الى جانب سيئات الربيع العربي ، الذي حول حياة الشعوب العربية الى جحيم ، توجد هناك “حسنة” تُحسب لهذا الربيع الاجدب ، وهي تعريته الاعلام الخليجي وفي مقدمته قناة “الجزيرة” القطرية ، التي لولا هذا “الربيع” لظلت تنهش في وجدان وعقل الانسان العربي وتمسخه تدريجيا ، دون ان تثير الشبهات.
قناة “الجزيرة” القطرية التي بدأت بثها في الأول من تشرين الثاني نوفمبر من عام 1996 ، نجحت بشكل سريع في السيطرة على الفضاء الاعلامي العربي وعلى مدى اكثر من عقد ونصف العقد من الزمن ، وتحولت الى القناة “الاولى” عربيا دون منازع.
خلال عصر القناة “الذهبي” ، ظهرت شخصيات “اسرائيلية” سياسية وعسكرية على القناة ولاول مرة ، كما اصبحت القناة منبرا لاصحاب الفكر السلفي التكفيري من امثال أبو حمزة المصري وأبو قتادة و هاني السباعي وياسر السري ، ومن ثم تحولت الى ناطق رسمي باسم “القاعدة” ، بعد ان اخذت تروج لزعيمها أسامة بن لادن ، الذي خص القناة بعدد من المقابلات ، وبث عبرها بياناته وخطاباته ، ومن صحفيي قناة “الجزيرة” ، الذين كانوا حلقة الوصل بين القاعدة والقناة ، الصحفيان السوريان تسيير علوني واحمد زيدان ، وتبين فيما بعد انهما اعضاء في هذا التنظيم الارهابي ، فتم محاكمة الاول وسجنه في اسبانيا بتهمة الارهاب ، اما الثاني ، فقد كشفت وثيقة سربها المتعاقد مع المخابرات الأميركية سابقاً إدوارد سنودن ، ارتباطه بتنظيم القاعدة.
كل هذه النتوءات لم تقلل من اهمية “الجزيرة” لدى المخاطب العربي ، الذي كان يرى في القاعدة جانبها “المعادي” لامريكا فقط ، ويغض الطرف عن جوانبها السلبية الاخرى ، وظلت هذه النظرة حتى بعد الغزو الامريكي للعراق ، وان كانت قد تعرضت الى انتقادات كبيرة بسبب تغطية القناة للاحداث الدموية التي نتجت عن تسلل القاعدة الى العراق بذريعة التصدي للغزو الامريكي ، فيما كان ضحايا التنظيم جلهم من الشيعة ، فتحولت “الجزيرة” الى ناطقة باسم السفاح الاردني ابو مصعب الزرقاوي.
اوراق التوت التي كانت تغطي بها “الجزيرة” عورتها ، اخذت بالتساقط وبسرعة مع بداية ما عرف بثورات الربيع العربي ، فكانت تتعامل بطائفية فجة مع هذه “الثورات” ، لاسيما بعد ان صنّعت قطر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، برئاسة المصري القطري يوسف القرضاوي ، والذي انحصرت مهمته بشرعنة السياسة القطرية واداء قناة “الجزيرة” ، فاذا ارادت “الجزيرة” وجماعة القرضاوي ، اعتبار تحرك شعبي ما بانه “ثورة” ، يُصبح ثورة ، واذا ما رفضت “الجزيرة” وجماعة القرضاوي اي تحرك حتى لو شارك فيه معظم الشعب ، فانه يتحول الى تمرد وعصيان وفوضى وتدخل اجنبي وما الى ذلك ، ويمكن الاشارة الى ليبيا كمثال للتحرك الاول ، والى البحرين كمثال للتحرك الثاني ، فالاول ثورة والثاني شغب وفوضى!!.
خلال السنوات الخمس الماضية تحولت “الجزيرة” وبشكل دراماتيكي ملفت الى منبر للجماعات التكفيرية مثل القاعدة و “داعش” ، فاغلب بيانات وخطابات وافلام القاعدة و”داعش” وباقي التنظيمات الارهابية لتكفيرية ، تصل الى الراي العام العربي والاسلامي والعالمي عبر شاشتها ، حتى اصبح ابو محمد الجولاني زعيم الفرع السوري لتنظيم القاعدة (جبهة النصرة سابقا – فتح الشام لاحقا) نجم “الجزيرة” الى جانب نجومها الرواد من امثال بن لادن والظواهري ، ولايمكن لمخاطب “الجزيرة” ان يجد اثرا لفظاعات ومذابح القاعدة في سوريا على شاشة هذه القناة ، فكل ما يحدث في سوريا هو فقط من صنع النظام السوري!!.
اما على صعيد اطلاق الصفات والنعوت على الجماعات التكفيرية والارهابية في سوريا والعراق ، فتتجاوز “الجزيرة” كل ما هو متعارف اعلاميا ، حتى في حدوده الدنيا ، فهي تصف ارهابيي القاعدة ب”الثوار” ، وتصف “داعش” ب”الدولة الاسلامية” ، وتصف الجيش السوري ب”جيش بشار” و “الشبيحة” ، وتصف الجيش العراقي والحشد الشعبي ب”المليشيات” ، وتصف حركة انصار الله في اليمن ب”الحوثيين” ، وتصف الجيش اليمني ب”المرتزقة” ، بينما لاتنفك تنعق ليل نهار بالحيادية و الحديث عن “الراي والراي الاخر”.
نظرة سريعة الى قناة “الجزيرة” هذه الايام وهي تغطي معارك التحرير في العراق وسوريا ضد “داعش” والقاعدة، تكفي للكشف عن حجم تبني السلطات القطرية للجماعات التكفيرية وعلى راسها “داعش” والقاعدة في العراق وسوريا ، فكل الانتصارات التي يسطرها الجيشان العراقي والسوري ، تتحول على قناة “الجزيرة” الى “ابادات جماعية” ضد السنة ، وفي المقابل تتحول جرائم ومجازر “داعش” والقاعدة الى “انتصارات” يحققها “الثوار” على الميليشيات الشيعية والنصيرية”.
هذا الاداء المتحيز والمقيت ل”الجزيرة” جعلها تفقد وخلال الاعوام القليلة الماضية نسبة كبيرة وكبيرة جدا من مخاطبيها ، فقد كشف راديو “اوستن” النرويجي نقلا عن ثلاث مؤسسات ، عن أن قناة “الجزيرة” القطرية خسرت 86 بالمئة من مشاهديها بسبب تحولها لناطق باسم بعض الجماعات التكفيرية ، فيما اكد تقرير نشرته مجلة “افتونبلاديت” السويدية ، على أن مستوى المشاهدة للقناة انخفض خلال السنتين الأخيريتين في العالم من 43 مليونا إلى ستة ملايين مشاهد فقط ، أي عزوف 4 من كل خمسة أشخاص عن مشاهدة القناة.
يبدو ان مستقبل قناة “الجزيرة” مرهون بمستقبل الجماعات التكفيرية ، بعد ان تأكد وجود رابط عضوي يربط بين هذه الجماعات وبين هذه القناة ، وهذا المصير المشترك هو الذي يبرر هذا التبني الكامل للجماعات التكفيرية من جانب القناة ، التي كانت الشاشة المفضلة ل”الدواعش” في الموصل ، كما اعلن النائب عن محافظة نينوى في مجلس النواب العراقي احمد الجبوري.
المصدر : شفقنا
https://telegram.me/buratha
