التقارير

حزب الله /الحشد الشعبي  


د.حيدر البرزنجي

 

بين آيديولوجيا الجغرافيا - ومرتكزات الخطاب السياسي

ثلاث تجارب قائمة ،تشكل المدارس الأحدث والأكثر فاعلية في تاريخ الشيعة المعاصر: حزب الله في لبنان /الحوثيون في اليمن /الحشد الشعبي في العراق ، تعادلوا في الفعل ، وتمايزوا في جدولة  الأولويات ومرتكزات الخطاب والقدرة التعبوية .

تأسس حزب الله في العام 1982 على يد مجموعة من كوادر حركة أمل التي أسسها الإمام موسى الصدر إبّان الحرب الأهلية ،لكنه تميز عنها بانضباطيته وقتاليته  كتنظيم عقائدي،  اتخذ من محاربة اسرائيل هدفاً تعبوياً وقتالياً رئيسا .

تنامت قدراته الميدانية باطراد ،وقد خاض قتاله باسلوب حرب العصابات في مناطق جبلية حرجية وعرة ،ووسط حاضنة اجتماعية مؤيدة  ومساندة  عموماً، كما تنبّه في وقت مبكر الى (المدنية) فأقام العديد من المؤسسات ذات الصلة المباشرة بحياة الناس (مدارس – مستشفيات – مصانع – وسواها ) استطاع من خلالها امتصاص الكثير من الأيدي العاملة ، متيحاً لها مصدر رزق ،وقدرة احتواء في الوقت عينه ، كذلك اندمج في الحياة السياسية بشكل فاعل ، دافعاً بالعديد من قياداته وكوادره الى البرلمان ،كما شغل عدداً من الوزارات ،وان بدا زاهداً في السلطة .

التجربة الناجحة في مجاليها السياسي والقتالي ، لم تمنع بروز ثغرات بنيوية في حزب الله ، تمثلت أساساً في محدودية حاضنته عددياً، فالشيعة في لبنان يزيدون  قليلاً عن المليون نسمة ،يمثلون مايقرب من 30% من لبنان ،يتنافس في ساحتها، حزب الله مع حركة أمل بقيادة نبيه بري ، التي استأثرت بمعظم الوظائف الحكومية المخصصة للشيعة ، اضافة الى الوجود التاريخي لأحزاب وشخصيات لبنانية أخرى .

ذلك يعني إن سقف قدراته على التعبئة والتعويض ،سيبقى محدوداً قياساً بطموحاته للعب أدوار تتجاوز الساحة اللبنانية .

الثغرة الأخرى ظهرت باعتماده بنسبة عالية، على شعبية أمينه العام ووقع خطابه التعبوي ، الذي يكاد يأخذ المساحة الأكبر في الاستقطاب والجاذبية الجماهيرية ،وبالتالي لم يستطع الحزب خلق شخصيات بديلة تتمتع بالقدرة ذاتها ، كما فعل بعد استشهاد السيد عباس الموسوي ، ما اضطره التجديد لأمينه العام أكثر من مرّة ، ذلك ما أدخله فيما يشبه (الضرورة) لمرحلة تبعتها مراحل .

أما الثغرة الثالثة ،فتلك المتعلقة بانتهاج الحزب لنظرية ولاية الفقيه مع معرفته المسبقة باستحالة تطبيقها في لبنان ، وقد يكون لطبيعة علاقة الحزب مع ايران ،دوراً في انتهاج تلك النظرية ، التي تبدو كأنها (مقحمة أو غير مبررة ) في مجتمع يصعب فيه تسويقها حتى داخل المجتمعية الشيعية ذاتها ،حيث كان لمرجعين دينيين مهمين  (السيد فضل  الله والإمام شمس الدين (*) توجهاتهما حول الدولة المدنية على غرار مدرسة السيد السيستاني ، تأثيراً وامتداداً ، خاصة مع مايطبقه حزب الله واقعاً ، بانخراطه في مؤسسات الدولة اللبنانية .

(*): يعتبر شمس الدين مفكراً اسلاميا بارزاً، لكنه لم يعلن مرجعيته .

2- التجربة القتالية  في متواليات الجغرافيا

التجربة القتالية للحزب في مواجة إسرائيل ،مثلت صفوة تجارب حرب العصابات في العصر الحديث ،خاصة بنتائجها التي أرغمت الجيش الاسرائيلي ،الانسحاب من جنوب لبنان دون قيد أوشرط ،ودون أية مفاوضات أو حتى ضمانات لمن تعاون معه (جيش لبنان الجنوبي ).

لم يتوقف الحزب عن مواجهة إسرائيل بعد انسحاب جيشها ،الا ان طبيعة المواجهة اختلفت ،إذ تحولت الى عمليات نوعية ومخطط لها بدقة عالية ، خاصة وهي تستهدف جيشاً متمركزاً داخل مواقعه الأساسية ، وليس في جنوب لبنان ، لذا تباعدت الفترة  بين عملية وأخرى ، بعد إن كانت على مدار اليوم ، كما أصبحت تغطيتها سياسياً ، أكثر صعوبة .

في سوريا ،خاض الحزب تجربة قتالية من نوع آخر ،فقد واجه مجموعات متطرفة تستخدم أساليب متعددة في القتال بدءاً من الإنتحاريين بإحزمتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة ،مروراً بالانغماسيين وهجماتهم المباغتة التي تتحول غالباً الى انتحارية ، وصولاً الى المواجهة التقليدية بنظام الجبهات والتشكيلات المعتادة أو المعتمدة .

في جنوب لبنان ،كان حزب الله الجهة القائدة والوحيدة ،تحدد أساليب قتالها حسب رؤيتها وجغرافيتها وفي بلدات وقرى صغيرة ومايتبعها  ،أما في سوريا ،فقد كان جزءاً من حرب تشارك فيها دول وجيوش وقوى أخرى ،وفي مناطق جغرافية شاسعة ومتنوعة سكّانياً (مدن كبرى – أقضية ونواح – جبال وسهول – صحارى قاحلة ) مجتمع لايعرفون عنه الكثير ،ولا من يؤيد وجودهم أو يرفضه .

وعلى ذلك ،وباستثناء معركة القصير التي سلطت فيها الأضواء على دور الحزب في استعادتها من المجموعات المسلحة – بما فيها الإرهابية منها – لم يبرز الحزب بشكل لافت ، رغم تضحيات مقاتليه ،ويعود ذلك لازدحام الساحة السورية بالمواجهات متعددة المشاركين .

واحدة من الإشكاليات التي  واجهت الحزب في سوريا ، تمثلت في المحدودية العددية للحاضنة الاجتماعية التي يمكنها رفده بالمقاتلين لتعويض  ما يخسره في المواجهات ،أو مايمكن تسميته بالاحتياط الاستراتيجي ، وتلك أولى الظواهر التي ميزت الحشد الشعبي عن حزب الله /لبنان .

لقد استند الحشد الشعبي الى تعبئة بشرية تجاوزت السقف المليوني  من  المتطوعين  في أيام معدودات ، جرى استيعاب مالايزيد عن 6% منهم ،فيما انتظرت أعداد كبيرة دورها للقتال ،وبالتالي لم يشهد الحشد اشكالية في هذا الجانب ،حيث بإمكانه التعويض باستمرار وبزخم عما يفقده من مقاتلين  .

لكن للكثرة ثغراتها كذلك ،فتعدد الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي ،واختلاف توجهاتها وطموحاتها السياسية أو حتى طرقها القتالية ،ومن ثم قدرتها على هضم وتأطير كل هذه الجموع المتدفقة وتأمين مستلزماتها اللوجستية ، مع ضبط حركتها وسلوكيات بعض افرادها   وتحركها على مساحات شاسعة ،ومع الوضع السياسي الاقليمي والمحلي الذي سلط أنواراً كاشفة للنيل من الحشد ، ومع المدة  الزمنية القصيرة التي لم تمكن قيادات الحشد الشعبي ،في ايجاد نظم السيطرة والتشكيل حسب المفهوم العسكري ، الا مترافقة مع قتال شرس وجبهات مفتوحة ، كذلك عدم امتلاك الحشد اعلاماً متطوراً وخطاباً سياسياً فاعلاً يمكنه الردّ ، بل وشن هجوم مضاد كما عند حزب الله ، ذلك ما جعل الحشد شبه معزول ،ومن ثم مكنّ الخطاب المعادي من أحداث ثغرات في حقيقة الحشد الشعبي ، أو النيل من سمعته بخطاب مركّز استطاع التأثير حتى في شرائح من المجتمعية الشيعية ذاتها .

3- الخطاب الثابت والسياسة المتحولة

مايميز الحشد  الشعبي عن حزب الله اللبناني في التجربة القتالية ،رغم تمتع الاثنين بالروح العقائدية والمعنويات العالية ، ان الحشد خاض منذ البداية القتال ضد الإرهاب  بشكل مباشر ،وتدرب ميدانياً ،وقد زج  بكلّ قواته تقريباً في تلك المواجهة لأن قتال الجبهات وعلى امتداد مناطق واسعة ، يتطلب أعداداً متزايدة من المقاتلين ،وقد وقع العبء الأكبر بداية على الحشد الشعبي في تلقي الصدمات الأولى حينما كانت داعش في ذروة اندفاعها ،والى أن تمكنت القوات العراقية من اعادة تشكيل وحداتها ومن ثم دخولها المعركة تباعاً .

أما حزب الله ،فقد أتيح له الوقت الكافي لتدريب مقاتليه وتهيئتهم ، خاصة بعد انحسار الوجود الاسرائيلي وتمركزه في منطقة محدودة من جنوب لبنان ، نتيجة لضربات نوعيه تلقاها من قبل أحزاب لبنانية عديدة .

أما في الخطاب السياسي ، فقد حافظ حزب الله على مستوى من الخطاب التعبوي الثابت الذي جعل من القضية الفلسطينية محوره الرئيس ، رغم تشعب القضايا في المنطقة ،وظهور أعداء جدد بخطابهم التكفيري وعملياتهم الانتحارية ،ومن ثم انتقال الأولويات الى بلدان أخرى أكثر أهمية في تحديد مستقبل المنطقة  .

مفردات ذلك الخطاب ،ورغم مبدئيته وتمسكّه القيمي ،الإ انه لم يعد بذات التأثير الذي كان له في بداية ظهوره ، فقد تراجع عند العرب بشكل كبير ،بعد أن طغت التصنيفات الطائفية لتكون لها الأولوية ،أما عند الشيعة ، فقد أصبح حزب الله أكثر ميلاً لتضمين خطابه محاربة الإرهاب ومن يدعمه ، لمعرفته بأن خطابه (الفلسطيني ) جعله موضع تساؤل حول الجدوى من بقائه على وتيرته العالية ، خاصة بعد المواقف التي عّبر عنها المجتمع الفلسطيني – بما فيه الأرض المحتلة – المؤيدة للمنظمات الإرهابية وأعداد الإنتحاريين الفلسطينيين  في عملياتهم ضد العراقيين في مناطق بعينها ،مرفقة مع تحريض ذي طبيعة طائفية علنية .

وفيما لم يكن لحزب الله مرجعية دينية "محلية " يمكنها أن تمنح (شرعية) لتحركه لبنانياً ، وجد الحشد الشعبي مرجعية شرعنت انطلاقته الأولى باعتبارها واجباً دينياً (فتوى الجهاد الكفائي ) قبل أن يشرعن وجوده القانوني بقرار من البرلمان العراقي ، وبأكثرية ساحقة (227 نائبا – من أصل 328) ليصبح جزءاً من المؤسسات الرسمية للدولة العراقية ، وبارتباط مباشرمع رئيس الوزراء باعتباره القائد العام للقوات المسلحة .

تحركات حزب الله وطروحاته ،لم تكن جزءاً من السياسة الرسمية للدولة اللبنانية ،وان تغطت بمواقف الرئيس اللبناني على فترات مختلفة ، كذلك لم يخضع جهازه العسكري للدولة بشكل رسمي ، وان جرى تنسيق مشترك مع الجيش اللبناني في مراحل معينة ، أي أن قوات الحزب بقيت رسميا خارج التشكيلات الرسمية للدولة ، وكذلك خطابه السياسي الذي اتفق أو اختلف مع المواقف الرسمية اللبنانية بهذه الدرجة أو تلك .

وجد الحشد الشعبي نفسه في وضع أكثر مرونة وقدرة ، فهو ليس ملزماً بتبني أي خطاب آخر سوى قضيته العراقية باعتبارها مهمته الأولى والمحورية، كما إنه مغطى رسمياً كجزء من الدولة العراقية  يلتزم بسياساتها وقراراتها – كهيئة حشد شعبي – ومبارك من المرجعية الدينية في النجف الأشرف المدينة الروحية لشيعة العالم ،كذلك تأمّنت رواتب شهدائه ومقاتليه من الدولة العراقية ضمن الموازنة العامة وبشكل رسمي .

تلك العوامل مجتمعة ،منحته نوعاً من الطمأنينة ،لأنه بات محمياً ليس على الصعيد المحلي وحسب ، بل أمام القانون الدولي باعتباره قوة شرعية ضمن سيادة الدولة .

وعلى هذا ،لم ترتفع وتيرة خطاب الحشد الشعبي ،لا في مجاله التعبوي ،ولا السياسي كذلك ، لشعوره بأنه لايحتاج الى ذلك ، فخطابه السياسي متوافق مع سياسة الدولة ،والجانب التعبوي تكفلت به فتوى  المرجعية وما أحدثته من صدى واستجابة واسعتين ، وهو مايفتقده حزب الله ،فيستعيض عن ذلك بكاريزما خطاب أمينه العام  وجاذبيته التعبوية  .

الحالة في المنطقة وما تشهده من أخطار ،تمنح حزب الله عوامل قوة واستمرارية للفاعلية العسكرية ،أما وجوده السياسي والإجتماعي ،فهو مؤمن بشكل يستطيع من خلاله تدارك أية أخطار مستقبلية .

أما الحشد الشعبي ،ففاعليته العسكرية تنطلق وتستمر في العراق أولاً ،وقد لايكون معنياً كثيراً فيما هو خارج الا بمقدار انعكاسه على العراق وضمن متطلبات الأمن الوطني العراقي ، لكنه سيواجه الكثير من المطبّات في محاولته الإنتقال الى العمل السياسي ،منها ماهو قانوني ،ومنها تعدد تشكيلاته المنضوية في أحزاب وحركات سياسية عديدة ،وكل منها لها طموحاتها ورؤيتها الخاصة ،مايعيق كذلك بناء مؤسسات اقتصادية /انتاجية / ،تشكل امتداداً لوجوده الإجتماعي وفاعليته السياسية ، فيما تجاوز حزب الله بقيادته ورؤيته الواحدة ،مثل هذه المشكلات ،وبنى مايمكن تسميته (مؤسسات ضامنة) لها فعاليتها وقدرتها على الحركة والإنتاج .

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك