سوف تبكي لهم بنات نعش
فيما تحضر أنقرة والرياض لعمل عسكري "خاطف" في سوريا وتنتظران القرار من تحالف "دولي" كما تؤكدان، يجمع خبراء روس على خسارتهما المحققة في عمل "انتحاري" سيبلغ صداه المجرة.
يفغيني ساتانوفسكي رئيس "معهد الشرق الأوسط" المستقل، وفي تعليق على احتمال إقدام تركيا والسعودية على عمل بري في سوريا، اعتبر أنهما ستواجهان صعوبات جمة.
ورجح رغم ذلك، أن تنخرط تركيا وبشكل مباشر في عمل عسكري في سوريا، معللا الأمر بأن الأتراك لن يقبلوا بتقدم الأكراد لما سيتمخض عنه من انقطاع "العلاقات بين أنقرة وحلفائها في "داعش"، فضلا عن نضوب نهر النفط الرابط بين تركيا وشركائها كما سيتعذر توريد الأسلحة وتمرير المسلحين من تركيا إلى شمال سوريا".
وبصدد السعودية، اعتبر أن الرياض إذا ما انضمت إلى أنقرة في هذه المغامرة، فإنها ستقحم قوات محدودة نظرا لانشغال جيشها في اليمن حيث غرق هناك إلى أجل غير مسمى، وهو يراوح مكانه رغم السلاح والعتاد المتطور الذي بحوزته.
وأشار ساتانوفسكي إلى أن رد الجيش السوري سوف يكون موجعا لأي جهة قد تحاول ولوج الأرض السورية، فيما حذر "وتوسل خالقه" ألا تتورط الدولتان في المناسبة، وتستهدفا القوات الروسية العاملة في سوريا، حيث أن الرد وفي خطواته الأولى سوف يتمثل في القضاء التام على سلاح الجو التركي.
الاحتمال الثاني المرجح حسب ساتانوفسكي، اكتفاء الأتراك بالاستيلاء على جزء من الشريط الحدودي والتوغل في العمق السوري بمحاذاة الحدود، الأمر الذي سيضع القوات التركية وجها لوجه أمام مسلحي الأكراد بما سيستنزفها.
وأشار إلى أن مثل هذا التطور سيكون أمرا "إيجابيا بالنسبة إلى روسيا"، حيث أن القوات التركية حينها سوف تقع بين فكي كماشة الأكراد شمالا من تركيا وجنوبا من سوريا، معتبرا أن الأتراك سيصلون إلى طريق مسدود في أي عمل عسكري شمال سوريا.
وسوغ ساتانوفسكي ما سماه بـ"الهستيريا السعودية والتركية" بالنجاحات الأخيرة والمتوالية التي يحققها الجيش السوري بعد الدعم الجوي الروسي الكبير، مشيرا إلى أن أردوغان إذا ما أخفق في تحقيق هدفه الرئيسي في الإطاحة بنظام الرئيس السوري، فإنه "سوف يسقط في نظر حزبه" لا محالة، وأن هذا السقوط بات قاب قوسين أو أدنى.
واعتبر كذلك، أن هذا الأمر ينسحب على قيادة الرياض، التي راهنت هي الأخرى ومنذ البداية على إزاحة الأسد وأنها إذا ما فشلت في نيل مبتغاها فإنها ستضطر مرغمة "للتخلي عن طموحاتها في تزعم العالم السني".
وفي التعليق على قدرات الجيش السعودي قال: "جيش الرياض، جيش ضعيف، ويعجز عن القتال فهو لا يريد الحرب أصلا رغم ثرائه وعتاده الحديث".
وعليه، وبالوقوف على التصريحات الصادرة عن أنقرة والرياض واستعدادهما التام لأي عمل بري في سوريا بقيادة تحالف "دولي"، يبدو أن خطوات السعوديين والأتراك لن تتعدى تمزيق القمصان وفر أزرارها من شدة الغضب، وتنفيس الضغوطات النفسية الداخلية والمحيطة الزائدة.
البلدان، وكما يبدو وفقا لما يجمع عليه الكثير من الخبراء، لن يقدما على عمل عسكري في سوريا، إن كان خاطفا أو مزمنا، وبغض النظر عن احتشاد جيوش عشرين بلدا يزمجر جنودها ويتدربون على وقع الألحان العسكرية الحماسية وهدير الطائرات ودوي القذائف الصوتية في حفر الباطن.
تركيا والسعودية والولايات المتحدة، بل "أصدقاء سوريا" أجمعين، تعازموا وحضروا الوقيد منذ احتدام الأزمة واندلاع القتال في سوريا، وتداعوا إلى شن عمل عسكري خاطف تراوح طابعه حسبهم بين ضربة جوية، وهجمة صاروخية من بعيد، فيما لم يجرؤ أي منهم على الاقتراب فعلا من سوريا.
والسؤال: كيف اليوم للمتعازمين أن يقدموا على عمل عسكري "لتخليص سوريا من الإرهاب في إطار تحالف دولي"، ولماذا لم "يخلصوها منه" قبل ذلك، وقبل أن استشرى تنظيم "داعش" وأقرانه بها من بابها إلى محرابها؟ هل هم يريدون بلوغ الرقة وإعلان خلافة "معتدلة" فيها، واجتياح شمال سوريا لكسر شوكة الأكراد ومنع قيام كيان يؤرق الأتراك؟
وأي تحالف دولي ينتظرون، ألا يكفي تحالف واشنطن "الدولي"، أم أنه مزور ولا يرقى إلى المستوى الأممي، الذي دعت إليه موسكو منذ البداية، فهي أعادت إلى أذهان الجميع مرارا أن القرارات الأممية تصدر عن مجلس الأمن والجمعية العامة، لا عن واشنطن، أم أن "تحالف" واشنطن لا يريد الصدام أبدا مع روسيا من أجل المتحالفين؟
"رعد الشمال"، سيبقى رعدا بعيدا بلا غيث، فالطرق المؤدية إلى سوريا مسدودة، والعراق أرسل قوات كبيرة إلى الحدود مع حفر الباطن لسماع صوت دوي "الرعد" وإثبات وجوده على أراضيه والتأكيد أن العبور منها إلى سوريا سيتطلب الإذن والتنسيق.
و"الرعد" لن يدوي كذلك في سوريا عبر بوابتها الجنوبية، فهي موصدة واستهداف المدرعات والدبابات أمريكية الصنع التي قد يمتطيها جند "الراعدون" ستواجه مصيرا لن تحسد عليه، إذ لدى الجيش السوري ما يكفي من صواريخ "كورنيت" الروسية وغيرها المضادة لأحسن الدروع.
أما من الجو، فطريق قوافل "رعد الشمال" سوف تكون معبدة بالمخاطر، التي أولها أن طائرات هجومية روسية تحمل العلم السوري ستدمرها عند أول معبر سوري، فيما ستؤكد موسكو أن الطائرات "سورية والطيارين سوريون" وستكتفي بتوصية الجميع بالتهدئة.
الجيش التركي من جهته، لن يكون أوفر حظا إذا ما تلقى الأوامر بالزحف واجتياح الأراضي السورية، وأيضا، لأن قوافله ستتحول إلى أكوام من الحديد المصهور وبضربات جوية ستوجهها طائرات حربية "سورية حديثة جدا تسلمتها دمشق من موسكو مؤخرا بموجب عقود حكومية موقعة بين البلدين في وقت سابق".
الأحلاف التي احتشدت وتحزبت وتجهزت للانقضاض على سوريا منذ أمد، تبقى جميعها على أهبة الاستعداد للغزو، إلا أن شيئا يلجمها على الدوام ويمنعها من الهجوم! ما يلجمها، هو موقف روسيا، التي أعلنت أخيرا وصراحة أنه لا مناطق عازلة شمال سوريا بمعزل عن قرار أممي والحصول على موافقة الحكومة السورية.
صفوان أبو حلا
https://telegram.me/buratha