يعتبر الإقتصاد السعودي أحادي الجانب ونفطياً بإمتياز، لذلك فإن أي تذبذب في الأسعار قد يلقي بظلاله سريعاً على الوضعين الداخلي والخارجي للسعودية، خاصةً أن العديد من الدراسات تشير إلى أن السعودية وخلال أقل من عقدين لن تكون قادرة على تصدير النفط، وتتقاطع هذه الدراسات مع التنبؤات التي أصدرها بنك “سيتي غروب” في العام 2012 عن أن السعودية قد تصبح مستوردا للنفط بحلول عام 2030 ، لأنها تعتبر من أكثر الدول المستهلكة للنفط إذا ما تم مقارنتها بالدول الأخرى.
لا يختلف اثنان على المكانة العالمية التي حصلت عليها السعودية بسبب قدرتها المالية الضخمة، منطلقة من هذه النقطة تحديداً للدخول إلى عالم السياسة والصراعات السياسية، وبالفعل نجحت لهذه الأسباب في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، ولكن ماذا لو لم تكن الرياض قادرة على تصدير النفط؟ وماذا لو فقدت السعودية قدرتها المالية حالياً؟
بما أن الإقتصاد السعودي أحادي الجانب، فإن أي فقدان للقدرة على تصدير النفط يعتبر مقدّمة طبيعية لنهاية الهالة السعودية وتدمير الإقتصاد، والعودة عشرات السنين إلى الوراء، ولكن لإدراك مستقبل “السعودية اللانفطية” أو “النفطية اللاسعودية”، لا بد من مقدمة لتبيان النفوذ والقدرات التي حصل عليها آل سعود بسبب “البترودولار”.
مقدمة تاريخية
لم تحظ منطقة الحجاز بأي أهمية إقتصادية في أوائل القرن العشرين، وجل إهتمام المسلمين بمنطقة الحجاز حتى ذلك الوقت اقتصر على الحج والعمرة، في ظل غياب أي إهتمام دولي يذكر، إلا أنه وبعد إعلان عبد العزيز آل سعود تأسيس الدولة والذي ترافق مع طفرة نفطية، باتت منطقة الحجاز قديماً والسعودية حديثاً موضع إهتمام العديد من الدول العالمية وخصوصاً تلك التي انتصرت في الحربين العالمية الأولى والثانية، بدءاً من بريطانياً ووصولاً إلى أمريكا.
ومع ازدياد أسعار النفط في منتصف القرن العشرين، زادت أهمية السعودية الإقليمية والدولية، حتى باتت من أهم الدول الفاعلة إقليمياً بسبب القدرة الإقتصادية النفطية في أواخر القرن الفائت، ولكن ماذا لو لم تمتلك الرياض النفط؟ وماذا لو وقعت في عجز إقتصادي؟
السعودية اللانفطية
لعل من أهم النتائج المترتبة على ضعف السعودية إقتصادياً، زوال الجماعات التكفيرية في المنطقة، وبالتالي الحد بنسبة كبيرة من الإرهاب والفتنة الطائفية التي لطالما عملت السعودية على تأجيجها. فكيف يمكن للسعودية أن تموّل المدارس الدينية في باكستان وأفغانستان؟
السعودية اللانفطية كذلك تعني حكومة نظيفة ومنتخبة شعبياً، بدل أن تتحكم عائلة حجازية استفادت من الظروف والإستعمار للتسلط على الشعوب وأكل ثرواتهم، وبالتالي لما كان هناك سجن سياسي، أو تمييز بين المواطنين، ولكان اسم البلد، يبدأ بـ(الجمهورية ( وينتهي بـ(الإسلامية) ولما أعطت أمريكا والغرب للسعودية أي أهمية تذكر.
لو لم تكن السعودية نفطية لما حصلت هزيمة 1967، وبالتالي لكان “الكيان الإسرائيلي” شيئاً من الماضي، فهي التي تواطأت مع الكيان الإسرائيلي من ذلك الحين، واستنزفت الجيش المصري في الحرب على الأراضي اليمنية. غياب آل سعود يعني بقاء فلسطين والأقصى قضية العرب والمسلمين المركزية والكيان الإسرائيلي عدوهم الاستراتيجي الأول، وهذا ما يمكن إستشفافه من عرّاب الدبلوماسية السعودية الأمير سعود الفيصل الذي استخدم في بعض البيانات الصادرة عنه مصطلح الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لا العربي.
السعودية اللانفطية تعني عدم ظهور التنظيمات الإرهابية في سوريا وقتلها لعشرات الآلاف من الأبرياء، وكذلك عدم احتلال العراق من قبل تنظيم داعش الإرهابي. كما أن العدوان السعودي الحالي على اليمن والذي أودى بحياة الآلاف من المسلمين، لم يكن لولا هذه الأموال النفطية.
لو لم تكن السعودية نفطية، لما نجحت الرياض في تلميع صورتها الإقليمية عبر الآلة الإعلامية الضخمة التي تقودها قنوات خليجية معروفة، وربما لم تكن بحاجة إلى ذلك لأنها ستكون منشغلة بالأوضاع الداخلية ولن تمتلك القدرة على التأثير خارجياً.
يبدو أننا نعالج النتائج من دون النظر إلى الأسباب، فماذا لو عكسنا المشهد، ماذا لو كانت بلاد الحجاز، نفطية ولكن لاسعودية؟
النفطية اللاسعودية
لا شك في أنه لو لم ينجح آل سعود في السيطرة على الحجاز، لكان المشهد معاكساً لما نراه اليوم، وكانت بالفعل هذه المنطقة وأهلها الكرماء “مملكة الخير”، والشقيقة الكبرى ليس فقط لدول مجلس التعاون، إنما لكافة العرب والمسلمين. لو غاب آل سعود عن المشهد لكانت الوهابية فعل ماضٍ ناقص، والفتنة المذهبية حكايات تدرس في كتب التاريخ فقط.
بلاد الحجاز النفطية تعني أن يعيش كافة أبناء تلك المنطقة(السعودية حالياً) بأمن وإستقرار وحرية ورخاء إقتصادي، فلا تنحسر المليارات النفطية بأيدي عائلة صغيرة.
بلاد الحجاز النفطية أيضاً، تعني وحدة إسلامية تعطي لأبنائها رهبة تقض مضاجع كل الطامعين في خيرات المسلمين. فلو اتحدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الحجاز الإسلامية (السعودية حالياً)، هل ستستطيع القوى الغربية مهاجمة المسلمين في شتى أنحاء الأرض؟ ماذا لو اتخذت الأمة الإسلامية قراراً موحداً بقطع نفط منطقة الشرق الأوسط عن القوى الغربية؟
خلاصة
يتضح أن السعودية النفطية عبارة عن “حجر عثرة” أمام وحدة وتقدم وإستقرار الأمتين العربية والإسلامية، في حين أن السعودية اللانفطية تضرب بنيان العديد من المخططات التي تستهدف المنطقة نظراً لعجزها عن أداء هذا الدور الموكول لها حالياً، وتعتبر النفطية اللاسعودية مقدّمة طبيعية لإزدهار ووحدة الأمة الإسلامية.
https://telegram.me/buratha