عادل الجبوري
بعد خمسة شهور من تكليفه بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، وتصديه للمنصب التنفيذي الاول، قام رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، يوم السبت، الثالث والعشرين من شهر اذار-مارس الجاري، بأول سفرة رسمية خارجية له، حيث كانت محطته الاولى هي مصر.
وكان عبد المهدي، اكد عند شروعه بمهامه الجديدة، انه لن يلبي اية دعوة خارجية قبل اكمال المرحلة الاولى من برنامجه الحكومي، وقبيل مغادرته بغداد متجها نحو القاهرة، اصدر بيانا توضيحيا، قال فيه، "بالفعل انتهينا من اقرار البرنامج وانجاز المهام التي كان من المطلوب انجازها خلال الأشهر الاولى من عمر الحكومة".
ولان موعد الزيارة جاء متزامنا مع كارثة وطنية كبيرة ومفجعة، تسببت بوفاة اكثر من مائة شخص، جراء غرق عبّارة في احد المنتجعات السياحية بمحافظة نينوى يوم الخميس الماضي، اوضح عبد المهدي، انه "تلقى دعوات عديدة من السيسي لزيارة الشقيقة الكبرى مصر، إلا أنه أرجأ الزيارة لحين انجاز مهام برنامج حكومته، ومنذ اكثر من شهرين والعمل جار على وضع الترتيبات الكاملة لانجاز الزيارة في ٢٣-٢٤ من الشهر الجاري".
واكد عبد المهدي في بيانه التوضيحي انه يشعر بحرج كبير على تركه البلاد في هذه الظروف، خصوصاً بعد حادثة العبّارة في الموصل، وإعلان حالة الحداد لمدة ثلاثة أيام، مؤكدا "ان طبيعة الزيارة بأعتبارها زيارة عمل، هدفها الاول خدمة العراق والعراقيين، ولأهمية اللقاءات المرتقبة وما تحققه من مكاسب للوطن والمنطقة، ولصعوبة تأجيل الزيارة مرة اخرى بعد الاعدادات المعقدة والطويلة لا يسعني الا المضي قدما في هذه الزيارة".
ولعل التوضيح الاعلامي الصادر من مكتب عبد المهدي، يعكس بالفعل الاهمية التي انطوت عليها تلك الزيارة، لاسيما اذا عرفنا انه في مثل هذه الظروف الاستثنائية، يتم تأجيل او الغاء كل البرامج، الا في حالات استثنائية جدا.
واهمية الزيارة، تنطلق من كونها تأتي في سياق حراك سياسي-دبلوماسي بين بغداد ومحيطها الاقليمي والعربي، وكذلك الفضاء الدولي، والذي ترجمته جولات عديدة قام بها الرئيس العراقي برهم صالح، شملت دول مهمة لها ثقلها وتأثيرها وحضورها الكبير اقليميا ودوليا، الى جانب زيارات عدد من رؤساء وزعماء دول مهمة الى العراق، مثل الرئيس الايراني حسن روحاني، والملك الاردني عبد الله الثاني.
وتأتي زيارة عبد المهدي الاول بعد توليه رئاسة الوزراء، في ظل تحولات كبيرة ومهمة في الاوضاع الامنية في العراق، مقرونة بتحديات ومخاطر مازالت تطل برأسها على العراق وعموم دول المنطقة، تحتاج الى الكثير من اليقظة والحذر والتواصل والتعاون والتنسيق بين كل الاطراف.
بعبارة اخرى، يمكن القول ان العراق، بعد ان كان يمثل بنظر الكثيرين عبئا، ومركزا للفوضى والاضطراب وانعدام الاستقرار، يبدو اليوم لاعبا اساسيا ومحوريا في اية ترتيبات ومسارات وخطط لحل او تطويق مشاكل وازمات المنطقة، ومن يقرأ البيان الختامي للقمة العراقية-المصرية-الاردنية، يستطيع تلمس هذه المضامين بين ثنايا وطيات البيان.
وفي الواقع يتبني عبد المهدي، وحتى قبل ان يتولى المنصب الحالي بعدة اعوام، رؤية مفادها ان الاقتصاد هو المفتاح لحل ومعالجة ازمات العراق، وان عجلة الاقتصاد لايمكن ان تتحرك وتدور الا في بيئة امنية مستقرة وهادئة، وانه من غير الممكن ان يشهد العراق نموا وازدهارا اقتصاديا حقيقيا بمعزل عن دول المنطقة.
من هنا فأنه يركز على مفردة الاقتصاد في كل اطروحاته ونقاشاته ومباحثاته مع الساسة والزعماء الاخرين، وهو يرى ان الانفتاح والتواصل والتعاون مع اي طرف، لاينفي ولايلغي امكانية التنسيق والتواصل مع الاطراف الاخرى، ان لم يكن كل منهما يعزز ويكمل الاخر، لذلك فأنه من الطبيعي جدا، اعتبار ان مباحثات "القاهرة" مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكبار المسؤولين المصريين، تعد بشكل او باخر استكمالا لمباحثات "بغداد" الاخيرة مع الرئيس الايراني حسن روحاني واعضاء وفده المرافق.
ولاشك ان زيارة عبد المهدي لمصر، تنطوي على بعد ثنائي(بغداد-القاهرة)، تحكمه مصالح متبادلة وقواسم مشتركة في الجانب الاقتصادي والجوانب المختلفة الاخرى، من المهم للطرفين تعزيزها وتمتينها، وقد اشار عبد المهدي في تصريحات له من القاهرة الى "ان حجم التبادل التجاري بين العراق ومصر، يبلغ حاليا 1,2 مليار دولار، وهذا لا يمكن القبول به"، اي ان هناك رؤية وطموحا لتطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع افاقها بين الطرفين.
الى جانب ذلك، هناك تحديات متشابهة او متماثلة تواجهها كل من بغداد والقاهرة، متمثلة بالارهاب التكفيري بعناوينه ومسمياته المتنوعة، والتي تحتم وجود اكبر قدر من التنسيق والتعاون فيما بينهما، اذ ان حوداث وصور الارهاب الدموي في بغداد ومختلف المدن العراقية الاخرى، عاشتها القاهرة ومدن مصرية اخرى، ولعل اشارة عبد المهدي بعد اجتماعيه مع السيسي الى اهمية تجفيف المنابع الاساسية لتنظيم داعش، كانت في محلها، لانه كما ذكرنا انفا، يتطلب تحريك عجلة الاقتصاد بيئة امنية مستقرة وهادئة.
ومضافا الى البعد الثنائي في زيارة عبد المهدي، هناك البعد الاقليمي الاوسع، الذي عبرت عن جزء منه القمة العراقية-المصرية-الاردنية، وما خرجت به من نتائج ومقررات وتوصيات، عكست اهتماما بمجمل ملفات المنطقة، وتوافقا في الرؤى والتصورات في اليات التعاطي معها، من قبيل، مكافحة الإرهاب بكل صوره ومواجهة داعميه ومموليه، وأهمية استكمال المعركة الشاملة ضده، في ضوء انتصار العراق على تنظيم داعش الارهابي، وكذلك دعم حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، بما فيها إقامة دولته وعاصمتها القدس، وتعزيز وتطوير التعاون في قطاعات الطاقة والبنى التحتية واعادة الاعمار، وغيرها من القطاعات التنموية، فضلا عن زيادة التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات المشتركة وتطوير العلاقات الثقافية.
وكل ذلك يعني ويهم الاطراف الثلاثة، بغداد والقاهرة وعمّان، وبذات المستوى والاهمية، يعني ويهم عموم المحيط الاقليمي، فمثل تلك المفردات والمفاهيم والرؤى والافكار، في حال ترجمت على ارض الواقع، ستصب في مصلحة طهران وانقرة والرياض وبيروت ودمشق وابو ظبي والكويت والدوحة ومختلف العواصم الاخرى، لذا فأن من يرى فيها مصالحه، ينبغي عليه ان يتحرك ويعمل بصدق وجدية ووضوح لترسيخها وتكريسها وانجاحها، وعدم الاكتفاء بأطلاق وتسويق الشعارات والادعاءات، ومغادرة مساحات العقد والاشكاليات والضيقة الى فضاء المصالح المشتركة والتحديات الكبرى.
https://telegram.me/buratha