لا يزال السجال قائماً في تونس حول موضوع ضحايا الثورة ومصابيها، إذ لم يتم اتخاذ إجراءات فعلية لتعويض أهالي الضحايا أو المصابين منذ سنوات.
ثورة ناهز عمرها ست سنوات، لكن الاستحقاقات الوطنية على غرار ملف قتلى وجرحى الثورة لا تزال جرحا مفتوحا لدى مختلف الحكومات، التي تعاقبت بعد الثورة. فلم يُطو إلى اليوم في تونس هذا الملف، وبقي محل أخذ ورد بين عائلات الضحايا والجرحى ومختلف الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 ومناصري العدالة الانتقالية.
هذا الانتظار المحموم للكشف عن قائمة القتلى والجرحى بهدف رد الاعتبار إليهم وتكريمهم، وتخفيف الأضرار عمن عانوا، هو في مربع الصفر بعد مرور 6 سنوات، وزادت الطين بلة تصريحات رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات، رئيس لجنة شهداء الثورة وجرحاها، توفيق بودربالة، الذي أكد استكمال ضبط القائمة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015.
لجنة شهداء وجرحى الثورة
شُكلت لجنة "شهداء وجرحى الثورة" بمقتضى المرسوم عدد 97 لسنة 2011، وهي لجنة لدى الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهي هيئة استشارية تحت إشراف رئاسة الجمهورية مكلفة بضبط القائمة النهائية لـ "شهداء وجرحى الثورة".
المماطلة في نشر القائمة
وفي تصريح لتوفيق بودربالة، أوضح أن القائمة سلمت مرفقة بتقرير مفصل إلى الرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، ورئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر.
ولفت إلى أن رئيس الحكومة هو الوحيد المخول بنشر قائمة ضحايا الثورة في "الرائد الرسمي للجمهورية التونسية"، وهي الجريدة الرسمية للدولة التونسية الخاصة بالإعلانات والأوامر والقرارات الحكومي. وأضاف أنه لم يتم إعلامه إلى حد اللحظة بصفة رسمية بالسبب الذي أخر نشر هذه القائمة.
386 قتيلا و7363 جريحا في غياهب النسيان
وصرح رئيس الهيئة بأن اللجنة ضبطت "القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة"، ويقدر عددهم بـ 7749، منهم 386 قتيلا و7363 جريحا؛ لافتا إلى أن القائمة تتضمن كل الضحايا، الذين سقطوا في جميع ولايات البلاد، منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.
وأضاف بودربالة أن القائمة المتعلقة بمصابي الثورة لم تستكمل بعد، وأن "لجنة الشهداء والجرحى"، التي تتألف من 16 عضوا من ممثلي مختلف الهياكل الحكومية تتولى العمل على الملفات حاليا، وهي بصدد استكمال دراسة ملفات جرحى ولاية القصرين، والبالغ عددهم 3274 ملفا؛ مرجحا ألا يتجاوز موعد الضبط النهائي لهذه القائمة منتصف عام 2017.
المكاشفة
وعلى خلفية دعوة رئيس "لجنة الشهداء والجرحى" البرلمان التونسي إلى الاستفسار عن أسباب عدم نشر قائمة الشهداء والجرحى رغم تسليمها إلى الرؤساء الثلاث، أعرب النواب عن استنكارهم التأخر في نشر القائمة النهائية بعد مرور ست سنوات اندلاع الشرارة الأولى لثورة أطاحت حكمَ زين الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
واستنكر النواب التجاذبات السياسية المحيطة بهذا الملف الوطني، والتي حادت به عن الطريق الصحيح، في محاولة لتعطيل مسار العدالة الانتقالية.
الخوف من ردة الفعل
ولفهم دوافع تعطل نشر القائمة النهائية لضحايا الثورة التونسية، أكد محامي ضحايا وجرحى الثورة شرف الدين القليل لـ RT أن هناك تخوفا من ردة فعل عائلات الشهداء على خلفية تسريبات متطابقة من إقصاء أسماء بعض القتلى عن القائمة، من ضمنهم أولئك الذين سقطوا في السجون التونسية بذريعة أنهم كانوا في حالة هيجان وبصدد الفرار، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لـ "شهداء الوطن" وهم الأمنيون والعسكريون.
واستنكر شرف الدين القليل في حديثه من التمييز بين الدم التونسي، الذي سال من أجل حرية هذا الوطن، واختلطت دماء المدنيين ورجال الأمن الذين هبوا لحماية مؤسسات الدولة من التخريب والنهب وأعمال العنف التي تزامنت مع الثورة.
ورأى شرف الدين أن من المشين مع حلول الذكرى السادسة لثورة ألهمت العالم أجمع ألا تنشر القائمة النهائية لشهداء الثورة وجرحاها، علما أن القائمة موجودة لدى رئاسة الجمهورية منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، على حد قوله.
واتهم شرف الدين أطراف حكومية سابقة بالتستر على شبهات فساد والتلاعب بقائمة جرحى الثورة، حيث أُدرجت أسماء بالقائمة لا صلة لها بالثورة، لينتفعوا بالتعويضات الممنوحة إلى الجرحى وإقصاء أسماء تضررت بالفعل.
وقال إن أكثر من 1470 جريحا في ولاية قصرين نالوا تعويضات في حين أن السواد الأعظم منهم لا يمتوا بصلة إلى مصابي الثورة الحقيقيين.
غياب إرادة سياسية
من جانبه، أكد النائب السابق أمين عام حزب الشعب التقدمي هشام حسني لـ RT أن تأخر نشر قائمة "شهداء الثورة وجرحاها" يعود إلى غياب إرادة سياسية في نشر القائمة النهائية ومحاولة لطمس الحقيقة؛ داعيا سلطات الدولة إلى الإيفاء بوعودها والتزاماتها تجاه عائلات ضحايا الثورة.
وأبدى تخوفه من تحركات غاضبة للأهالي، الذين ينتظرون إيفاء الدولة بوعودها، وقيامهم بتحركات احتجاجية اجتماعية في المدن التونسية؛ ما يزيد في تعقيدات جديدة للبلاد في غنى عنها في الوقت الراهن.
ذكرى ثورة بطعم الاحتجاجات
وعادت الاحتجاجات عشية الذكرى السادسة لثورة 14 يناير 2011، إلى معاقل الثورة في سيدي بوزيد - مهد الثورة التونسية - والقصرين وتالة (الوسط الغربي) وبنقردان (جنوب تونس) احتجاجا على الفقر والاقصاء الاجتماعي؛ رافعين شعارات مطالبة بالحق في التنمية والتشغيل وهي نفس الشعارات التي صدح بها الشعب التونسي منذ اندلاع الثورة.
من جانبها، ترى حكومة الشاهد أن هذه الاحتجاجات الاجتماعية مشروعة في ظل إخفاق حكومات ما بعد الثورة في تحقيق مطالب وتطلعات هذه المناطق المهمشة، التي زاد تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد في تهميشها وتفقيرها.
لم ترتق بعدُ استحقاقات الثورة التونسية إلى تطلعات شعبها. إذ بقي ملف الشهداء في أدراج النسيان والمزايدات السياسية. وإن عودة الحراك الاحتجاجي في معاقل الثورة ليس إلا عنوانا جديدا لفشل الحكومات المتعاقبة في تلبية مطالب شعبية تنادي بالتنمية والتشغيل والكرامة الوطنية.
سناء محيمدي
https://telegram.me/buratha