحروب السابقة. اي انها ستكون مزيجاً من عمليات بحرية وأخرى إلكترونية (سايبر).
من هنا فإن أهم ما سيقوم بة الجنرال ديفيد بيرغر، في اطار التقليص وإعادة الهيكلة لقوات المارينز، هي الخطوات التالية:
أ) تسريح ثلاث كتائب مقاتلة، اي 14% من عديد قوات المارينز، بحيث تقتصر القوات على 21 كتيبة مقاتلة، والتي ستكون كافية لتلبية احتياجات الميدان للقوات البحرية والقوات المشتركة.
ب) تقليص عديد الكتائب الواحدة والعشرين المتبقية بواقع مئتي جندي من كل كتيبة. وهو ما يعني تسريح أربعة آلاف ومئتي جندي من قوام هذه القوات، اضافة الى الكتائب الثلاث، المذكورة اعلاه والتي تقرر تسريح جميع أفرادها.
ج) تسريح كتيبتي مشاة، من اصل ثماني كتائب مقاتلة عاملة حالياً، اي الاستغناء عن 25% من القوة القتالية من المشاة.
د) حل ست عشرة كتيبة مدفعية قتالية، اي 76% من حجم سلاح المدفعية، التابع لمشاة البحرية. والاستعاضة عنها بأربع عشرة كتيبة مدفعية صاروخية، ستكون قادرة على تأمين النجاح في الحملات البحرية (المقبلة).
هـ) الاستغناء عن كل الدبابات، العاملة في سلاح المارينز الأميركي، وتغطية تأثير الاستغناء عنها عبر الجيش الأميركي.
وهذا يعني، حسب تقديري، تقليص النفقات، وطلب الدعم المدروس من القوات البرية الأميركية، في حال احتاجت قوات المارينز للمدرعات في اية عمليات بحرية مقبلة، وذلك بسبب تغير طبيعة المهمات القتالية التي ستقوم بها المارينز في مسارح العمليات الجديدة في جنوب آسيا.
و) حل سربين، من أسراب المروحيات السبع عشرة العاملة حالياً، وذلك لعدم الحاجة اليها بعد حل كتيبتين من كتائب المشاة.
يرجع هذا القرار، حسب تقديري، الى ان هذه المروحيات كانت تستخدم في عمليات نقل كتيبتي المشاة، المشار إليها اعلاه وتقديم الدعم الناري لتلك القوات في ميادين القتال.
ز) حل ثلاثة أسراب، من أصل أسراب مروحيات النقل الجوي الثقيلة الثماني، العاملة حالياً ضمن قوات المارينز الأميركية.
يرجع هذا القرار، حسب رأينا، الى تغيير العقيدة القتالية للمارينز، والتي لم تعد تعتمد القيام بعمليات إنزال بحري لتأمين رؤوس جسور للقوات البرية، عند إنزالها الى اليابسة، وإنما اتباع التكتيك الجديد المتمثل في تنفيذ عمليات إنزال بحري ليست كبيرة (هذا لا يعني أن تكون صغيرة)، يقوم أفرادها بمهاجمة اهداف العدو وتدميرها والسيطرة على مواقعها، او التدمير ثم الانسحاب، وذلك يعود لطبيعة الهدف المعادي وأهميتها العسكرية والجغرافية. علماً ان مسرح العمليات هذا سيكون بحار الصين (الجزر الصينية) وغرب المحيط الهادئ.
ح) الاستغناء عن سربين، على الأقل، من أسراب المروحيات الهجومية السبعة، العاملة حالياً في عداد قوات المارينز. وذلك لانها لم تعد ضرورية لعملياتنا، بعد الاستغناء عن ثلاث كتائب مشاة.
وهذا يعني، طبقاً لقراءتنا ايضا، ان حاجة المارينز لهذه المروحيات قد انتفت بسبب الاستغناء عن كتائب المشاة، المشار اليها اعلاه، والتي كانت المروحيات تقدم لها الدعم الناري خلال العمليات على الارض.
ط) اعادة تقييم حاجتنا، قوات المارينز، لطائرات إف 35 / F 35 /، آخذين في الاعتبار :
قلة الطيارين وصعوبة تدريب طيارين جدد ومشاكل الصيانة واستدامة الطائرات. الى جانب الصعوبات المالية والصناعية.
وهذا يعني، حسب ما أرى، ان موازنة قوات المارينز لا تسمح باقتناء هذا النوع من الطائرات، ذات الأسعار الخيالية. والاهم من ذلك الإشارة الى الصعوبات الصناعية وهو تعبير يستخدم لتغليف او لتجميل عبارة المشاكل الفنية التي تعاني منها الطائرة وبالتالي عدم ملاءمتها لتأمين الغطاء الجوي او لتقديم الدعم الجوي، المطلوب لعمليات الكوماندو البحرية، وهو الطابع الذي ستتخذه مهمات المارينز الأميركية مستقبلاً.
انطلاقاً من كل ما تقدم فلا بد لنا من التأكيد على قول شاعرنا، ابو الطيب المتنبي، عندما قال:
“ولا يصح في الإفهام شيء اذا احتاج النهار الى دليل”
إذ إن سحب القوات الأميركية، وأسلحتها، من “الشرق الاوسط” ومن دول الجزيرة العربية والعراق على وجه الخصوص، لم يعد أمنية او خيالاً وانماً تحول الى واقع ملموس وسيستمر، الى ان يستكمل قبل نهاية هذا العام او بداية العام المقبل…!
نقول هذا لان كل وقائع ميادين الصراع الدولي تؤكد ان موسم الرحيل والهجرة الى مضيق مالاقا يتسارع بشكل كبير، وما خطط قائد المارينز الأميركي الجديد الا جزء من هذا الرحيل. وهو رحيل عن جبل طارق المتوسطي الى جبل طارق الآسيوي، كما يسمّي البريطانيون مضيق مالاقا.
ميدان الصراع الجديد هو بحار الصين، بعد ان هزمت الولايات المتحدة، ومشاريعها التدميرية في منطقتنا التي يسمّيها الغربيون بالشرق الاوسط. تلك المشاريع التي ساهمت في تدمير القدرات الأميركية، على مدى 30 عاماً، استغلتها جمهورية الصين الشعبية وروسيا وإيران في تطوير قدراتها، وعلى جميع الصعد، مما حول الصين الى القوة الاقتصادية الأعظم في العالم، كما حول روسيا الى القوة العسكرية الأقوى دولياً (الصواريخ الفرط صوتية والاسلحة الكهرومغناطيسية) وجعل إيران دولة إقليمية عظمى قادرة على تحدي القوة العسكرية الأميركية وحشرها في الزاوية.
كما أن هذه الغفوة الأميركية، بنتائجها، والتحولات الاقتصادية والعسكرية في “الشرق الاوسط” والعالم، والتراجع الكبير في المكانة الاستراتيجية لمنطقة غرب آسيا عامة ودولها الوظيفية خاصة، قد تركت أعراب النفط في الخليج ومعهم حاخامهم، بنيامين نتن ياهو، يتامى يندبون حظهم، بينما يواصل حلف المقاومة بناء قدراته العسكرية والعض على الجرح والصبر العظيم بانتظار فتح القدس وتحرير فلسطين المقبل لا محالة كما هو يوم القيامة الذي لا ريب فيه ولا تردّد…!
أتى أمر الله فلا تستعجلوه.
بعدنا طيبين قولوا الله.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha