محمد صادق الحسيني
حال من الهستيريا ، تنتاب الرئيس الاميركي وادارته ومستشاريه من المحافظين الجدد وعلى رأسهم الصهيوني جون بولتون ، في هذه الايام بسبب تطورات ومفاجآت الصمود الفنزويلي العظيم والذي يعود براي المراقبين الى ما يلي :
1. فشل هذه الاداره في اسقاط الدولة الوطنية الفنزويليه ، عبر تنصيب جاسوس اميركي كرئيس لفنزويلا ، بدلا عن الرئيس مادورو المنتخب من الشعب ديموقراطيا ودستوريا ، عبر تلك الحركة البهلوانيه ، التي تمثلت في قيام هذا الجاسوس غوايدو بتنصيب نفسه رئيسا بدلا عن الرئيس الشرعي .
2. فشل الاداره الاميركيه في شق الجيش وخلق حالة فوضى خدمة لهدف تدمير الدوله الفنزويليه الشرعيه وإحلال مجموعة من الجواسيس مكان الحكومة الشرعيه خدمة للولايات المتحده في السيطرة على خيرات البلاد النفطية والمعدنيه ، خاصة الذهب .
3. فشل الاداره الاميركيه في الوصول الى هدفها بواسطة حملة " المساعدات الإنسانيه " التي حشدت لإدخالها بالقوه عبر الحدود مع كولومبيا .تلك " المساعدات " التي لم تحمل من ذلك الا الاسم لانها كانت اسلحة وذخائر ومعدات عسكريه مرسلة لتسليمها لمجموعات من المرتزقه التي كان من المفترض إدخالهم الى فنزويلا عبر الحدود مع كولومبيا شرقا والبرازيل جنوبا ...
4. اما عملية الكشف عن وصول طائرتين عسكريتين روسيتين الى فنزويلا قبل ايّام ، وعلى متنهن ما يقارب المئة مستشار عسكري روسي وبعض التجهيزات العسكريه الخاصه ، فكانت بمثابة الضربه القاضيه للحملة الاميركيه المسعوره ضد فنزويلا ورئيسها الشرعي ، نيكولاس مادورو ، خاصة وان الادارة الاميركيه ، وبعد تقييم للوضع العسكري الفنزويلي ولأوراق القوه التي يملكها الرئيس مادورو ، قد توصلت الى قناعة راسخة باستحالة القيام باي عمل عسكري ، لا مباشرا ولا غير مباشر ، ضد فنزويلا . ويرجع ذلك الى العوامل التاليه :
أ) امتلاك فنزويلا لجيش قوي عقائدي ومتماسك ، كثير الشبه مع الجيش العربي السوري ، وهو مستعد للتصدي لاي عدوان على سيادة بلاده .
ب)امتلاك هذا الجيش ما يكفي من الخبرة العسكريه والإمكانات التسليحيه ، والتي ليس آخرها منظومات الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز اس ٣٠٠ واس ٤٠٠ الاكثر تطورا والقادرة على رصد اهداف على بعد ستمائة كيلومتر .
ج)امتلاك الجيش الفنزويلي افضل طائرة سيطره جويه / تفوق جوي / في العالم ، الا وهي طائرة سوخوي ٣٠ ام /ك / ٢ SUCHOI 30 MK 2 والتي تتمتع بقدرات قتاليه لا مثيل لها واهمها صواريخ جو /جو التي تحملها وتستطيع اطلاقها على اهداف جويه ( طائرات او صواريخ مجنحه معاديه ) حتى مسافة مائة وثلاثين كيلو مترا . اَي انها قادرة على الدفاع عن المجال الجوي الفنزويلي حتى عن بعد مئات الكيلومترات خارج هذا المجال وقبل ان تصله الطائرات او الصواريخ الاميركيه .
د) امتلاك دول " حلف المقاومه " في اميركا الجنوبيه ، فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا ، الكثير من الأوراق السياسيه والعسكريه التي يمكن تحريكها ضد الولايات المتحده وعملائها في تلك القاره . ومن بين هذه الأوراق الهامه ، على سبيل المثال لا الحصر ، حركة " القوات المسلحه الكولومبية -جيش الشعب ، المعروفه باسمها المختصر " فارك Farc " وهو الاسم الإسباني لهذه الحركه : Fuerzas Armadas revolutionarias de Columbia / ejercito del Pueblo .
هذه الحركه ، الماركسية اللينينيه المعادية للولايات المتحده ، التي وقعت اتفاقية سلام بينها وبين الحكومه الكولومبيه في شهر حزيران ٢٠١٧ في هافانا وبرعاية كوبا ، قادرة على قلب الطاولة على راس ترامب والعودة الى العمل المسلح ضد حكومة كولومبيا ، العميله للولايات المتحده وغيرها من دول اميركا الجنوبيه ، وبالتعاون مع حركات مشابهه في العديد من دول القاره ، وخلق فيتنام جديده للولايات المتحده ولمدة عقود من الزمن . الامر الذي يعني ، بكل بساطه ، منع الولايات المتحده من تحقيق أهدافها ، في السيطرة على ثروات فنزويلا وغيرها من دول اميركا الجنوبية. وهو ما يشكل نصرا لفنزويلا ولكل القوى المعادية للهيمنة الاميركيه على ثروات ومقدرات الشعوب في العالم .
في هذه الاثناء فان المطلعين على تاريخ الاستعمار الامريكي الامبريالي يعتقدون بان تحركات الادارة الامريكية الحالية ضد فنزويلا الحالية تعود جذورها الى القديم من صراعات القوى الاستعمارية .
والازمة التي خلقتها الولايات المتحدة وعملائها في فنزويلا حديثاً هي في الواقع جزء من الصراع الدولي ، الدائر بين القوى العظمى مثل الصين وروسيا وايران ( والهند الى حد ما ) ، مع الولايات المتحده الاميركيه على اعادة تشكيل قيادة العالم ، بمعنى انهاء سيطرة القطب الواحد ، اَي الولايات المتحده ، على العالم وتشكيل خارطة علاقات دوليه جديده ، تستند الى القانون الدولي ، الذي هو اساس لكل تعاون سلمي بين الدول . وهو الامر الذي ترفضه الولايات المتحدة .
اما جذور الازمة فتعود الى ما يطلق عليه عقيدة مونرو ، التي اعلنها الرئيس الاميركي جيمس مونرو سنة ١٩٢٣ ، والتي تنص على ان النصف الغربي من الكرة الارضيه هو منطقة نفوذ اميركيه ويجب منع دول " العالم القديم " أوروبا من العوده لاستعمار القاره الاميركيه الجنوبيه بشكل خاص .وذلك لضمان إمكانية ممارسة الولايات المتحده لسياستها التوسعيه في تلك القاره دون منافسة أوروبيه . اَي استبدال الاستعمار الاوروبي باخر من الولايات المتحده الاميركيه ، في واقع الامر ، رغم ادعاءات الرئيس مونرو انذاك بان الهدف من هذه السياسة الاميركيه الجديده هو الحفاظ على استقلال دول امريكا اللاتينية التي استقلت عن اسبانيا والبرتغال في ذلك الوقت .
بينما كانت الحقيقة تكمن في مكان اخر تماما ، الا وهو توجه الولايات المتحده بتعزيز سيطرتها على تلك القاره ، خاصة وأنها كانت تخشى اعادة فرض السيطره الاوروبيه عليها بعد قيام المانيا ( مملكة بروسيا ) والنمسا وروسيا بعقد اتفاقية اطلق عليها اسم : التحالف المقدس Holly Alliance .ذلك الحلف الذي كان يهدف الى اقتسام النفوذ والسيطره ، على اميركا الجنوبيه ، بين هذه الدول وكل من اسبانيا والبرتغال .
من هنا نلاحظ ان هناك جذورا تاريخية لسعي الولايات المتحده الاميركيه لفرض سيطرتها ليس على فنزويلا فحسب وانما على كل القاره الاميركيه الجنوبيه . وما الموقف النزق وغير المألوف في العلاقات الدوليه ، الذي أعلنت عنه الولايات المتحده وأرفقته بتهديدات مباشره لروسيا ، على خلفية إرسال الحكومه الروسيه لعدد من المستشارين العسكريين الروس الى فنزويلا قبل ايّام ، الا دليلا على فشل أحلام الولايات المتحده في اعادة فرض سيطرتها على فنزويلا ، التي تملك اكبر احتياطي نفط في العالم ، في الوقت الذي نجحت فيه روسيا والصين بنسج علاقات تعاون متينه ومستندة الى قواعد القانون الدولي ، في مجالات السياسه والاقتصاد والتعاون العسكري التقني ، مع فنزويلا ، وليس على قاعدة اعادة استعمار فنزويلا او غيرها .
تأسيسا على ما تقدم نستطيع القول لقد قضي الامر . وانتصرت إرادة الشعب الفنزويلي ، في اتخاذ قرار التصدي للعدوان الاميركي السافر ضد بلاده ، وهو القرار الذي سيتكلل بالنصر النهائي ودحر قوى العدوان الاميركيه واذنابها المحليين ، سواء في فنزويلا او في غيرها من دول اميركا الجنوبيه . خاصة وان اليانكي الاميركي قد تأكد بالدليل الملموس ان السيطرة على الارض ، عبر الجيش وقوات الدفاع الشعبيه ، وفِي الجو عبر طائرات سوخوي ٣٠ للتفوق الجوي وانظمة الدفاع الجوي / اس ٣٠٠ واس ٤٠٠ / هي فقط في ايدي الرئيس الشرعي والمنتخب من الشعب الفنزويلي ، الرئيس نيكولاس مادورو ، الذي سيقود البلاد في مواجهة سلاح الحصار والعقوبات ويرفع الظلم عنه بالتعاون مع روسيا والصين وغيرها من الدول الرافضه للهيمنة الاميركيه في العالم .
وما النصر الا موقف وارادة حازمة وفن الصعود الى القمة بالقدرات الداخلية الوطنية اولاً..!
بعدنا طيبين قولوا الله.
https://telegram.me/buratha