عادل الجبوري
من الطبيعي جدا ان تستحضر اعدادا كبيرة من العراقيين، وهم يتلقون نبأ وفاة الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش(94 عاما)، سلسلة طويلة من الكوارث والماسي والويلات التي حلت بهم على امتداد ربع قرن من الزمن، بسبب الولايات المتحدة الاميركية.
ويربط العراقيون كوارثهم وماسيهم، بالدرجة الاساس، بقرار بوش الاب شن الحرب على العراق في شتاء عام 1991، بذريعة غزو نظام صدام لدولة الكويت مطلع اب-اغسطس 1990.
وبالفعل فأن ذلك الحدث الكبير، فتح الباب على مصراعيه لاوضاع مأساوية مؤلمة، ربما لم يشهد لها العراق مثيلا في فترات زمنية سابقة، ناهيك عن الانعكاسات السلبية الاخرى التي امتدت الى عموم دول المنطقة وملفاتها وقضاياها المختلفة، لاسيما القضية الفسطينية.
من حق العراقيين ان يستذكروا بعد وفاة بوش، ما جرته السياسات الاميركية عليهم من خراب وتدمير، ليس بعد غزو نظام صدام لدولة الكويت فقط، وانما قبل ذلك التأريخ ايضا، ومن حقهم ان يذكّروا العالم بالدور السلبي لبوش في كل ذلك الخراب والتدمير المادي والمعنوي والنفسي، الذي سوف تبقى اثاره ماثلة وشاخصة لعقود من الزمن.
ولعل هناك من يقول، اليست حرب الخليج الثانية في عام 1991 بقيادة جورج بوش الاب، هي التي مهدت لاسقاط نظام صدام، واليست حرب الخليج الثالثة في عام 2003 بقيادة جورج بوش الابن هي التي ادت الى الاطاحة بذلك النظام، وجاءت بالحرية للعراقيين بعد حقبة طويلة من الظلم والاستبداد والطغيان الصدامي-البعثي؟.. وارتباطا بذلك الا يستحق بوش الذكر الطيب من العراقيين بعد وفاته، كما فعل البعض حينما ابأنوه وكأنه احد ابرز القادة الوطنيين والزعماء التأريخيين في البلاد؟!.
والاجابة على مثل تلك التساؤلات الجدلية، تستدعي اثارة تساؤلات اخرى من قبيل:
-من الذي جاء بنظام حزب البعث، ومن اتاح لصدام حسين تصفيه رفاقه والتربع على عرش السلطة، ومن دفعه الى شن حرب عدوانية عبثية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، دامت ثمانية اعوام، تسببت بأهلاك الحرث والنسل من كلا الجانبين؟.
-ومن الذي اعطى الضوء الاخضر لصدام بأجتياح دولة الكويت في ليلة ظلماء، الم تكن الاشارات الاميركية قد وصلت من واشنطن الى صدام عبر السفيرالاميركية في بغداد حينذاك ابريل غلاسبي؟.
-كيف تحول صدام حسين-ونظامه القمعي الاستبدادي-من حاكم ديمقراطي متحضر بحسب نظرة صناع القرار في واشنطن، ويستحق الدعم والاسناد في حروبه العدوانية، ومغامراته الطائشة، ونزعاته الدموية، الى مستبد وطاغية وديكتاتور يجب شن الحرب عليه لكبح جماحه وتحجيمه وعزله؟.
-الم تكن الولايات المتحدة الاميركية قادرة على اسقاط ذلك النظام بعد طرده من دولة الكويت في عام 1991، مثلما اسقطته بعد اثني عشر عاما؟.. وهل يعلم بوش الاب، وبعده بيل كلنتون، وبعده بوش الابن، ان ما بين عامي 1991 و 2003 عانى العراقيون اسوأ الظروف السياسية والامنية والاقتصادية والحياتية، لاسيما بعد ان نجح نظام صدام بقمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في اربع عشرة محافظة عراقية بعيّد هزيمة النظام وطرده من الكويت، ولم يكن بأمكان النظام وهو يعيش اقصى درجات ضعفه وانكساره وانهياره ان يقمع تلك الانتفاضة لولا دعم واسناد الطيران الاميركي له.
-اين كان موقع جورج بوش الاب في خارطة صنع القرار الاميركي في ظل ظروف واحداث كبيرة وكثيرة، ومتغيرات وتحولات كبرى؟.
في الواقع، كان بوش عنصرا فاعلا ومحوريا ومؤثرا في دوائر صناعة القرار الاميركي ورسم السياسات الاستراتيجية من خلال المواقع التي شغلها، فهو قبل ان يصبح رئيسا لبلاده خلال الفترة ما بين عامي 1989 و 1993، شغل منصب نائب الرئيس للفترة من عام 1980 وحتى عام 1988، خلال حقبة الرئيس رونالد ريغان، ومعروف ان منصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة الاميركية ليس منصبا ثانويا او هامشيا، وقبل ذلك شغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية الاميركية في جزء من سبعينيات القرن الماضي، وقبلها كان سفيرا دائما لبلاده في الامم المتحدة، ويقال انه كان المستشار الاول غير المعلن لنجله فيما يتعلق بقرار شن الحرب على العراق في عام 2003، وما تبعه من قرارات واجراءات.
-هل يعلم من يترحمون اليوم على جورج بوش، كم عدد الضحايا الذين سقطوا بسببه على امتداد عقدين من الزمن او اكثر، وهؤلاء الضحايا لم يكونوا من العراق فحسب، بل من دول اخرى، ولم يسقطوا جميعهم بالسلاح، وانما ازهقت ارواح الكثير منهم بأدوات ووسائل مختلفة، من بينها التجويع، كما يحصل اليوم في اليمن وغيرها بفعل سياسات دونالد ترامب واتباعه وذيوله الاقليميين.
لاشك ان حرب الثمانية اعوام ضد ايران، ومن ثم حرب الكويت، وبعد ذلك سنوات الحصار اللانساني الظالم، وفيما بعد حرب عام 2003 التدميرية، خلفت مئات الالاف من-ان لم يكن ملايين-القتلى والمعاقين والمشردين، ناهيك عن حجم الدمار الهائل في البنى التحتية لعشرات المدن، وتبديد الثروات والموارد والقدرات والامكانيات.
وهناك اثارا منظورة للحروب والصراعات، واثارا غير منظورة، او ربما توصف بغير المباشرة، وما اقترفه بوش الاب واكمله الابن من جرائم بحق العراقيين، لم تكتمل وتظهر حتى الان كل نتائجها واثارها وتبعاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمعنوية والنفسية والبيئية، لانها لم تكن من عداد الاحداث والوقائع المحدودة في ابعادها المكانية والزمانية، وكلها تمثل صفحات سوداء مخجلة في تأريخ الولايات المتحدة الاميركية، ووصمة عار على جبين كل من خطط لها ونفذها، وبوش واحدا من هؤلاء.
https://telegram.me/buratha