رفعت البدوي* العهد
الكثير من تقارير مراكز الأبحاث العربية منها والامريكية والاوروبية، ومن المقالات والتحليلات لباحثين وكتاب وصحفيين عرب وأجانب.
جلُّ ما قرأته تمحور حول العلاقات بين الحليفين الروسي والسوري من جهة وبين الروسي والايراني من جهة اخرى بشكل خاص توصيف الخطوة الروسية الاخيرة التي افضت لاتخاذ قرار بسحب قسم من القوات الروسية من سوريا.
البعض ذهب بتوصيفه أن الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا جاء نتيجة خلاف بين القيادتين الروسية والسورية والبعض الآخر وصف مضمون المكالمة الهاتفية بين الرئيسين ڤلاديمير بوتين وبشار الأسد كان عاصفاً وأن القرار الروسي اتخذ بناء على رفض الرئيس الاسد لمقترحات الرئيس بوتين.
اما بعض تقارير مراكز الابحاث فتحدث عن خلاف ايراني روسي ونسب ذاك الخلاف الى تصاريح من مسؤولي البلدين المتناقضة في الرؤى والأهداف.
البعض من المقالات والتحليلات لبعض الصحفيين البارزين نسب الانسحاب الجزئي للقوات الروسية اتى نتيجة اللهجة العالية النبرة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي وصّف الواقع بدقة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في دمشق مؤخرا قبيل توجه الوفد الرسمي السوري للمشاركة في مفاوضات جنيڤ 3 المنعقد بين المعارضة والدولة السورية برعاية المبعوث الاممي دي ميستورا.
اما البعض الاخر من الكتاب والمحللين قال ان الذي اغضب القيادة الروسية هو ما اجاب به الوزير وليد المعلم عندما سئل عن مستقبل الرئيس بشار الاسد قائلا "ان الرئيس بشار الاسد خط احمر" وهذا الامر ملك الشعب السوري وحده".
اقول هذا الكلام لأن شريحة واسعة من عامة الناس والجمهور القارئ أصيب بالضياع وشتات الفكر وعدم القدرة لاستنتاج او فهم حقيقة المرحلة خصوصا بعد بروز الكلام عن اتفاق امريكي روسي بالضغط على الحلفاء من كلا الجانبين تمهيدا لوضع قطار الحل في المنطقة وخصوصا في سوريا على السكة الصحيحة والبدء برحلة التسوية الشاملة.
ما يهمنا في هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها بلادنا العربية وخصوصا سورية ان ندرك بان التفاهم التام بين القيادتين الروسية والسورية مستمر، ولا يوجد خلاف بين الجانبين وحتى لو ان خلافاً حصل بين القيادتين في أي مرحلة من المراحل فان هذا الخلاف فيما لو حصل لا يعالج بسحب فائض القوات الروسية من سوريا، وان اعتماد الطرق الدبلوماسية الانجع لكلا الطرفين ويهمنا ان القيادة الروسية تحترم وبشكل كبير وجهة النظر السورية مهما كانت وروسيا لم تحاول في السابق ولن تحاول في قادم الايام فرض اي شيء او اي فكرة لا توافق عليها القيادة السورية.
الكلام الذي صدر عن الرئيس الروسي بوتين اليوم اثناء حفل تكريم الضباط الروس عند عودتهم الى روسيا، معلناً اننا لن نتأخر عن اعادة القوات والمستشارين والطائرات الروسية الى سوريا خلال ساعات اذا ما اقتضت الحاجة لذلك، وان الانسحاب الجزئي اتى بالاتفاق التام والمسبق بينه وبين الرئيس بشار الاسد.
"ماريا زاخاروڤا"، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، قالت ان مطلب رحيل الرئيس بشار الاسد يدعو للضحك والشفقه لطالبيه". ان مثل هذا الكلام هو دليل قاطع عن عدم تخلي روسيا قيادة وجيشاً، سياسيا واقتصاديا عن سوريا كما كتبه البعض او فسره او كما يحلو للبعض الآخر اعتباره.
روسيا ومنذ إرسال قواتها الى سوريا اعلنت وبشكل رسمي ان مهمة القوات الروسية على الاراضي السورية تحتاج من اربعة الى ستة اشهر وان القوات الروسية لن تبقى الى الابد في سوريا وهذا واضح تماماً وبوتين يحترم كلمته بدقة لانه القائد.
روسيا لم ترسل قواتها الى سوريا من اجل فدرلة سوريا او تفتيتها بل للحفاظ على وحدة سوريا ارضا وشعبا ومؤسسات ودولة وجيشًا، وان ما صدر عن بعض المسؤولين الروس عن فدرلة سوريا لهو من باب الضغط على تركيا ولإجبارها على تغيير سلوكها السيء مع سوريا ليس الا
لا يوجد قوه في العالم تستطيع فرض اي شيء على الشعب السوري مهما كان، واي امر يخص سوريا يجب ان تكون حصرية القرار فيه للشعب السوري.
"هذا ما صرحت به المستشارة الاعلامية والسياسية للرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان "نستطيع القول ان هناك اتفاقا امريكيا روسيا سوريا منذ البدء بالعملية الروسية على مدة العملية العسكرية وتحقيق ما يمكن تحقيقه خصوصاً لجهة كسر التوازن العسكري لصالح الجيش العربي السوري وهذا ما حصل فعلاً".
روسيا حققت ما كانت تصبو اليه وفرضت نفسها لاعباً دولياً قوياً في اي حل قادم لسوريا والمنطقة.
روسيا لا تستطيع إبقاء كامل قواتها بتكاليف عالية الى ما شاء الله، على الرغم من تكبدها ما يقارب 470 مليون دولار من خزينتها عن كلفة ما قامت به خلال الاشهر الخمسة المنصرمة، خصوصاً اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الهبوط الحاد باسعار النفط الذي يعتبر المورد الرئيس للخزينة الروسية.
روسيا حققت خلال فترة تواجدها على الاراضي السورية ما عجز عن تحقيقه التحالف الامريكي الغربي لمحاربة الارهاب لاكثر من عام ونصف.
روسيا اعادت التوازن العسكري للجيش العربي السوري من خلال تكثيف التدريب وتزويده بالاسلحة المتطورة ليصبح قادرا على الحفاظ على الانجازات الاخيرة.
روسيا ارادت ان تضرب في السياسة كما ضربت بالعسكر، لأن الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا هو رسالة سياسية قوية بعدة اتجاهات متماشياً مع إفساح المجال امام الحلول السياسية بعيداً عن ضغوط الميدان العسكري.
الصورة التي رسمها بوتين مبنية على مصداقية روسيا مع الحلفاء وهذا ما نجح بترجمته الى حد بعيد منذ توليه السلطات وقرار القيادة في روسيا
روسيا وبالاتفاق مع سوريا ارادت ان تضع الجميع على طاولة المفاوضات واعطاء الامل والوقت الكافي لانضاج الحل السياسي في سوريا المرتبط الى حد بعيد مع باقي ازمات المنطقة.
لذلك نرى بداية حلحلة في المواقف المتشنجة في كل من اليمن والسعودية وتركيا المرعوبة من انقلاب الصورة الامنية الى الداخل التركي اضافة الى الكابوس التاريخي مع الاكراد وامكانية اقامة حكم كردي على الحدود مع سوريا.
اليوم تلمسنا موقفا سعوديا جديد لجهة القبول بالنزول من اعلى الشجرة اليمنية ولملمة ملفها الضاغط على خزينتها وامنها معاً، فأمرت وفد الرياض بضرورة الذهاب الى جنيف والمشاركة بالمفاوضات الجارية هناك.
ثبت ان البعض ممن كتب وحلل لا يعرف حقيقة وعمق الحلف الاستراتيجي بين روسيا وسوريا والعلاقات المميزة بين البلدين التي رسم استراتيجيتها الرئيس السوري الراحل القائد حافظ الاسد واستمرت بين سوريا الاسد وروسيا بوتين.
في المحصلة، فان ما يجري الآن بين المنطقة وفي جنيف جرى التوافق عليه بين امريكا وروسيا وبين روسيا وسوريا وبين روسيا وايران "رغم وجود نوع من الخلاف بين روسيا وايران" لكن انجاز الاتفاق النووي الايراني كان متقدماً على ما عداه، الا اننا ما نراه اليوم كان من ضمن ذاك الاتفاق واليوم بدأت ترجمته فعلياً.
المنطقة سمعت صفارة انطلاق قطار التسويات، وممنوع تعطيل عملية الانطلاق، ومن يتخلف عن الركوب او حجز المقعد على متن القطار سيجد نفسه تائها على أرصفة المحطات.
https://telegram.me/buratha