التقارير

الطبخة أمريكية والحطب تركي..!

1344 2016-10-29

لؤي توفيق حسن *

سيكتشف اردوغان عاجلاً ام أجلاً بانه ضحية خدعة امريكية .عندما وضع تركيا في مواجهة محيطها ، معتقداً بانه يستطيع أن يحصد بيادر "الربيع العربي" في بداياته!! ،والآن لعبة التقسيم فيما اسموه : "الشرق الأوسط الجديد " . سيكتشف اردوغان بأنه يقاتل نيابةً عن امريكا وأسرائيل في هذه اللعبة مبدداً ما راكمه من انجازات منذ وصول حزبه للسلطة ، لاسيما بعدما اصبح المساهم الأول في تدمير سوريا ،متوهماً بانه سيستطيع ان يضعها تحت جناحيه مستنسخاً في ذهنه الأحلام العثمانية ، ولعل ما سمح لأحلامه ان تبالغ في تحليقها ، وصول إخوان مصر إلى السلطة ما اغراه بإعتماد الوسيلة ذاتها في سوريا وفي خطوة تنطوي على حماقة سياسية كبيرة ، ومسلك اخلاقي جاحد .

أما الحماقة السياسية فتبدت في ثلاثة أمور : اولهما أن التاريخ  لايمكن ان يعيد نفسه – هذا في المبدأ - لإن الشروط التي تنضج ظاهرة ما لا يمكن ان تتكرر بحكم حركة التاريخ وسنة التطور ، فالدولة العثمانية ما كانت لتتمكن في القرن السادس عشر من هذا التوسع لولا الفراغات السياسية المحيطة بها ؛ ولتبيان ذلك حديث أخر خارج بحثنا الحالي .

 والأمر الثاني أن اردوغان أساء في تقدير أمكانيات الفرع السوري للإخوان ، تنظيمياً او حضورا أو بالحد الأدنى خبرةً سياسية . ولو قرأ اردوغان التاريخ السياسي لسوريا سيتضح له بأن أخوانها كانوا خارج الحياة السياسية كلياً منذ مطلع الثمانينات مع تصفية تنظيمهم ، فضلاً أنهم في احسن حالاتهم في خمسينات القرن الماضي كانوا خارج دائرة التأثير السياسي مقابل الأحزاب السورية التقليدية مثل الحزب الوطني او حزب الشعب ،او العابرة للحدود  كالحزب السوري القومي ، وغيره من قومية ويسارية .  

وقد دفعه سقوط رهانه على الإخوان للهروب إلى الأمام متعاملاً مع الذئاب من (داعش) و (النصرة) وما شابهها ، فإذا بهذه تنقلب عليه لتنهش  في الداخل التركي ، ما أضطره لقطع حبل السرة معها. الأمر الذي حرمه حتى من فرصة المبادلة عليها في بازار التسويات كما كان يحلم !، لينطبق عليه قول المتنبي : ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده.. يصيره الضرغام فيمن تصيد .

 

تركيا تدفع ثمن سياساتها

والأمر الثالث أن ما حصل عليه من مكتسبات ومزايا اقتصادية من نظام الرئيس بشار الأسد ، هو في ميزان الواقعية السياسية اجدى واضمن من مغامرة الأنقلاب على خياراته التي اعتمدها في السابق : "صفر مشاكل مع الجوار" !.وهي في ميزان الأخلاق غدر وجحود ، وهنا تنتصب الأرقام إثباتاً .حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وسوريا في عام 2011 قرابة 3 مليار دولار . وكان المقرر أن تصل في السنوات الخمس التالية له إلى 8 مليار دولار وذلك من خلال 51 اتفاقية وبروتوكول بين البلدين اضافة الى اتفاقيات  ذات طابع امني وذلك كله تحت جناح "مجلس التعاون الاستراتيجي السوري التركي " ، في ظاهرة غير مسبوقة بين سوريا وأي دولة أخرى بما فيها ايران  . وتظهر الأحصائيات ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية التركية في سورية خلال 5 سنوات بنحو 100% ، منها على سبيل المثال استثمارات لمتمولين أتراك في المدينة الصناعية بحلب شكلوا وحدهم نحو 40% من مجمل المستثمرين العرب والأجانب ، وللمفارقة فإن هذه العلاقات كانت غالبيتها لصالح تركيا ،  حتى أثرت سلباً على قطاع الأعمال السوري ، إذ تعرضت "صناعة المفروشات المنزلية لمنافسة قوية أدت إلى إغلاق 20% من المنشآت في هذا القطاع".
 كما تراجعت صناعة الملابس والنسيج السورية ؛ وقدرت "هيئة  تنمية وترويج الصادرات السورية "   عدد المنشآت النسيجية التي أغلقت بشكل جزئي أو كامل، جراء ذلك بما يتراوح بين 70 و100 منشأة.!

    فضلاً عما سبق فقد شكلت سوريا ممراً مثالياً للبضائع التركية التي اجتاحت الأسواق اللبنانية والأردنية والمصرية، فضلاً عن أسواق بلدان الخليج العربي ناهيك عن السوق السورية . يضاف إلى ماسبق ذكره على المستوى الاقتصادي  ، ابعاد أخرى ثقافية وفرتها اتفاقيات ذات صلة حتى شاعت موجة الدراما التركية في الفضائيات ؛

ترى اليس كل ما سبق هي القوة الناعمة او لغة العصر الجديدة  الكافيةً ليلج بها (الحلم العثماني) لاردوغان ! .بل هي الأكثر ثباتاً . هل كان يمكن لأردوغان ان يحصل على ما هو اكثر من هذا حتى لو كان على رأس  النظام السوري حكومة إخوانية !! .  ولو قرأ أردوغان تاريخ الدولة العثمانية لاستخلص العبر ،وفي مقدمتها ممانعة  الغرب لأي خطوة جدية هادفة لبناء منظومة مشرقية عابرة للحدود سواء كانت على قاعدة أسلامية او اقتصادية . بمعنى انه لو قبل الواقع جدلاً قيام "كمنولث إخواني" من انقرة إلى القاهرة مروراً بدمشق وعمان فإن اول ما سيستشعر خطره (اسرائيل) وعرابتها أمريكا . كان على اردوغان في حمأة هذا الأرباك الأمريكي في منطقتنا أن يمرر إتفاقياته مع سوريا ويعممها مع العراق بوصفها البديل الممكن والواقعي  . والنواة الصلبة لمنظومة اقليمية في وجه العواصف التي لن توفره كما سيأتي لاحقاً .   

   يتحول أردوغان بعد تكسر حلمه العثماني على الصخرة السورية  لينتهج الخيار "الكمالي"! ، أي توسيع حدود تركية  كما فعل كمال اتاتورك  مع تعديلات في العناوين ! ، وهذا ايضاً نوع من المعاندة التاريخية الفاشلة لأنها خارج الزمن!!، فقد جرى ذلك ذات يوم وسوريا مكبلة بالانتداب الفرنسي . فضلاً عن ان بديله "الكمالي" يقع خارج سياق القواعد الاستراتيجية حيث الأمن القومي لتركيا  لا يبدأ بالقطع من جرابلس أو الباب ، ولامن الموصل أيضاً !

 وقد ثبت في المبدأ فشل "الأحزمة الأمنية " أبتداءً من جنوب لبنان . غير أن هذا الخيار لو تأملنا فيه بعقل بارد سيشكل منزلقاً أخر لتركيا  يقودها إلى توسيع دائرة أعدائها ، أو ربما مدخلاً لحروب تستنزفها وتضعف مناعتها !  وهاهي تشكيلات مقاومة عربية كردية تتجهز للتصدي للخرق التركي ،سيقابله بالتواتر تحرك كردي لحزب العمال على الجانب التركي .إن كل ما سبق ربطاً بمحاولة الانقلاب الفاشل في تركيا الصيف الماضي ، ليس مصادفةً بل يصب في طاحونة "الفوضى الخلاقة" وبالتالي إضعاف تركيا ،يلاقيه الاستثمار الجيوبوليتيكي لأمريكا واسرائيل  بدعم واحتضان كيانات كردية في الجانب العربي ، مما سيتداعى مع الزمن -" بقانون الدومينو "-  إلى الضفة التركية مهدداً وحدة أراضيها التي يقع فوقها موزاييك من الأثنيات.وبذات الكيفية وبمنصة الكيانات الكردية المستحدثة ستكون ايران أيضاً في دائرة الأستهداف! . واضعين نصب أعيننا الثابت الأستراتيجي لأمريكا وربيبتها (اسرائيل ) في تقزيم الدول الأسلامية الكبرى في المنطقة من وزن ايران وتركيا ومصر !

 لقد جرى توريط تركيا في المستنقع السوري والعراقي من قبل امريكا، وما حصل عليه اردوغان من وضع اليد على أراضي الجوار السوري والعراقي  لايصلح في بازار مفاوضات الكبار ، فأمريكا ستفاوض عليها سواء بسواء كما على رأس داعش والنصرة  لتقبض هي الثمن !  كما ان روسيا  ستصبح معنية باستنزافه-اذا استمر اردوغان على عناده-  لمنعه من الأمساك بورقة تجني امريكا ثمارها في سوريا وفق ما اسلفنا ، وذلك تحصيناً للموقع  الجيوستراتيجي السوري
 . الباب ليس موصداً امام اردوغان ليراجع حساباته . فهل من مخرج؟. لهذا حديث أخر .

*كاتب لبناني

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك