التقارير

عواصم "الفتن والتضليل": التهريج على انغام واشنطن!

2550 2019-05-02

 عادل الجبوري

في ظاهر الامر، ربما تبدو الوقائع والاحداث والمواقف والتوجهات المنطلقة من بعض العواصم العربية، كالرياض والمنامة وابو ظبي، منفصلة عما يطرح ويقال في واشنطن ومن قبل بعض السفارات الاميركية، وتحديدا في بغداد، بيد ان التعمق والتأمل قليلا في توقيت وتتابع تلك الوقائع والاحداث والمواقف والتوجهات، يؤشر الى ان هناك قدرا كبيرا من التواصل والتنسيق والتخطيط، ومساع حثيثة للوصول الى اهداف معينة، عجزت الاساليب والوسائل والادوات والخطط السابقة عن تحقيقها، حيال العراق، وعموم محور المقاومة.

وخلال فترة زمنية قصيرة لم تتعد الاسبوع الواحد، اقدمت السفارة الاميركية في بغداد، على ارتكاب اساءتين، لاتمتان الى السياقات والاعراف الدبلوماسية بصلة، الاساءة، تمثلت الاولى بأعلان القائم بأعمال السفارة "جوي هود"، بأن حكومة بلاده ستفرض عقوبات دبلوماسية على العراق في حال خرق العقوبات المفروضة على ايران، وتحدث في مؤتمر صحفي، عما يجب ان يقوم به رئيس الوزراء العراقي، من قبيل حل الحشد الشعبي، وقطع علاقاته مع ايران، وانهاء الوجود الايراني في العراق.

والاساءة الثانية، تمثلت في التهجم على مرجع ديني كبير من مراجع مذهب اهل البيت عليهم السلام، الا وهو اية الله العظمى السيد علي الخامنئي، عبر منشور على الصفحة الرسمية للسفارة الاميركية في بغداد بموقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك).

ومثلما، عكست الاساءة الاولى تجاوزا غير مقبولا على العراق، فأن الاساءة الثانية، جاءت مخالفة للدستور العراقي الذي نصّ على عدم جواز استخدام الاراضي العراقية للاعتداء على جيران العراق من قبل اية دولة، ولاشك ان مفهوم الاعتداء لاينحصر بالاساليب العسكرية المسلحة، وانما يشمل الوسائل والاساليب الاعلامية والاقتصادية وغيرها.

ويخطأ من يتصور او يفترض ان تهديدات القائم بالاعمال الاميركي بفرض اجراءات عقابية دبلوماسية على العراقي في حال لم يلتزم بالعقوبات ضد ايران، وكذلك الاساءة للسيد الخامنئي عبر حساب السفارة في بغداد على الفيسبوك، كانت عفوية وغير مخطط لها في واشنطن، بل ان الاخيرة ارادت ان توصل رسائل لكل من بغداد وطهران على السواء، وان اختلفت تلك الرسائل في ماهيتها ومضامينها ودلالاتها.

أرادت واشنطن ان تقول لبغداد، ان التأثير والحضور الاميركي في العراق لايقتصر على الجانب العسكري، وانما يمتد الى الجانب الدبلوماسي، ناهيك عن الجانب المخابراتي، الذي غالبا ما يلتحف بغطاء اعلامي او ثقافي او اجتماعي او اكاديمي، ولعل الامثلة والمصاديق على ذلك كثيرة.

وأرادت ان تقول لبغداد، ان سفارتها هناك، يمكن ان تلعب دورا محوريا في تشديد الضغط على طهران، والحؤول دون تأمين نافذة لها عبر بغداد.

في مقابل ذلك ارادت واشنطن ان تقول لطهران، انها ستحاربها بكل الوسائل والاساليب والادوات، ومن كل الاماكن، لاسيما بغداد، وانها ستستهدف اصدقائها وحلفائها في العراق، ولن تتركهم يفعلون ما يشاءون.

وأغلب الظن، ان واشنطن لم تتوقع ان يكون الرد العراقي سريعا وقويا ومتعدد الابعاد والمستويات، وذلك فأنها ربما حاولت تشتيت الانظار، وخلط الاوراق، بتحريك بعض ادواتها هنا وهناك.

فمن الرياض، برزت قضية تنفيذ احكام الاعدام بسبعة وثلاثين مواطنا سعوديا من الشيعة، كانوا قد اعتقلوا قبل ثمانية اعوام بتهمة "الارهاب"، او بعبارة اخرى، العمل ضد النظام السعودي الحاكم. 

ومن المنامة، تجاوز وزير الخارجية البحريني خالد ال خليفة، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي(تويتر) على زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، واصفا اياه بأوصاف لايمكن ان تصدر من شخص يشغل الموقع الدبلوماسي الاول في دولة ما.

ولم يك غريبا ان تسارع الرياض وابو ظبي الى اظهار التضامن مع نظام الحكم البحريني، بعد ردود الفعل العراقية الغاضبة والمستهجنة لاساءات وتجاوزات الوزير البحريني، مثلما علت اصوات مؤيدة لحكام الرياض حيال حملة الاعدامات الاخيرة.   

ولا شك ان ترامب، الذي يكرر بكل وضوح وصراحة، ان الولايات المتحدة الاميركية لن توفر الحماية لاي طرف دون دفع ثمن تلك الحماية، يعد التماهي مع سياساته ودعمها ومساندتها، نوع من انواع الثمن، وعليه فأن ما مطلوب من حكام الرياض والمنامة وابو ظبي وعواصم اخرى، ان لايتوقفون عن عدائهم ومؤامراتهم وحروبهم ضد ايران، وكذلك العراق وعموم محور المقاومة.

مطلوب من حكام تلك العواصم، ان يثيروا الفتن، ويسيئوا للرموز السياسية والدينية الوطنية، وان يثيروا المشاكل والازمات بين ابناء الوطن الواحد، وان يبثوا وينشروا ويروجوا لمختلف المظاهر والظواهر السلبية، والقضايا المحبطة.

وبما ان الحروب العسكرية المباشرة، وتوظيف الجماعات والتنظيمات الارهابية ، كتنظيم القاعدة وبعده تنظيم داعش، قد بائت بالفشل، فأن الخيار البديل هو الحرب الناعمة، بميادينها الاعلامية والاكاديمية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية المختلفة، ولايحتاج المرء اليوم لبذل الكثير من الجهد للوقوف على مصاديق ودلائل ومعطيات تلك الحرب الناعمة.     

ولعل الشيء المهم حتى الان، هو انه رغم الاموال الطائلة التي انفقت، والجهود التي بذلت، والمخططات التي وضعت، فشلت واشنطن ومن يقف ورائها ويتبعها، بتمرير اجنداتها وتحقيق اهدافها، وهي تشعر انها خسرت كثيرا، وستكون خسارتها اكبر، حينما تجد نفسها مرغمة على مغادرة الاراضي العراقية، بعد ان يقر البرلمان العراقي قانون اخراج القوات الاجنبية من البلاد، وستكون خسارتها اكبر، حينما تكتشف ان العلاقات بين بغداد وطهران تحكمها قواسم مشتركة كثيرة، ومصالح متبادلة واسعة، وحقائق تأريخية وثوابت جغرافية لايمكن التلاعب بها وتكييفها وفق مخططات واجندات مراكز صناعة القرار في واشنطن والعواصم التابعة لها.

وهذا ما ينطبق على عموم دول وشعوب المنطقة، وابعد من ذلك، هذا ما ينطبق على مختلف مكونات المجتمع الدولي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك