عادل الجبوري
عشرات رجال الدين والعلماء من دول اسلامية عديدة اجتمعوا هذه المرة في العاصمة العراقية بغداد، في اطار المؤتمر الدوري للاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، وتحدثوا وبحثوا وتداولوا في أهم وأبرز وأخطر التهديدات والتحديات التي تواجه الأمة الاسلامية والسبل العملية الناجعة لمواجهة تلك التحديات.
أكثر من قضية يمكن أن تستوقف المرء وهو يتابع مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة. القضية الاولى، تتمثل في المغزى من عقده في بغداد دون غيرها من العواصم، وفي هذا التوقيت بالذات.
في الواقع يبدو واضحًا أن اختيار بغداد لتحتضن المؤتمر، أريد من ورائه اطلاق رسالة تنطوي على أكثر من معنى ودلالة، إحداها تتمثل في أن العراق يعد اليوم أحد أبرز المستهدفين من قبل الولايات المتحدة الاميركية والكيان الصهيوني في وحدته وسيادته واستقلاله وأكثر من ذلك هويته، ومجمل الأحداث والوقائع القريبة والبعيدة تؤكد ذلك بما لا يقبل الشك ولا يحتمل اللبس والغموض.
الى جانب ذلك، هناك مؤشرات وارقام ومعطيات تذهب الى أن واشنطن وبعض العواصم المرتبطة بها والتابعة لها تخطط منذ زمن بعيد لجعل العراق نقطة انطلاق لتنفيذ اجندات ومشاريع على نطاق أوسع لتمتد الى دول وشعوب أخرى، من قبيل ما يسمى بـ"صفقة القرن" بالاستفادة من مجمل الظروف والأوضاع الاستثنائية التي يعيشها بفعل الاحتلال والارهاب وضعف الدولة والسلطة فيه.
ولعل شعار المؤتمر اختير بدقة وعنائة فائقة، اذ انه يربط بين وحدة وسيادة العراق من جانب وانتصار فلسطين والامة الاسلامية من جانب آخر، فضلًا عن ذلك فإن مجمل كلمات مداخلات المشاركين تمحورت حول وحدة العراق وسيادته من خلال انهاء الوجود الاجنبي من على اراضيه، وتكريس وترسيخ المواقف الوطنية التي تكون بوتقتها المصالح العامة قبل المصالح الفئوية الخاصة، بما يساهم في افشال المؤامرات الاميركية الصهيونية ضد فلسطين وبقية الدول والشعوب الاسلامية. بعبارة اخرى، إن وحدة وسيادة هذا البلد، تعد انتصارا للقضية الفلسطينية ولعموم الامة الاسلامية، في ظل تحديات وتهديدات خطيرة تستهدف اضعاف وتحجيم جبهة المقاومة وتكريس الاحتلال الصهيوني لفلسطين عبر ما سمي بصفقة القرن، ومحاصرة الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتفكيك وتقسيم العراق ودول عربية واسلامية اخرى تحت شعار الشرق الاوسط الكبير أو الجديد، والاستمرار بنهب ثروات وموارد الشعوب العربية والاسلامية، من خلال تصدير ترسانات الاسلحة لها وبث الرعب والفزع الدائم في نفوس حكامها وانظمتها.
والقضية الأخرى التي انطوى عليها عقد المؤتمر في بغداد، هو أن الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، وبعيدًا عن أية صبغة طائفية، أراد أن يعبر عن حجم اهتمامه وحرصه على العراق، عبر مواقف وتوجهات تصدر وتنطلق من بغداد وليس من مكان آخر، لأن أثرها لا بد أن يكون مختلفا الى حد كبير.
وما ينبغي الاشارة اليه والتذكير به، هو أن الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة تأسس في الحادي والعشرين من شهر تشرين الاول - اكتوبر من عام 2014، أي حينما كان الخطر الداعشي التكفيري على العراق وسوريا وربما بلدان أخرى قد بلغ ذروته، وحدد هويته واهدافه بعبارات واضحة ومقتضبة، وهو انه عبارة عن "اطار اسلامي عربي واسع على اساس الاسلام الأصيل والوحدة والمقاومة، ويستهدف جمع الجهود وتوحيد الكلمة ومساندة المقاومة لمواجهة المشاريع الأميرکية والصهيونية والقوى المتطرفة الساعية لنشر الفوضى والفتنة في المنطقة".
وفي المؤتمر الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت في أواخر شهر ايار - مايو من عام 2015، في خضم الظروف والاوضاع الخطيرة في اليمن وسوريا ودول أخرى، شدد المؤتمر في ذلك الحين على أهمية مواجهة الحملات التكفيرية برفع راية الوحدة ودعم البلدان الاسلامية في التصدي لخطر الحروب والجماعات الارهابية.
وهكذا في المؤتمر اللاحق الذي عقد في العاصمة الايرانية طهران تزامنا مع اعلان الولايات المتحدة الاميركية اعترافها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، في شهر تشرين الثاني - نوفمبر من عام 2017، تحت شعار "وعد الحق.. فلسطين بين وعد بلفور والوعد الالهي".
وكان للاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، موقف واضح وقوي حيال اجراءات واشنطن لنقل سفارتها من "تل ابيب" الى القدس في مطلع شهر ايار - مايو من عام 2018، حينما عُقد ملتقى واسع في بيروت بهذا الشأن.
ولعل ما طرح وما قيل في مؤتمر بغداد، لم يبتعد عما طرح وقيل في المؤتمرات السابقة له في بيروت وطهران، بل هو في الواقع استمرار وتأكيد وتكريس لتلك الثوابت والمسارات الصائبة، والمواقف والتوجهات الشاخصة، والحقائق والمعطيات الثابتة.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha