رأت صحيفة “جارديان” البريطانية أن سقوط الرافعة في الحرم المكي، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص يوم الجمعة الماضية، “يفضح الطفرة العمرانية الزائفة التي يشكو بعض السعوديين من أنها تخرب المدينة المقدسة”.
على مدى سنوات، تعايش سكان مكة مع أعمال البناء والتطوير في ظل سعي القادة السعوديين ليس فقط لتوسيع الحرم المكي ، الذي استقبل ما يزيد على 2 مليون زائر خلال موسم الحج الماضي، وإنما أيضا لتطوير المدينة المحيطة به.
وقال ناشط سعودي، فضل عدم ذكر اسمه: “بعد كل سنتين، تخرج القيادة السعودية بخطة توسعة جديدة لا علاقة لها بالخطة القديمة، وحينها تضطر لهدم جزء من الأعمال الماضية – هذا ما يعاني منه أهل مكة والحجاج على مدى السنوات الـ15 الماضية”.
تتضح أعمال البناء المحمومة في كل مكان في مكة المكرمة، وفي المقام الأول في المسجد الحرام، الذي وقع به الحادث يوم الجمعة، ووعد الملك سلمان بن عبد العزيز بمعرفة سبب سقوط رافعة البناء أثناء هبوب عاصفة رعدية.
وذكرت الصحيفة أن الحج لن يتأثر بالحادث، بيد أن السكان المحليين ذاقوا مرارة الحادث، إذ أوضح الناشط السعودي: “وقعت بعض الحوادث البسيطة، وأسفرت عن مقتل العمال، لكنها لم تصل أبدًا إلى الصحافة، أما هذه المرة فلا يمكنهم إخفاؤها”.
ويشرف على مشروع تطوير مكة المكرمة – البالغ تكلفته 100 مليون ريال سعودي – واحدة من أبرز شركات التطوير العقاري في المملكة، وهي مجموعة بن لادن السعودية، وبدعم من الحكومة.
ويشير الداعمون إلى أن المشروع يتضمن بناء مساكن جديدة وإنشاء طريق دائري ومواقف سيارات ونظام مترو جديد.
وقال عرفان العلاوي، المؤسس المشارك لمؤسسة أبحاث التراث الإسلامي ومقرها مكة: “مكة ليست مدينة عادية”، لافتا إلى أن ناطحات السحاب الكثيرة تجعل المدينة “تبدو وكأنها مانهاتن”، ولاسيما برج الساعة الملكي البالغ ارتفاعه 76 طابقا، ومجمع أبراج البيت المرفق به.
ومن ناحية أخرى، يشتكي النشطاء من نقص الرقابة والإشراف بشكل مثير للقلق، وعادة ما يتم التستر على الحوادث، ويظهر مقطع الفيديو المنشور على الإنترنت لسقوط الرافعة عدم وجود احتياطات أمنية في المكان.
كما يشعر السكان المحليون بقلق بالغ إزاء تخصيص مجموعة بن لادن مناطق عشوائية كبيرة لأعمال الهدم، ويخشون عدم تلقيهم تعويضا مناسبا أو مكانا جديدا للعيش فيه.
وتتفاقم المشكلة نظرا لحقيقة أن الجاليات المهاجرة في مكة تتداول ملكية العقارات فيما بينها منذ سنوات، في حين أن المملكة لا تعترف بالأوراق التي يستخدمونها في هذا الإطار.
ورأى ناشط آخر من مكة المكرمة: “يعتبر مشروع التطوير في المقام الأول وسيلة للأسرة الحاكمة لتوزيع الثروة النفطية والمحسوبية بين دائرة محدودة من الأمراء وحاشيتهم، فلا أحد يتوقع أن تحقق هذه التوسعات فائدة ملموسة”.
ولفتت الصحيفة إلى أن العقارات المحيطة بالمسجد الحرام هي من بين الأكثر غلاء في العالم، لكن هناك أيضا مناطق مزرية ليست بعيدة عن وسط المدينة.
يعتبر شارع منصور أحد الأحياء الفقيرة في المدينة، ويقع على بُعد ميل من المسجد الحرام، ويسكنه في الأساس مهاجرون من ثلاث قبائل نيجيرية، وهناك أيضا حي النكاسة الفقير المكتظ بالسكان البورميين، والمبني على منحدر جبلي غير مرصوف.
وتتسم العديد من شوارع هذه الأحياء بأنها ضيقة وشديدة الانحدار، وداخل المتاهة المتشابكة من الأزقة، تطفح مياه الصرف الصحي وتتراكم القمامة في الشوارع، والقليل من المنازل فقط لديها الغاز والماء والكهرباء، على حد وصف الصحيفة.
ولا توجد دلائل واضحة على البرامج والإعانات الاجتماعية – المقدرة بـ110 مليار دولار – التي أعلنها الملك منذ بدء الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة قبل أربع سنوات، بحسب الصحيفة.