لن تكون الخريطة السياسية الدولية بعد اليوم كما كانت من قبل، ولن تكون خريطة المنطقة الممتدة من الشرق الاوسط الى الخليج (الفارسي) بالتحديد كما عرفناها منذ الثورة الاسلامية في ايران عام 1979. وسيبدل الاتفاق النووي الايراني وجه المنطقة، وستذهب الأمور بالتأكيد نحو تغيير للأولويات، وللأهداف وربما أيضا للتحالفات.
انتظر الجميع مسار المفاوضات بفارغ الصبر، وتابعوا محطاتها وجولاتها التي تنقلت بين مدن وعواصم كثيرة، ووقفوا عند تفاصيل التفاصيل، منهم من هلل للاتفاق من حلفاء ايران، واعتبروه محطة مفصلية في مسار الصراع مع الطرف الآخر، ورأوا في التوصل اليه تدعيما لمواقعهم. أما المتضررون، فحاولوا قطع الطريق عليه مرارا وتكرارا، كمن يحاول ابعاد الكأس المرة عن شفتيه.
لكن الولايات المتحدة بادارة الديموقراطي باراك أوباما اتخذت القرار خريف عام 2013، واطلقت مفاوضات مع ايران بعد اسابيع قليلة من وصول المعتدل حسن روحاني الى الرئاسة الايرانية، وراهنت على الاتفاق بصداقات وتحالفات تاريخية، واليوم بات الاتفاق واقعاً لا مفر منه، وعنوانه العريض: قطع الطريق على ايران ولمدة 10 سنين على الاقل لانتاج قنبلة نووية، لكن ايران تحوّلت اليوم، وباعتراف المجموعة السداسية ولاحقاً الامم المتحدة، دولة ذات تكنولوجيا نووية سلمية، تمتلك الدورة الكاملة للتخصيب، وفي المقابل رفع عقوبات أنهكت الاقتصاد الايراني والايرانيين معاً، وستتمكن ايران في وقت قريب من استعادة عشرات المليارات (الرقم التقريبي يراوح بين 100 مليار و180 مليار دولار) من الأرصدة المجمدة في المصارف الغربية ومن عائدات النفط التي صدرتها ايران خلال الفترة الماضية من غير أن تتمكن من تحصيل أموالها بسبب قرار الحصار المالي المفروض عليها.
كما ستتمكن ايران من معاودة تصدير انتاجها النفطي بكل أشكاله، واستيراد ما تحتاج اليه من معدات وتقنيات مدنية. وما هي الا ايام قليلة حتى ينتقل كل ما اتفق عليه الى مجلس الامن كي يتحول كل ذلك الى وثائق رسمية تعيد ايران الى الحظيرة الدولية دولة كاملة الحقوق والواجبات، ولو ببرنامج نووي محدود بالاستخدام المدني لكنه طموح مستقبلاً.
واختصر المفاوض الايراني الاول وزير الخارجية محمد جواد ظريف المشهد بعد اعلان الاتفاق بالقول: "أعتقد أن هذه لحظة تاريخية، اليوم كان يمكن أن يكون نهاية الأمل في هذه القضية لكننا اليوم نبدأ فصلاً جديداً من الأمل، دعونا نبني على ذلك".
اما نظيره الاميركي جون كيري الذي استكمل آخر الجولات على العكازين فحاول الايحاء في مؤتمره الصحافي الطويل في فيينا بأن الاتفاق انتزع كل اوراق القوة من ايران، لكنه شدد على أن "هذا هو الاتفاق الجيد الذي كنا نسعى الى توقيعه". وشددت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية فيديريكا موغيريني على أن الاتفاق "يفتح الطريق لفصل جديد من العلاقات الدولية ويظهر أن الديبلوماسية والتنسيق والتعاون قد تتغلب على عقود من التوتر والمواجهات".
ويحافظ الاتفاق النهائي على روحية ما تم التوصل اليه في اتفاق لوزان المبدئي الذي اعلن في 2 نيسان الماضي، وأهم بنوده احتفاظ ايران بنحو 6000 جهاز طرد مركزي منها 5000 في منشأة نطنز النووية التي ستخصب الاورانيوم بنسبة لا تزيد عن 67، 3%، و1000 جهاز في منشأة فوردو التي ستحصر نشاطها بالابحاث العلمية والدراسات النووية والفيزيائية المتطورة، أما مفاعل أراك للمياه الثقيلة فستدخل عليه تعديلات بنيوية وسيزود الامكانات والمختبرات والمنشآت الجديدة بمساعدة الدول المشاركة في الاتفاق من أجل تخفيف نسبة البلوتونيوم المنتجة، وسيجري ذلك بمراقبة دقيقة ودورية ومن دون قيود من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وسترفع العقوبات الاميركية والاوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الايراني وتستهدف القطاعات المالية والطاقوية - وخصوصاً الغاز والنفط - والنقل "فور تطبيق" ايران التزاماتها النووية التي يفترض ان يؤكدها تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أي على الارجح ليس قبل 2016.
اما العقوبات التي تفرضها الامم المتحدة على الاسلحة فستستمر خمس سنوات ولكن يمكن مجلس الامن ان يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ باليستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة فترة غير محدد
https://telegram.me/buratha