التقارير

سنجار .. مدينة الصراعات والاطماع

4311 2019-03-23

خالد الخفاجي Khalid.alkhafaji@yahoo.com

ماشهده قضاء سنجار خلال الأيام القليلة الماضية من اشتباكات مسلحة بين حزب العمال التركي  الـ "PKK" والقوات الأمنية العراقية وأدى إلى سقوط العديد من الضحايا بين الطرفين يدق ناقوس الخطر مجددا إلى وضع هذه المدينة العراقية الحرج ودخولها ضمن دائرة الأطماع متعددة المحاور وحمى التنافس للسيطرة عليها بين الفصائل الكردية فيما بينها من جهة وبينها وبين القوات العراقية والحشد الشعبي من جهة أخرى.    

يعود انتشار حزب الـ "PKK" في قضاء سنجار الى أحداث يوم 3/8/2014 حينما سقطت هذه المدينة ومدن أخرى بيد عصابات (داعش) الإرهابية, وكان سقوط مثير للشك والارتياب تشير ترجيحات اغلب المطلعين على الحدث الى وجود اتفاق مسبق بين التنظيم الإرهابي وقوات البيشمركة المسيطرة على المدينة منذ عام 2003, حيث دخل الدواعش المدينة بأعداد قليلة جدا, وجابوا شوارع مركز القضاء على مرمى ومسمع قوات البيشمركة دون إطلاق طلقة واحدة من طرف على الطرف الاخر, وبعد ساعات انسحبت قوات البيشمركة من المدينة بعجلاتهم وراياتهم الكردية بالمرور من سيطرات داعش التي أغلقت الطرق الداخلة والخارجة للمدينة, لترتكب بعدها هذه العصابات أبشع المجازر بحق الايزيديين, حينها لم تجد الحكومة العراقية بدا من الاتفاق مع حزب العمال التركي (PKK) للانتشار في المدينة لحماية المدنيين, ثم اعقبه عقد اجتماع بين قادة الحشد ووفد من الحزب في بغداد, ليتفق الطرفين على السماح لفصائل الحشد بالدخول الى مناطق نفوذ حزب العمال المحاذية لمدن اربيل ودهوك ومناطق مهمة أخرى مثل محيط مدينة كركوك وقرب حقول باي حسن النفطية, مقابل تقديم الدعم العسكري والمادي وفتح مكتب تمثيلي للحزب في بغداد.

هذا الاتفاق اثار حفيظة سلطات الاقليم خاصة زعيم الحزب الديمقراطي "مسعود برزاني" واثار مشاكل سياسية بين الحكومتين العراقية والتركية, فيما استغل حزب العمال تواجده الآمن وانهيار القوات العسكرية العراقية لتعزيز سيطرته على المدينة ويشكل قوات عسكرية في سنجار باسم "وحدات حماية شنكال" و"وحدات حماية المرأة في شنكال"، وبالغ في طموحاته لتشكيل حزب سياسي بواجهة عراقية ايزيدية ويجيزه من بغداد.

بعد انسحاب التنظيم الارهابي من المدينة واستعادتها دون مقاومة بتحالف الفصائل الكردية في تشرين الثاني 2015، طفت الى السطح خلافات عميقة بين الفصائل المرتبطة بحزب العمال التركي (PKK) وفصائل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة "مسعود بارزاني" اللذين شكلا معسكرين متضادين ولكنهما متوحدين في موقفهما الرافض لتواجد القوات الامنية العراقية والحشد الشعبي في المدينة, اضافة الى فصيل ثالث مهم تمثله "قوات حماية ايزيدخان" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الغريم اللدود لحزب برزاني بقيادة "حيدر ششو" الذي اتخذ موقف المحايد عندما كان مدعوما من الحشد الشعبي قبل ارتداده وتحالفه مع "الحزب الديموقراطي الكردستاني"  ليرتكب بعها مجازر انتقامية رهيبة لا تقل في وحشيتها عن وحشية "داعش" بحق سكان عدد من القرى العربية قرب سنجار وزمار وتلّعفر, وتهجيرهم ومصادرة املاكهم وافراغ المدينة من العرب ورفض عودتهم حتى بعد استقرار الاوضاع الامنية في تغيير ديموغرافي واضح لتكريدها.

تكمن اهمية مدينة سنجار بالنسبة للاقليم الكردي في كون الظرف اصبح مواتيا  لتمددهم وضم المدينة للإقليم, فهي تعد ثاني أكبر قضاء في محافظة نينوى بعد قضاء تلعفر, واحد ستة أقضية يطالب بها الإقليم من مجموع تسعة أقضية تتشكل منها المحافظة واغلب هذه الأقضية هي لأقليات يشكلون الأغلبية من سكانها كالايزيديين (طائفة دينية) والمسيحيين والتركمان, وفق المنظور العنصري الكردي من ان كل مدينة كبرت ام صغرت لا يشكل العرب فيها اغلبية فهي كردية, فيما شكلت المدينة اهمية قصوى لحزب العمال التركي, فهي تشكل امتدادا وحلقة الوصل بينها والحسكة السورية ذات الاغلبية الكردية, ووقوعها على خط الامداد الرئيسي بين قوات الحزب في شمال العراق ووحدات حماية الشعب الجناح السوري لحزب العمال التركي والفصيل الابرز في قوات سوريا الديمقراطية المنتشرة شرق الفرات في السورية. 

الصَلَف الذي تعاملت به عناصر "حزب العمال" مع نقطة التفتيش الأمنية العراقية ورفضها الانصياع لأوامرها تطلب ردا حازما وسريعا لتحجيم دوره خاصة بعد تكرار انتهاكات الحزب واستهتاره بالسياقات العسكرية المتبعة وهذا ما يتطلب استغلال هذا الانتهاك لإنهاء ضيافته على الأرض العراقية مع انتفاء الحاجة إليه, وعدم تكرار التجربة السورية عندما استضافت لاجئي أكراد تركيا ودعمهم ثم مطالبتهم بفيدرالية على غرار فيدرالية أكراد العراق بعد اندلاع الأزمة السورية حتى قبل منحهم الجنسية.

إن قراءة متأنية لطبيعة تحالفات الحركات والفصائل الكردية عبر التاريخ والتي غالبا ما تكون زعاماتها زعامات قبلية او قومية انفصالية يثبت بأنها غير مستقرة ودائمة البحث عن حلفاء, مع التزامها بمعيارين لعقد هذه التحالفات, الأول هو إنها دائما تبحث عن الحليف القوي لتحتمي بقوته, والمعيار الثاني هو حجم المصالح المتحققة, ولذلك فهم على استعداد دائم على نقض تحالفاتهم بحثا عن القوة والمصالح التي يمكن أن تتحقق من أي حليف كان, لهذا فغالبا ما يتخلى الحلفاء الأقوياء عنهم بعد تحقيق مصالحهم لفهمهم طبيعة تكوين الشخصية السياسية الكردية, لذلك على الحكومة العراقية والحشد الشعبي الانتشار في هذه المدينة وطرد حزب العمال التركي وبقية الفصائل الكردية المسلحة من حزبي الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الكردستاني إلى حدود الخط الأزرق (حدود ما قبل 2003) لفض الاشتباك بين الفصائل الكردية للاستئثار بالمدينة, والاعتماد على أبناءها لحمايتها من المخاطر المحتملة خاصة ان سيناريو تسليم واستلام المدن على غرار سقوط واستعادة سنجار مازال قائما, وان استمرار تواجد عناصر حزب العمال التركي (المصنف كتنظيم إرهابي) كحليف غير موثوق الجانب يشكل عامل إضعاف للقوات العراقية ومانعا لبسط سيادتها على الأرض العراقية, واحد أسباب  توتير العلاقات بين العراق وتركيا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك