التقارير

الجنرال الأسطورة | بعضٌ من حكايات الحاج قاسم سليماني

2397 2016-10-23

يوصف في الإعلام الغربي بـ«الشبح». حكاياته أشبه بالأسطورة التي تتناقلها الألسن. يتحدثون عن كونه عقلاً استراتيجياً، عسكرياً وأمنياً. تعتبره واشنطن رأس الحربة الميداني المواجه لمشاريع الشرق الأوسط الكبير والواسع والموسع... إلخ، التي لطالما طمحت الولايات المتحدة إلى تحقيقها.

ترى ظلاله خلف كل صورة، وتسمع نغمات صوته في ثنايا كل معركة. ضابط رفيع المستوى في «الحرس الثوري». كانت قلّة قليلة تعرف بوجوده قبل عقد من الزمن. كان دوماً رجل الكواليس. يعمل، ولا يزال، بسرّية تامة. نادراً ما سمع له صوت على الملأ، أو نقل عنه تصريح أو حتى شوهدت له صورة. أسمر اللون رفيع البنية حادّ الملامح. هادئ الطباع. يعشق البساطة. ينساب بين الناس. لا تشعر بدخوله ولا خروجه. براغماتي يجمع المتناقضات من دون أن يجرح أحداً أو يتخلى عن أي من مبادئه. إذا جلست معه تشعر وكأن الناس كلهم جُمعوا في رجل. وكأن دهراً قد جُمع في ساعة، لما تختزن عيناه من تجارب ومواعظ

إيلي شلهوب

دائرة نفوذه تشمل المنطقة كلها، من باكستان وأفغانستان إلى تونس واليمن. يُعرف في بلاد الشام بـ«الحج». موطئ قدمه الأساس لطالما كان لبنان حيث المقاومة، ببعديها اللبناني والفلسطيني. وسوريا الحاضنة الطبيعية والمركز اللوجستي لهذه المقاومة. زارهما مرات عديدة. عملياً عند كل مفترق، ولعل أبرزها في حرب تموز، ومع بداية الأعمال العسكرية في سوريا حيث مكث فترات طويلة كان يدير خلالها، بنفسه، الكثير من المعارك في الميدان مباشرة. يقال إنه لم يغادر عاصمة الأمويين إلا بعدما اطمأن إلى ثبات حكم الرئيس بشار الأسد.

لكن سمعته الأساسية اكتسبها من العراق حيث اكتسب صفة «الشبح» الذي يلاحق الأميركيين. هناك، في بلاد الرافدين، يُعرف بـ«الحجي» الذي كان عراب حركات المعارضة لنظام الرئيس صدام حسين منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي. ولعل أهمها كان «فيلق بدر» بزعامة السيد محمد باقر الحكيم، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني. عندما بدأت ماكينة الإعداد للغزو الأميركي عملها، كانت نصيحة القيادة الإيرانية للأحزاب العراقية الشيعية بضرورة البقاء على الحياد وعدم التورط في الهجمة المقبلة. الحجة كانت بسيطة: سيضطر الأميركيون إلى محاورتكم بعد إسقاط صدام، فلا بديل منكم لحكم العراق. كانت فظاعات هذا الأخير كثيرة، والمخاوف من إرجاء إسقاطه كبيرة، فدخلت الأطراف العراقية اللعبة وشاركت في المؤتمرات التحضيرية لهذا الغزو، وخاصة مؤتمر لندن.

9 نيسان 2003 كان تاريخاً فارقاً في حياة الرجل. كان يوم أربعاء. بعدها بيومين، في 11 نيسان، خرج مرشد الثورة علي خامنئي، في أول صلاة جمعة بعد سقوط بغداد، بخطبة نارية يدعو فيها العراقيين إلى مقاومة الاحتلال. وبما أنه رجل يعمل بالتكليف، كان كلام الإمام بمثابة أمر عمليات. كان يدرك جيداً أن الأميركيين أرادوا احتلال العراق لتهديد إيران. لكن القراءة لم تكن كذلك في طهران. هناك يتحول التهديد دوماً إلى فرصة. «كنا نلاحق الأميركيين في كل أصقاع العالم لنضربهم، اليوم أتوا بأنفسهم إلينا»، كان هذا لسان حال المعنيين في الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك فإن الواقع لم يكن بهذه البساطة. كان المطلوب إخراج الأميركيين من العراق، وفي الوقت نفسه عدم إعطائهم فرصة لتركيب نظام موالٍ يعيد السلطة إلى طغمة معادية لإيران. فكانت الاستراتيجية التي تعكس دهاء صنّاع القرار في تلك البلاد: ضرب الأميركيين بنحو لا يسمح لهم بالإحساس بأنّ وضعهم في العراق مستقر ولو ليوم واحد، وفي الوقت نفسه إعطاءهم مساحة من الوقت، إلى أن يكون محور المقاومة قد امتلك أوراق التأثير كلها في بلاد الرافدين وبنى نظاماً يستطيع أن يركن إلى عدم عمالته للغرب.

هنا جاء دور «الحجي»، ضابط إيقاع الاستراتيجية الإيرانية في العراق. ترك المجال مفتوحاً أمام التيارات التي فتحت قنوات مع الأميركيين لبناء النظام الجديد، وعلى وجه الخصوص حزب الدعوة بزعامة إبراهيم الجعفري، والمجلس الأعلى بقيادة السيد عبد العزيز الحكيم، وفي الوقت نفسه أسهم في قيام «جيش المهدي» بزعامة السيد مقتدى الصدر الذي فتح النيران على الاحتلال. كان هذا الجيش جماهيرياً، سمته الرئيسية الفوضى، فضلاً عن تدثر الكثير من الرعاع في عباءته، فكان لا بد من فصائل أكثر احترافية، عرفت في ما بعد بعصائب أهل الحق وحزب الله التي يؤكد العارفون أنها نفذت القدر الأكبر من العمليات ضد الأميركيين، وخاصة العبوات المزروعة على جوانب الطرق.

عام 2007 كان مفصلياً في المسيرة العراقية.

كانت الحرب المذهبية تضع أوزارها، وكانت الولاية الثانية لجورج بوش قد قاربت نهايتها. وقتها، وبفعل تأثيره، أدرك الأميركيون أن تحالفهم مع الشيعة لن يدوم طويلاً، فسعوا إلى إعادة التموضع في بلاد الرافدين عبر إعادة وصل ما انقطع مع السنّة من طريق قوات الصحوات التي أنشأها الاحتلال ودربها في غرب العراق لمقارعة تنظيم «القاعدة». في ذاك العام أيضاً، حصل اللقاءان الشهيران في بغداد بين سفيري أميركا وإيران ريان كروكر وحسن كاظمي قمي برعاية وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري. في تلك المحادثات، يروي العارفون أن السفير الإيراني كان يغادر الغرفة باستمرار. كان كروكر يعلم، بفعل الحدس طبعاً، أن «الجنرال الأسطورة» كان في الغرفة الثانية. في لحظة ما من المفاوضات، قال كروكر لقمي: رجاء أبلغه بأني مستعد للاجتماع به مباشرة، هذا يوفر وقتاً عليّ وعليه. ابتسم قمي وتابع مناقشاته مع كروكر من دون أي تعليق.

لم تكن تلك فقط حادثة الاحتكاك الوحيدة بينه وبين الأميركيين. ذات مرة، يقول العارفون إن الجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات الاحتلال الأميركي في العراق، طلب عبر وساطات اللقاء به. جاءه الجواب عبر الوسطاء أنفسهم، «إليك بالسفير الإيراني، هو ضابط من ضباطي ويمكنك إبلاغه ما تشاء». بل أكثر من ذلك. يروى أن الجنرال الإيراني كان يتلاعب بأعصاب بترايوس. يرسل له، بالواسطة، الرسائل النصية عبر الهاتف يبلغه بأمور يغيظه فيها. ذات مرة كان في المنطقة الخضراء يعقد اجتماعاً، وما إن غادر حتى بعث برسالة إلى بترايوس يشير فيها إلى أمور داخل المنطقة الخضراء بشكل يتأكد الضابط الأميركي أن غريمه غادرها للتو. هي لعبة حرب نفسية يبدو واضحاً أنها آتت أكلها.

بقيت الحال على ما هي عليه، إلى أن دخل عام 2011. وقتها، كان على الأميركي، بحسب المعاهدة الأمنية الموقعة مع العراق (سوفا)، أن يغادر بلاد الرافدين في آخر يوم منه. أدى دوراً محورياً في الضغط على الاحتلال لجعل بقائه في العراق كارثة. وفي الوقت نفسه، ضغط على القوى العراقية لضمان ألّا تنزلق إلى موافقة تبقي فيها بضع قواعد عسكرية أميركية في البلاد. كان العمود الصلب خلف رفض بغداد إعطاء الجنود الأميركيين أي حصانة إن بقي بعضهم في العراق، فكانت النهاية السعيدة بمغادرة الاحتلال ذليلاً دون قيد أو شرط، بل تحت مظلة أمنية إيرانية لكي يؤمن خلفيته.

 

 

غابت أخباره عن الساحة العراقية، من دون أن يتركها، خلال السنوات اللاحقة. كان وقتها مشغولاً بالحؤول دون سقوط الساحة السورية في أيدي القوى الغربية، و/ أو التكفيرية. يحكى الكثير عن دوره في بلاد الشام، وإن كان ما خفي أعظم، إلى أن وقع الزلزال/ الكارثة: سقوط الموصل على أيدي «داعش». في اليوم التالي، حطّ في بغداد، حيث يقيم إقامة شبه دائمة منذ ذلك الحين. أولى أولوياته كانت وقف الزحف الداعشي والحؤول دون سقوط عاصمة الرشيد في أيدي المغول الجدد. أدت فتوى «الجهاد» الكفائي للسيد علي السيستاني دوراً أساسياً في حشد القوى لمقارعة التكفيريين. يقال إن تلك الفتوى جاءت بعد لفت نظر من طهران. المهم، عمل الجنرال على تنظيم الصفوف العسكرية للقوى المدافعة. أعاد تنظيم الفصائل الموجودة وأغدق عليها الأدوات القتالية: منظمة بدر والمجلس الأعلى وعصائب أهل الحق وحزب الله وسرايا السلام (التابعة للتيار الصدري) و.... كذلك عمل على وضع هيكلية للحشد الشعبي، الذي تولى قيادته أبو مهدي المهندس، القيادي العراقي المعروف بقربه منه مذ أيام فيلق بدر. استقدم معه مستشارين عسكريين إيرانيين. وزع القوات الشعبية، بعد انهيار الجيش، بالشكل الذي يتناسب والخطة الموضوعة: تعزيز الحزام الأمني حول بغداد، وحماية المراقد في سامراء والنجف وكربلاء، وفك الحصار المفروض على أمرلي. ولما تحقق له ما أراد، عمل على تطهير صلاح الدين إلى تكريت، وهيت وديالى كلها، من ضمنها المعركتان الشهيرتان في جرف الصخر وجلولاء، ووجه القوات نحو الرمادي... والفلوجة.

في تلك المعارك، كانت لافتة كثرة الصور التي التقطت له فيها. لم يحصل ذلك صدفة أو بعشوائية. كان هناك إصرار على تأكيد حضوره كل المعارك الكبرى في بلاد الرافدين. هي رسالة أراد أن يبعثها للعالم: نحن من يقاتل التكفيريين، لا الأميركيون الذين يرمون المساعدات لهم كلما ضاقت بهم السبل. قتال لا ينحصر فقط في الساحة العراقية، بل أيضاً في سوريا واليمن وغيرها...

هي بعض حكايات الحاج قاسم سليماني، الجنرال الأسطورة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك