التقارير

تسليح الجيش العراقي.. موسكو بدلًا من واشنطن

2725 2019-09-18

عادل الجبوري

 

جانب كبير من الجدل والسجال الذي شهدته الساحة السياسية العراقية، خلال الشهور الماضية، وما زال، هو سلبيات الاعتماد على مصدر واحد لتسليح الجيش العراقي وتدريبه، ومدى اهمية وضرورة تنويع مصادر التسليح والتدريب، استنادا الى الحقائق والمعطيات التي افرزتها تجربة الاعوام الستة عشر المنصرمة.

وبصورة  اكثر وضوحا وتحديدا، تعالت اصوات عديدة تحت قبة البرلمان العراقي وخارجها، تنادي بضرورة التوجه الى روسيا، والاستفادة من امكانياتها وقدراتها التسليحية الكبيرة والمتطورة، واعادة النظر بكل برامج ومشاريع التسليح من الولايات المتحدة الاميركية.

في واقع الامر، لم تأت مثل هذه الدعوات والمطالب من فراغ، وانما انبثقت وتصاعدت بحكم عوامل عديدة وظروف مختلفة، من بينها، رفض الهيمنة الاميركية على العراق، والدور الاميركي السلبي في تفكيك منظومات ومؤسسات الدولة العراقية بعد الاطاحة بنظام صدام، لا سيما المؤسسة العسكرية، ومساهمة واشنطن ودورها الكبير في ايجاد وتمكين الجماعات والمنظمات الارهابية في العراق والمنطقة، كتنظيم القاعدة ومن ثم تنظيم داعش، وسعيها ـ اي واشنطن ـ لجعل العراق قاعدة ومنطلقا للعدوان على دول اخرى.

 

واذا لم نشأ العودة الى الوراء كثيرا، في بحث اعتماد العراق بتسليح جيشه على روسيا، منذ ستينيات القرن الماضي، فإن التوجه نحو موسكو بعد الاطاحة بنظام صدام، بدأ فعليا في خريف العام 2012، حينما قام رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري المالكي بزيارة رسمية لروسيا في منتصف شهر تشرين الاول/ اكتوبر من ذلك العام، وكان تزويد العراق بالاسلحة الثقيلة والمتوسطة على رأس قائمة الموضوعات التي ناقشها مع كبار الساسة والمسؤولين الروس، وقد صرح حينها قائلا: "إن العراق يأمل بدون شك بالحصول على دعم روسيا في ميداني الدفاع والتسلح، اذ ان هناك ضرورة ملحة لحيازة العراق على الأسلحة التي تمكنه من الدفاع عن نفسه ومن مكافحة الارهاب في مختلف الظروف الجبلية والصحراوية".

وقد شهدت زيارة المالكي ابرام صفقة مهمة بين بغداد وموسكو، قضت ببيع الاخيرة اسلحة ومعدات بقيمة 4.3 مليار دولار للاولى، شملت ثلاثين طائرة هليكوبتر قتالية من طراز ميل مي ـ 28 (صياد الليل) واثنين واربعين منصة متحركة لإطلاق الصواريخ من طراز بانتسيرـ إس1، ومعدات اخرى.

وذكرت مراكز بحثية متخصصة في ذلك الوقت ان تلك الصفقة، تمثل ثالث أكبر صفقة لبيع سلاح روسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 بعد صفقة قيمتها 7.5 مليار دولار مع الجزائر عام 2006، وصفقة أخرى بقيمة ستة مليارات دولار مع فنزويلا في عام 2009.

تسليح الجيش العراقي.. موسكو بدلًا من واشنطن

ورغم الاجواء السياسية المتشنجة والمواقف الرافضة والمتحفظة على سياسات المالكي، من قبل اغلب الفرقاء والشركاء، الا ان تحركه نحو موسكو لاقى ارتياحا كبيرا وترحيبا ملموسا، قابله تذمر واستياء اميركي، رد عليه المالكي من موسكو خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف، بالقول "ان العراق لا يتشاور مع أي كان في الشؤون السياسية وفي ما يتعلق بشراء الأسلحة وعقود النفط".

بيد ان الحراك نحو موسكو لم يتواصل مثلما كان مأمولا منه، لعدة اسباب، منها، طبيعة الصراعات والتقاطعات السياسية الداخلية، والضغوط الاميركية، وبروز ازمات خطيرة في عدة دول بالمنطقة، تحت يافطة ما عرف بثورات الربيع العربي، ومن ثم اجتياح تنظيم داعش الارهابي لمساحات واسعة من الجغرافيا العراقية صيف عام 2014، وتأثر العراق بأزمة التراجع الحاد بأسعار النفط في الاسواق العالمية.

مع ذلك، فإن المطالب والدعوات لتنويع مصادر التسليح، لم تتوقف، وارتفعت وتيرتها مع تلكؤ ومراوغة واشنطن في تقديم الدعم المطلوب للقوات العراقية خلال حربها ضد داعش، بل والانكى من ذلك، ظهور مؤشرات وأدلة عديدة اثبتت ان واشنطن عرقلت المسارات المتقدمة للحرب، وانقذت عصابات داعش في اكثر من مكان، هذا في الوقت الذي لعبت فيه طائرات سوخوي الروسية المقاتلة، التي زودت موسكو بغداد بها، دورا مهما في تسريع مهمة القضاء على داعش.        

وبعد تحقيق الانتصار العسكري الناجز على داعش في اواخر عام 2017، وانكشاف حقيقة مخططات واجندات واشنطن في العراق، التي بدا انها تتمحور حول فكرة استمرار التواجد العسكري فيه، لتحجيم واضعاف القوى المؤثرة والفاعلة، واتخاذه قاعدة ومحطة لمراقبة الاوضاع في دول مجاورة، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، ابدت مختلف القوى والفاعليات والكيانات السياسية، لا سيما المنضوية تحت عنوان محور المقاومة، والقريبة منه والمتعاطفة معه، اهتماما استثنائيا بملفين، الاول انهاء التواجد االعسكري الاجنبي في البلاد، وبالتحديد الاميركي، والملف الثاني، تمثل بتنويع مصادر التسليح والتوجه نحو موسكو والابتعاد عن واشنطن.

تسليح الجيش العراقي.. موسكو بدلًا من واشنطن

وفيما يتعلق بالملف الثاني، كشفت مصادر في لجنة الامن والدفاع البرلمانية العراقية قبل بضعة اسابيع، عن توجه حكومي جاد لتنويع مصادر تسليح الجيش من عدة دول، من بينها روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، وعدم الاعتماد على الأسلحة الأمريكية.

ويشير عضو في لجنة الامن والدفاع الى ان الولايات المتحدة الاميركية خذلت العراق عندما احتاج الى سلاحها وفق العقود المبرمة بين بغداد وواشنطن، لذلك لا بد من تحرك حكومي لابرام عقود تسليح جديدة مع روسيا واستغلال فائض اموال النفط لتسديد مبالغ هذه العقود، حيث ان العراق لديه تجربة جيدة مع السلاح الروسي.

وبينما بحث مستشار الامن الوطني العراقي فالح الفياض خلال زيارته الاخيرة لموسكو، مطلع شهر ايلول/ سبتمبر الجاري، موضوع تسليح الجيش العراقي بترسانة متطورة من الاسلحة الروسية من بينها صواريخ (S-400)، فإنه من المتوقع ان يشغل هذا الموضوع حيزا كبيرا من البحث والنقاش بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمسؤولين العراقيين، خلال زيارته المرتقبة لبغداد في السابع من شهر تشرين الاول/ اكتوبر المقبل.

ومن مجمل الحقائق والمعطيات الماثلة على  الارض، يبدو ان الظروف الراهنة مواتية اكثر من اي وقت مضى للمضي قدما في تعزيز قدرات الجيش العراقي، من حيث التسليح والتدريب واكتساب الخبرات، ومعالجة الاخطاء والسلبيات السابقة، وموسكو اذا لم تكن الخيار الوحيد لذلك، فإنها بلا شك من افضل وانجع الخيارات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك