ربما لن يصدق المرء أن أربعة أو خمسة مقاتلين سوريين فقط، ممن دربتهم إدارة أوباما، يقاتلون في سوريا ضد تنظيم "داعش". إنها ليست "مزحة"، بل الحقيقة التي كشف عنها قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط أمام الكونغرس.
لم يخف قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال لويد اوستن امام الكونغرس عجزه عن تشكيل قوة عسكرية فاعلة من المعارضة السورية المعتدلة قادرة على مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وقال أوستن صراحة أمام لجنة القوات المسلحة إن عدد هؤلاء المقاتلين حاليا لا يتجاوز الخمسة. كلام الجنرال كان له وقع الصدمة على أعضاء اللجنة التي يرأسها السيناتور المخضرم جون ماكين. ولاسيما ان الإدارة الأميركية كانت قد أعلنت تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لتمويل خطتها في سوريا.
وأمام إلحاحهم اضطر الجنرال أوستن إلى القول صراحة: "الموجودون حاليا في ساحة المعركة هم .... نحن نتكلم عن أربعة أو خمسة". وردت السناتورة الجمهورية كيلي ايوت عليه قائلة "إنها بالتأكيد مزحة". في حين قال السناتور الجمهوري جيف سيشنس "إنه فشل كامل". وقال ماكين إن المشكلة "ليست باننا لا نفعل شيئا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بل بأنه لا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بان ما نقوم به حاليا سيكون كافيا".
ومن المتوقع أن يسهم هذا التصريح في تعزيز موقع منتقدي سياسة الرئيس باراك اوباما، الذين يعتبرون أنه عجز عن اتخاذ خطوات فاعلة بوجه تنظيم "الدولة الإسلامية". إذ يدفع السناتور ماكين، مع العديد من المسؤولين الجمهوريين الآخرين، إدارة أوباما باتجاه التدخل العسكري بشكل واسع في الحرب ضد "داعش". ويطالب ماكين بإرسال قوات أميركية خاصة إلى سوريا لتوجيه الضربات الجوية التي يقوم بها الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
"إستراتيجية ناجعة في بعض المناطق"
بيد أن أوباما مصر تماما على تجنب إرسال أي جندي على الأرض. ويعتبر أن على القوى المحلية القيام بما هو لازم من تحرك على الأرض بدعم من الضربات الجوية للائتلاف الدولي. ورأى الجنرال أوستن أن هذه الإستراتيجية كانت ناجعة في بعض المناطق. وقال "في شمال شرق سوريا قامت القوات الكردية ومجموعات عربية بعمل رائع"، حيث تمكنت من إبعاد قوات تنظيم "داعش" عن قسم كبير من الحدود مع تركيا.
وتابع الجنرال أوستن "لقد تمكنوا من دحر مجموعة الدولة الإسلامية حتى مسافة 40 كيلومترا من الرقة"، المعقل الرئيس لهذا التنظيم المتطرف في سوريا. وذلك في إشارة إلى التقدم الذي حققه المقاتلون الأكراد وحلفاؤهم في بلدة تل أبيض وغيرها من المناطق، التي تمكنوا من طرد مقاتلي "داعش" منها.
إشادة بالتجربة العراقية في مواجهة فشل "السورية"
وركز الجنرال أوستن على "نجاح" برامج التدريب التي يقوم بها مدربون أمريكيون للقوات العراقية. وقال "تم إلى اليوم تدريب ما يقرب من 13 ألف جندي عراقي وهناك أكثر من ثلاثة آلاف يجري تدريبهم حاليا". وأضاف "كما تم تدريب أكثر من 3100 مقاتل من العشائر السنية ويجري حاليا تدريب 750 آخرين".
أما بشأن سوريا فإن وزارة الدفاع كانت قد أعلنت لدى إطلاق برنامج التدريب مطلع السنة أن الهدف هو تدريب خمسة آلاف مقاتل خلال السنة الأولى في إطار برنامج قدرت تكلفته بنحو نصف مليار دولار. إلا أنه في النهاية لم يتم تدريب سوى 54 مقاتلا وغالبيتهم تعرضوا لهجمات من جبهة النصرة التابعة للقاعدة منذ وصولهم إلى سوريا. ولم يبق منهم على الأرض حاليا سوى "أربعة أو خمسة".
وكشفت المسؤولة في البنتاغون كريستين وورموث، التي قدمت أيضا مداخلة أمام الكونغرس، أن نحو مائة مقاتل فقط يجري حاليا تدريبهم للقتال في سوريا. وهنا يتساءل المراقبون مجددا، ماذا يعني مائة مقاتل آخرين في بلد تمزقه الحرب؟ ماذا سيفعل هؤلاء في ظل وجود عشرات الآلاف من المقاتلين في صفوف المعارضة الإسلامية المتشددة وقوات النظام والميليشيات الحليفة معه؟
ويرى هؤلاء أن ثمة مشاكل إضافية رافقت برنامج تدريب مقاتلي المعارضة المعتدلة. إذ اصطدم هذا البرنامج، منذ إطلاقه، بعدة عقبات، منها مشكلة اختيار الأشخاص المناسبين للمشاركة فيه. فقد وضع البنتاغون مواصفات مشددة للغاية لاختيار الأشخاص المهيئين للمشاركة في التدريبات ما أدى إلى استبعاد الآلاف ممن قدموا أسماءهم.
والعقبة الكبرى الأخرى، برأي بعض المراقبين الملمين بالشأن السوري، هي أن إدارة الرئيس أوباما أكدت مرارا أن المتدربين سيقاتلون حصرا تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولن يقاتلوا نظام الرئيس السوري بشار الأسد. من هنا أخذت فصائل المعارضة الأخرى تنظر بشيء من الريبة لهؤلاء المقاتلين، كما أن العديد من المقاتلين أحجم عن المشاركة في البرنامج.