التقارير

حينما تبتعد القاهرة عن الرياض.. وتقترب من بغداد


بغداد ـ عادل الجبوري 

سجّل العام الماضي تراجعاً واضحاً في مسيرة العلاقات المصرية-السعودية، قابله تقارب ملموس بين بغداد والقاهرة، وإعادة ترتيب للأوراق، على ضوء حقائق ومعطيات المشهد الاقليمي، وطبيعة التوجهات والمواقف إزاءها.   

وحتى لو لم يكن هناك ترابط حقيقي بين المسارين، فإنّ مجمل التفاعلات الاقليمية، وطبيعة مواقف العواصم الثلاث -بغداد والقاهرة والرياض- حيال القضايا والملفات الحساسة، يجعل التأثر والتأثير حاضراً في مختلف النقاط والمنعطفات.

فمن الطبيعي، حينما تتبنى القاهرة موقفا معينا حيال قضية ما، ويكون ذلك الموقف متقاطعا مع موقف الرياض وقريبا من موقف بغداد، فلا بدّ أن يفضي ذلك الى حراك يترتب عليه اصطفافات وتوجهات جديدة، وما حصل من هذا القبيل، ولغير مرة، رسم صورة أخرى لواقع العلاقات بين العواصم العربية الثلاث.

تقارب بين العراق ومصر

فما الأسباب التي جعلت الهوة تتسع بين القاهرة والرياض:

-الأول: طبيعة الموقف المصري من الأزمة السورية، والمتمثل بدعم وتأييد الرئيس السوري بشار الاسد، أو في أدنى تقدير معارضة خيار اسقاطه عسكريا.

وهذا الموقف يختلف كثيراً عن الموقف السعودي المصرّ على الاطاحة بالأسد، ولعل ما أثار حفيظة الرياض، هو تأييد القاهرة لمشروع القرار الروسي الذي طرح في مجلس الأمن قبل ما يقارب الثلاثة أشهر، والذي اعتبرته الرياض مؤشراً على تواؤم موقف مصر مع مواقف النظام السوري وروسيا وإيران، اذ علقت عبر مندوبها الدائم في الامم المتحدة بالقول "انه كان من المؤلم أن يكون الموقفان السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب المصري".

الثاني: الموقف المصري الرافض لمشاركة قوات مصرية في اطار التحالف الاسلامي المزعوم الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن، اذ رفضت القاهرة اغراءات كثيرة وكبيرة من الرياض، للعدول عن موقفها الرافض، ما أغضب الساسة السعوديين الى حد كبير.

-الثالث: ردود الفعل المصرية الحادة والغاضبة في مختلف الأوساط الشعبية والفكرية والثقافية والاعلامية ضد المملكة العربية السعودية، بعد صفقة جزيرتي تيران وصنافير، اللتين منحتا للسعودية.

وكان لردود الافعال الغاضبة تلك أن تأزمت الأمور، وتعطلت الصفقة، وأفشلت نهائيا بعد قرار المحكمة الادارية العليا المصرية ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية التي أبرمت منتصف العام الفائت.

وحملت السعودية، حكومة القاهرة مسؤولية الحملات السياسية والاعلامية المصرية الموجهة ضد نظام الحكم السعودي، واعتبرت أن هناك أيادي من دوائر القرار العليا في القاهرة هي التي دفعت باتجاه التصعيد ضد الرياض.     

وبينما قال عضو مجلس الشورى السعودي السابق أنور ماجد عشقي "ان السعودية قد تلجأ إلى الأمم المتحدة والتحكيم الدولي"، أكّد "أنّ التوتر في العلاقات بين البلدين ناشئ عن خلافات بشأن قضايا إقليمية، وليس في الأساس بسبب تنازع السيادة على الجزيرتين".

-الرابع: إقدام شركة "أرامكو" السعودية على إلغاء اتفاق أبرم العام الماضي مع هيئة البترول المصرية، والذي كان يفترض بموجبه أن تزود السعودية مصر بـ(700) الف طن من المنتجات النفطية شهرياً، خمسة أعوام، بقيمة ثلاثة وعشرين مليار دولار.

وخطوة شركة "أرامكو"، التي حاولت كل من القاهرة والرياض إبعادها عن أية عوامل ومؤثرات سياسية، جاءت في واقع الامر على خلفية المواقف المصرية المخالفة للتوجهات السعودية بشأن الازمتين السورية واليمنية.

وقد تداخلت الاسباب الأربعة أعلاه فيما بينها بشكل يبدو الواحد منها نتيجة للآخر، كما تجدر الإشارة الى إمكانية وجود أسباب وعوامل أخرى، ترتبط أو تكمل الاسباب المذكورة، مثل التقارب المصري-الايراني، وان لم يرتق الى مستوى الطموح، والضغط الحكومي المصري الكبير على جماعة "الاخوان المسلمين"، رغم أن الاخيرة تعد خصما او نداً للسعودية من زاوية مذهبها الرسمي الوهابي، وكذلك التضييق والمضايقات التي تتعرض لها العمالة المصرية في السعودية.    

أسباب التقارب بين بغداد والقاهرة

وبصورة أو بأخرى، نجد أن الاسباب والعوامل التي باعدت بين الرياض والقاهرة، وفّرت مناخات وأجواء مناسبة للتقارب بين بغداد والقاهرة.

فبغداد، تبنت منذ اليوم الاول للأزمة السورية موقفا رافضا للخيار العسكري من أجل الاطاحة بالرئيس بشار الاسد، ورافضا للتدخلات الخارجية، وبقيت بغداد على موقفها، رغم الخلفيات والتراكمات السلبية في العلاقات العراقية-السورية، ورغم الضغوطات الخارجية، لتصنف ضمن معسكر (موسكو-طهران-دمشق-حزب الله).

ولشيء نفسه بالنسبة للأزمة اليمنية، فقد كان الموقف العراقي الرسمي-وحتى الشعبي والنخبوي غير الرسمي-واضحا جدا، برفض العدوان السعودي على اليمن، ورفض الانخراط في أحلاف عسكرية لدعم طرف على حساب طرف اخر.

ومثلما باعدت المواقف المصرية بين القاهرة والرياض، فقد باعدت المواقف العراقية بين بغداد والرياض، وطبيعي أن يفضي ذلك الى تقارب بين بغداد والقاهرة، بدا واضحا من خلال حراك سياسي واقتصادي متميز بين العاصمتين خلال النصف الثاني من العام الماضي، تكلّل في جانب منه بإبرام اتفاق يقضي بقيام العراق بتزويد مصر بمليون برميل من نفط البصرة الخفيف شهرياً بشروط دفع ميسرة، لتلبية جزء من احتياجات السوق المصرية بعد تنصل "آرامكو" السعودية عن التزاماتها. وبحسب السفير العراقي في القاهرة حبيب الصدر، فإنّ "تلك الكمية قابلة للزيادة خلال الفترة المقبلة".

وبهذا الصدد، يقول السفير الصدر "نحن نقدر عالياً وقفة مصر ومساندتها للعراق عربيا ودوليا ومساهمتها في الحرب ضد الإرهاب، وإن تطوير العلاقات العراقية المصرية محل اهتمام كبير من جانب البلدين".

وهناك مؤشرات على رغبة عراقية بتعزيز فرص الاستثمار للشركات المصرية في العراق بعد مرحلة "داعش"، فضلا عن امكانية استقدام عمالة مصرية بمقدار معين، في الوقت الذي يبدو أن مصر ترى ان دخول شركاتها وأياديها العاملة الى السوق العراقية، من شأنه أن يحرك وينشط الاقتصاد المصري، ويفتح له آفاقًا جيدة، ويخلصه من حالة الركود التي يعيشها.

وهذا ما اشار إليه رئيس الوزراء المصري شريف اسماعيل عند لقائه وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري أواخر العام الماضي في القاهرة، بقوله "تتطلع الشركات المصرية للمشاركة فى مشاريع إعادة الإعمار بالعراق، والمساهمة في عملية التنمية الشاملة على أرضه، بما يعود بالنفع على البلدين، وما يساعد على تنمية الجانب الاقتصادي في العلاقات العراقية-المصرية، هو موقف القاهرة الايجابي الداعم لبغداد في حربها ضد الارهاب، بل وأكثر من ذلك هناك تعاون جيد في المجال الاستخباراتي بين العاصمتين، لا سيما وأن مصر تعد من الدول المستهدفة من قبل تنظيم "داعش" الارهابي، وما تعرضت له من عمليات ارهابية خلال العام الماضي، وما تتعرض له باستمرار يؤكد ذلك، خصوصاً وان الجماعات الارهابية تقف على مرمى حجر من حدودها الغربية مع ليبيا".     

ولعل مجمل مسارات الأمور في المنطقة تؤشر الى أن هناك آفاقا جيدة للتعاون العراقي-المصري، يمكن أن تكون لها انعكاسات مهمة على الجانبين، لا سيما مع الحلحلة الحاصلة في مختلف الملفات الاقليمية(الملف السوري-الملف اللبناني-الملف اليمني-الملف الايراني)، فضلا عن الانتصارات الكبيرة المتحققة على تنظيم "داعش" الارهابي في العراق، ولا شك أن تلك الافاق الجيدة والرحبة في مسيرة العلاقات بين بغداد والقاهرة، تعني انحسار وتقوقع الرياض، خصوصاً اذا استمر نظام الحكم هناك في منهجه المتزمت والمنغلق في التعاطي مع مشاكل المنطقة وأزماتها.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك