أعلنت قوات "الردع الخاصة" في ليبيا أنها نجحت في اعتقال 3 عناصر من تنظيم داعش، بينهم زعيم التنظيم في مدينة صبراتة التي تقع غرب ليبيا بالقرب من الحدود التونسية.
قوات الردع الليبية الخاصة أعلنت، في 25 فبراير/ شباط الحالي، عن ذلك في فيديو تضمن تفاصيل العملية وأجزاء لا بأس بها من اعترافات عناصر التنظيم الإرهابي. ومن الصعب التشكيك في هذه العملية أو التقليل من هذه الخطوة المهمة.
من جهة أخرى، وقبل الإعلان عن تفاصيل هذه العملية، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، الأربعاء 24 فبراير/ شباط الحالي، إن فرنسا تقوم بعمليات سرية في ليبيا للقضاء على عناصر تنظيم داعش. وأكدت أن عناصر القوات الخاصة، إلى جانب قوات الأمن الخارجي في وزارة الدفاع الفرنسية، تشارك في هذه العمليات. وفي الوقت نفسه، تفضل وزارة الدفاع الفرنسية العمل بطريقة خاصة جدا، معتبرة أن "التدخل في ليبيا هو الحل الأفضل، ويجب تجنب المواجهة العسكرية المفتوحة، والتصرف بحكمة".
وعلى الرغم من أن هيئة الأركان العامة الفرنسية لم تعلن بشكل رسمي عن مشاركة قواتها في العمليات بليبيا، إلا أن تقارير أمنية واستخباراتية أمريكية أكدت أن القوات الخاصة الفرنسية تقوم بعمليات مشتركة مع القوات الحكومية الليبية، قرب مدينة بنغازي. وذكرت أيضا أن "العمليات تمر بنجاح في الأيام الأخيرة".
عملية اعتقال عناصر داعش في صبراتة، جاءت أيضا بعد الغارة الأمريكية، في 19 فبراير، على أحد مواقع داعش، ما أسفر عن مقتل 43 إرهابيا وفق المعلومات الرسمية. ولكن هناك معلومات أخرى تشير إلى أن اجتماعا لعناصر داعش في صبراتة ضم حوالي 55 إرهابيا كان منعقدا في لحظة القصف التي تم تحديدها بدقة شديدة، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 50 إرهابيا، وهروب خمسة عناصر. ولم يتم الإعلان عن اعتقالهم فيما بعد.
إن الولايات المتحدة تقوم بغارات وفق خططها ومصالحها، بصرف النظر عن اعتراض الليبيين المحرومين من السلاح بقرار غربي. بينما تقوم القوات الخاصة الفرنسية بعمليات سرية، من بينها العملية الجوية التي قتل فيها القائد الميداني في داعش "أبو نبيل" بمدينة "درنة" الليبية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015. ناهيك بالعمليات الفرنسية الأخرى في جنوب ليبيا. ما يعطي انطباعا بأمرين في غاية الأهمية والخطورة:
-تنسيق بين الولايات المتحدة وفرنسا بالدرجة الأولى لتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية محدودة في ليبيا تحت غطاءات وتسميات مختلفة.
-عدم وجود تنسيق بين واشنطن وباريس وعواصم أوروبية أخرى لتنفيذ مهام، على أن تقوم كل دولة بالتصرف وفق مصالحها.
في الحالتين، نلاحظ أن السلطات الليبية المعترف بها دوليا تدين تلك العمليات باعتبارها اعتداء على سيادة ليبيا، وأنها تمت دون التنسيق مع السلطات الرسمية أو بموافقتها. ولكن تقارير الدولتين المعنيتين (الولايات المتحدة وفرنسا) تفيد بأن العمليات تمت بالتنسيق مع السلطات الليبية. وبل وتؤكد باريس على أن القوات الخاصة الفرنسية تقوم بعمليات مشتركة مع القوات الحكومية الليبية!
قد يبدو أن وقوع الغارات الأمريكية في صبراتة واعتقال عناصر داعش في صبراتة أيضا، وإعلان صحيفة "لوموند" الفرنسية عن وجود قوات خاصة فرنسية في ليبيا.. مجرد "مصادفات" مثلما تصادف وجود أثر للاستخبارات والقوات الخاصة الفرنسية مع وجود أثر لاتصالات أمريكية في عملية اعتقال وقتل معمر القذافي، أو تسليمه نصف مقتول إلى بعض الشبان من هواة الظهور أمام الكاميرات للإجهز عليه، وتسجيل "الحادث" لحساب ما يسمى بـ "قوات الثورة الليبية".
هذه المصادفات "الغريبة"، لا تضع فقط مصداقية الغرب، وبالذات واشنطن وباريس ولندن، على المحك، بل تضع معها مصداقية السلطات الليبية الشرعية أمام علامات استفهام كثيرة، وخاصة في ظل حرص الغرب على استبعاد دول الجوار من المشاركة المباشرة في هذا الملف وتقليص دورها إلى حد القيام بالخدمات فقط، ومواصلة الضغوط على الليبيين لدعم التوجه الغربي في تسوية الأزمة، ودق الأسافين بين القبائل الليبية، ومحاولة خلق تناقضات جوهرية بين القادة العسكريين في ليبيا. وهي الأمور التي يربطها الغرب دوما بمسألة رفع الحظر عن توريد السلاح إلى الجيش الليبي.
أشرف الصباغ
https://telegram.me/buratha