حافظ آل بشارة
كلما مرت ذكرى الشهيد السعيد ابو ذر الحسن رحمه الله ، استيقظت في الاعماق ذكريات اخرى من ملامح فكره وسلوكه ، كان مدرسة غنية بالفكر الواقعي العملي المنتزع من شدائد المحنة الوطنية وفصولها ، كان على بصيرة من أمره وقد اكتشف مبكرا كل الامراض التي يمكن ان تدب في ضمائر الثورات والثوار ، والتناقض بين الشعارات والسلوك عند البعض ، وتوقع الشهيد بمرارة ان تنمو تلك الامراض لتجر كثيرا من الرموز الى دائرة الانحراف والفساد ، عاش الشهيد ابو ذر الحسن في ايامه الاخيرة هاجس الحكمة العملية ، وأكد ضرورة حفظ المعايير الاسلامية في قضية صلاح النخبة ، وكانت لديه محاولات لاعادة قراءة التصوف من نافذة ثلاثية (الحكمة والحاكمية والحكم) فالحكمة هي منتهى العلم وفضيلته وخلاصة المعرفة النافعة ، وسياسة العباد والبلاد بالحكمة غاية الطلب ، اما الحاكمية فهي لله تعالى وحده ولم يوكلها الا للانبياء واهل العصمة ومن اتبعهم بيقين ، اما الحكم فهو فن ممارسة السلطة والادارة والسياسة ومعيارها العدل ، ولا قيمة لحكم بلا عدل ، وكان الشهيد يعد اقامة الدولة العادلة حلم البشرية الصعب الذي لا يقوى عليه الا اهل الاستقامة والورع والتقوى او من امتثلوا للقوانين التي سنوها ولم يتسلقوا فوقها ، ثم انه اعاد قراءة رؤية الشهيد الصدر (قدس) عندما يعد ظهور نظام الحكم العادل استحقاقا للأمة وأحد عناصر سنن التأريخ ، ورافق شهيد المحراب وفهم مضمون فكره السياسي العميق ، الشهيد في فكرة التنظير للعدالة ربط عدالة الحاكمين كفضيلة اخلاقية باستحقاق الأمة في مسارها الاخلاقي الشامل ، لكي يخرج بهوية نظام سياسي متطور (العدالة) وتجلياتها.
لو كان الشهيد ابو ذر الحسن رحمه الله حيا اليوم لاستخدم الجدلية نفسها للربط بين خطوط الانحدار التي ظهرت في التجربة العراقية مبكرا بعد سقوط النظام ، ولوجد فورا ان فساد وظلم النخبة الحاكمة ارتبط بقوة مع ظاهرة الاستحقاق الاجتماعي وكأن النخبة والمجتمع يتبادلان الاماكن بشكل ديناميكي لا يتوقف ، اما الصحوة الحالية والتظاهرات المطلبية فهي مجرد بدايات تحاول من خلالها الأمة ان تتبرأ من النخبة لتأخذ مسارا صعوديا وتترك رموز الانحدار تواصل تدحرجها وعجزها ، فالشعب الذي يرفض الفساد والفشل في الادارة والسياسة بقوة ووضوح ويعرف المشكلة على حقيقتها ، ويعرف حقوقه هو شعب قرر ان يواصل خيار الاصلاح بوعي كامل ، ولكن هذه الرحلة ليست سهلة فان الاصلاح يأتي بعد عدد كبير من تجارب الصح والخطأ والفتن والشبهات ، وكل كبوة لها ضحاياها ، كل هذه الرؤى والنبوءات كانت تدور في ذهن الشهيد ابو ذر الحسن وعلى لسانه في محاضراته وكتاباته ، في سبق زمني مذهل ، وكان تصوفه السياسي قد فتح له ابوابا مشرعة نحو كمالات رائعة ، حتى اختلط لديه العبادي بالسياسي فحلق في سماء الشهادة التي هي منتهى طلب كل العاشقين .
،،،،،،،،،،،،،،،
https://telegram.me/buratha