طرحت تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى حول قناعته بأن دولا فى الشرق الأوسط سترسل فى الوقت المناسب قوات برية إلى سوريا لقتال "داعش"، تساؤلات مهمة عن مواقف الدول العربية.
ماذا تفعل القوات الخاصة الأمريكية في سوريا؟ ولماذا يضرب حلفاؤها دمشق الآن؟الوزير الأمريكي أشار إلى أن هذا الأمر سيناقش فى الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، مشددا على "ضرورة أن يكون هناك أناس على الأرض، أنا مقتنع بأنهم سيكونون هناك عندما يحين الوقت المناسب". وفي الوقت نفسه أكد أن القوات الأمريكية لن تكون جزءا من المعادلة، وأنه ليس هناك أي مشروع لتغيير هذا الأمر".
هذا التصريح تزامن مع تسريبات صحيفة "واشنطن بوست" بوجود عناصر من الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية على الأراضي السورية، وإصرار واشنطن على تدريب ما يسمى بـ "المعارضة المعتدلة المسلحة"، واستمرار قصف التحالف التابع لها الأراضي السورية تحت مزاعم محاربة "داعش"، وكذلك ترتيباتها العسكرية مع تركيا، عبر قواعدها هناك، لقصف مدن شمال سوريا تحت نفس المزاعم. ما يعني أن الولايات المتحدة تواصل دفع سيناريوهاتها إلى الأمام على أكثر من محور.
في هذا الصدد بالذات، أفاد موقع "ديلي بيست" الإخباري الأمريكي بأن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفيد بتريوس اقترح الاعتماد على "جبهة النصرة" من أجل مكافحة تنظيم "داعش". وذكرت تقارير أن بتريوس، وهو القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، يقوم بإقناع مسؤولين أمريكيين بدراسة الاستعانة بما وصفه بالأعضاء "المعتدلين" من "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي.
واعتبرت دوائر سياسية وعسكرية أن خطة بتريوس خطرة وشبه مستحيلة ومثيرة للجدل، لأن واشنطن بدأت حربها ضد الإرهاب على خلفية هجمات "القاعدة" في 11 سبتمبر عام 2001. كما ستواجه هذه الخطة عقبات أمنية وشرعية كبيرة بعد أن أدرجت الإدارة الأمريكية "جبهة النصرة" في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في عام 2012. وبالتالي، فالولايات المتحدة بحاجة إلى حادث مثل حادث 11 سبتمبر، أو حملة دولية دعائية ضخمة حول أسلحة كيماوية أو ذرية في سوريا، وربما مواجهات ما في المنطقة تشارك فيها دمشق، لكي تمتلك واشنطن الحجج الكافية للالتفاف على مجلس الأمن الدولي، وتكرار سيناريوهات العراق وليبيا، عبر تحالفات كانت تشارك فيها دول عربية أيضا.
كل هذه الشواهد تشير بدرجات مختلفة إلى أن الولايات المتحدة تماطل في تسوية الأزمة السورية إلى أن تكتمل العناصر اللازمة لتكرار سيناريوهات سابقة تم تجريبها في تدمير العراق وليبيا. ولكن اللافت في ما قاله جون كيري أن دولا عربية ستشارك بريا في دخول سوريا لمحاربة "داعش". فهل يقصد كيري أن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن يمكن أن يساهم في تلك السيناريوهات الأمريكية؟ أم يقصد ما يسمى بـ "القوة العربية" التي اتفقت على تشكيها جامعة الدول العربية، وفشل لقاء وزراء دفاعها وخارجيتها في الـ27 من أغسطس/آب الماضي لأسباب لم يعلن عنها. واكتفت الجامعة بالتصريح بأنه تم إلغاء الاجتماع دون ذكر الأسباب؟ وهل تم إلغاء أو تأجيل الاجتماع بسبب ضغوط أمريكية من جهة، وخلافات عربية – عربية من جهة أخرى؟
AFPمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين
هذه التساؤلات تحيلنا إلى تصريحات مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بأن موسكو لن تلتحق بالتحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة واشنطن، منوها بأن التحالف يقصف أراضي سوريا دون موافقة مجلس الأمن الدولي، وأن دول التحالف لا تفهم إلى الآن ما هي الأهداف التي تسعى لإنجازها، هل هي مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي، أم الإطاحة بحكومة بشار الأسد. وكرر تشوركين موقف موسكو بأن "محاربة تنظيم داعش تعد أولوية واضحة الآن"، مشددا على أن "من يعارض حاليا التعاون مع الحكومة السورية من أجل محاربة داعش كان يتعاون معها بهدف تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا". وتساءل تشوركين أيضا عن "ماذا يمنعهم من التعاون مع نفس الحكومة من أجل محاربة التنظيم الإرهابي؟!".
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فقد أعلن صراحة أن مطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بالرحيل كشرط مسبق للشروع في مكافحة الإرهاب، أمر ضار وغير واقعي. وشدد على أن بشار الأسد ما زال رئيسا شرعيا تماما على الرغم من التصريحات الغربية. وكرر مجددا الرؤية الروسية للمماحكات السياسية الغربية، مشيرا إلى "أنهم يحاولون اليوم ربط كافة الخطوات التي يجب اتخاذها للتسوية في سوريا برحيل بشار الأسد باعتبار أنه لم يعد شرعيا، وهو نفس النهج الذي اعتمدوه للقضاء على صدام حسين ومعمر القذافي". واعتبر لافروف أن الجيش السوري يمثل اليوم القوة الأكثر فعالية التي تواجه "داعش" على الأرض.
RIA NOVOSTIوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
وإذا كان لافروف قد حذر مجددا من عواقب الأزمات في الشرق الأوسط على أوروبا نفسها، وحمَّل التدخل الخارجي مسؤولية أزمة المهاجرين التي تواجهها أوروبا في الأشهر الأخيرة، مشيرا إلى أنها نتيجة لتحركات معينة قامت بها بشكل أساسي هذه الدول التي يتوجه إليها المهاجرون، قاصدا بذلك ما حدث ويحدث في العراق وليبيا وأيضا في سوريا، فمن الممكن إضافة حجم الدمار الذي لحق بهذه الدول في كل المجالات، بما في ذلك البنية التحتية التي ستحتاج لعشرات السنين من أجل إعادتها إلى ما كانت عليه قبل أن تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها مغامراتهم العسكرية والاستخباراتية التي لعبت الدور الأكبر في استفحال ظاهرة الإرهاب وانتشارها.
إن تصريحات كيري تطرح جملة من التساؤلات الأخطر حول موقف عدد من الدول العربية، على رأسها دولتان كبيرتان مثل مصر والسعودية اللتين تتعرضان أيضا لموجات كاسحة من الإرهاب، ويجري توريطهما في معادلات إقليمية تستنفد مواردهما. فهل من مصلحة القاهرة والرياض أن يحدث تدخل بري لقوات عربية في دولة عربية كبيرة أيضا، يجري هدمها وتشريد شعبها بشكل ممنهج؟ وماذا سيكون دور هذه القوات العربية، قتل ما تبقى من السوريين، ؟! وعن أي مكافحة لـ "داعش" في سوريا يجري الحديث، بينما داعش نفسه يواصل عملياته الإرهابية في كل من مصر والسعودية، وفي الوقت نفسه تنشغل كل منهما بمصير الأسد في دمشق، في ما تسعى واشنطن من جانبها للتعاون حتى مع نفس التنظيمات الإرهابية، التي تؤرق مصر والسعودية، ولكن الإدارة الأمريكية تراها ضرورية في الحرب ضد "داعش"؟ وهل يمكن أن تقبل القاهرة والرياض التعاون مع الحكومة السورية في مكافحة "داعش" أم ستتبنى الموقف الأمريكي مزدوج المعايير؟ كل هذه التساؤلات تطرح نفسها بشكل تلقائي، لأن القاهرة والرياض لا تبعدان كثيرا، ليس فقط عن ضربات التنظيم الإرهابي، وبقية التنظيمات والجماعات التي تنتمي إليه عقائديا وميدانيا، بل أيضا عن السيناريوهات الأمريكية الخادعة التي لا تتواني واشنطن تطبيقها على أي حليف.
في الحقيقة، لقد أعادنا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مرة أخرى إلى التاريخ القريب، ردا على "التهويمات السياسية" الأمريكية التي ظهرت مؤخرا بأن غزو العراق كان "خطأ". لافروف قال صراحة إن غزو الولايات المتحدة للعراق كان متعمدا، ولم يكن خطأ، بينما فسره مراقبون بأنه كانت بداية سيناريوهات واشنطن لتغيير الشرق الأوسط تحت مسميات عديدة، وهو مارأيناه من "تغيير" في العراق وليبيا وسوريا بمساعدة التنظيمات الإرهابية! والمثير للدهشة أن تحذيرات كثيرة صدرت في حينه بشأن "الخطأ الفظيع" الذي ترتكبه الولايات المتحدة، سواء في العراق أو في ليبيا، ولكن الإدارات الأمريكية لم تكن تسمع أصلا. والآن، يعلنون أن غزو العراق كان "خطأ"، بينما يكررون نفس السيناريو في سوريا تحت مزاعم مثيرة للسخرية وباستخدام ليس فقط "التنظيمات الإرهابية المعتدلة"، بل وبتوريط قوات عربية برية أيضا!
أشرف الصباغ
https://telegram.me/buratha