رغم الضربات التي يتلقاها تنظيم الدولة "داعش" ، إلا أن العاملين على تجنيد مقاتلين جدد مازالوا يمارسون عملهم في دول المغرب العربي، واللافت للنظر أن مصريين هم من يقومون بالتجنيد بعدما احتلوا المركز الأول كمحاربين في صفوف تنظيم الدولة "داعش" حسب المركز الدولي للدراسات، ومؤخرًا اعتقلت الشرطة الجزائرية مصريًا يعد الرأس المدبر في خلايا تجنيد مقاتلين جزائريين ومن دول المغرب العربي في صفوف الجماعات المسلحة في سوريا والعراق، حيث قدم معلومات دقيقة وحيوية للأمن، ساهمت في تفكيك عشرات الشبكات حتى في تونس. وذكرت صحيفة « الخبر» الجزائرية في عددها الصادر أمس، أن مصالح الأمن تمكنت من تفكيك «العلبة السوداء» في شبكة تجنيد مقاتلين جزائريين ومن دول المغرب العربي في صفوف الجماعات المسلحة في سورية والعراق، موضحة أن الأمر يتعلق بشخص من جنسية مصرية، أوقف بمدينة قسنطينة (500 كم شرق البلاد) لصلته بـ"جبهة النصرة" في سوريا.
وأوضحت أن الشخص الموقوف تعامل مع مجموعة من الجهاديين من جنسيات ليبية وتونسية لتسهيل التحاق مقاتلين بتنظيم «داعش» وقبلها «جبهة النصرة»، فيما جرى إخلاء سبيل موقوف ثان في مدينة عنابة القريبة من مدينة قسنطينة، بعد سماعه في تهمة تسهيل استخراج جوازات سفر مزورة لصالح مرشحين للالتحاق بالنصرة، وأشارت الصحيفة إلى أنه استنادًا للمعلومات التي قدمها هذا الشخص الموقوف لدى الأمن الجزائري، شنت مصالح الأمن في تونس، حملة اعتقالات واسعة ضد ما يعتقد بأنها خلية نائمة للقاعدة مكونة من سلفيين، وكشف مصدر أمني جزائري عن حصول جهاز أمن الدولة في تونس على معلومات هامة من أحد الموقوفين حول بعض المنتمين للقاعدة في تونس، من الذين سهلوا تنقل جهاديين إلى سورية، وتم بعدها تقفي أثر سلفيين في كل من الجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا.
وقد نجح تنظيم الدولة «داعش» منذ بداياته في تجنيد المئات من المصريين، واختراق العديد من عقول الشباب في مصر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتحديد شباب التيار الإسلامي من الإخوان والسلفيين، وبات «داعش» أول تنظيم إقليمي يضم في مجلس الشورى الخاص به قيادات من المصريين، ما يشكل خطراً حقيقياً وتهديداً للدولة والمجتمع المصريين.
البداياتالبداية كانت منذ نشأة «داعش». فبمجرد أن أعلن ابو عمر البغدادي، إنشاء ما أسماع بـ "الدولة الإسلامية في العراق"، عين وزيراً لدفاع الجماعة، هو أبوحمزة المهاجر، وهو مصري، واسمه عبدالمنعم عز الدين بدوى، من سوهاج. وكان «المهاجر» من أشرس المقاتلين، في صفوف «داعش»، منذ أن قدم إليها من أفغانستان، وهو ما دفع أبو عمر للوثوق به وتعيينه وزيراً لدفاعه، حتى قتلا معاً في غارة أمريكية، وبعدها تولى «أبوبكر البغدادي» قيادة التنظيم، وشكل مجلس الشورى من ضباط سابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين، ومنهم العقيد حجى بكر، الذى وضع خبرته العسكرية وعلاقاته في خدمة التنظيم، و3 من المصريين، تولوا مهام إدارية وقيادية.
أبو بكر البغدادي وتجنيد المصريينواستطاعت «داعش» في عهد أبوبكر البغدادي، أن تركز في تجنيدها على المقاتلين المصريين، لأنها ترى أن مصر يجب أن تكون هدفاً تالياً لها بعد سوريا، كونها تحتل المرتبة الأولى في أجندة الجهاد العالمي، لكن تأخيرها كان اضطرارياً لعدم وجود ثغرة يمكن التسلل من خلالها إليها، وهو الأمر الذى كان يشابه الحالة السورية قبل الانتفاضة المسلحة هناك، والتي رأى زعيم «داعش» أنها وجبت بعد ذلك، وكان ذلك واضحاً من الرسالة الصوتية لـ «أبو محمد العدناني»، المتحدث باسم «داعش» التي وجهها للمصريين، وحملت عنوان «السلمية دين من؟» حذر فيها أتباع منهج السلمية، لأن الإسلام لم يعرف سوى السيف الصارم في فرض حاكميته على البشر، معتبراً أن أصل الداء لا يتمثل في الحاكم بل في القوانين والأحكام التي يحكم بها، ومن ثم فلا فرق بين محمد مرسى، وحسنى مبارك، وراشد الغنوشي، لأنهم جميعاً «كفرة مرتدون»، تخلوا عن حاكمية الشريعة، وارتضوا بالقوانين التي صنعها البشر، وإن كان «مرسى والغنوشي» أشد فتنة على المسلمين من «مبارك وبن على»، وفق قوله.
مواقع التواصل الاجتماعيوفى حساب لـ «داعش»، على «تويتر» أكد أن أتباع التنظيم موجودون في مصر، وأشار إلى مئات الشباب الذين التحقوا بتنظيم «البغدادي»، والذين عاد بعضهم ليشكلوا بؤراً إرهابية، أقل ما توصف به، أنها ستكون مصدراً للتكفير والتفجير، مهدداً بقوله «رداً على المشككين في وجودنا على أرض مصر نبشرهم لم ولن ننشر شيئاً قبل نشر أول عملية ذبح بالصوت والصورة وستكون مهداة لكم ولكل مشكك في وجودنا"
وجاءت رسالة مصورة من أحد قضاة المحكمة الشرعية التابعة لـ«داعش»، هي الأخطر، لتثبت بما لا يدع مجالاً للشك، حقيقة وجود أتباع «داعش» المصريين، حيث أبان أنه مصري، ولم يكشف اسمه، موجهاً حديثه، لـ «أنصار بيت المقدس» في مصر، واعداً إياهم بعدم التخلي عنهم، وإمدادهم بالمال والرجال.
اعترافات أنصار بيت المقدسوتأكيدًا لوجود مصريين في تنظيم الدولة جاء في اعترافات «أنصار بيت المقدس»، في القضية المحالة إلى النيابة، اعترف أكثر من عضو، أنهم التزموا بالفكر التكفيري عبر بوابة ميدان التحرير، واستمعوا إلى خطب حازم أبو إسماعيل، ثم التقوا ببعض العناصر الموجودة في الميدان، أخذتهم إلى خيم مشايخ السلفية الجهادية، مثل محمد حجازي، ومحمد الظواهري، واحمد سلامة مبروك، وغيرهم، ثم انضموا إلى حركة «أحرار»، وبعدها ذهبوا للقتال في سوريا والعراق، وانضموا هناك إما إلى «جبهة النصرة»، أو تنظيم "داعش".
واعترف أبو عمر، هاني موسى، أنه سلك في رحلته إلى سوريا طريقاً يتشابه مع الطريق الذى سلكه أغلب الشباب المصريين الذين سافروا إلى هناك عن طريق الحصول على تأشيرة سفر إلى تركيا بغرض السياحة وسعرها لا يتجاوز 350 جنيهاً، ثم الانتقال إلى أي من مينائي الإسكندرية أو بورسعيد، حيث لا يزيد سعر تذكرة الذهاب إلى ميناء الإسكندرونة أو ميناء مارسيم في تركيا على 1000 جنيه، ومنها الانتقال إلى الحدود السورية التركية، ثم الدخول إلى سوريا عبر المعابر الممتدة في المنطقة الحدودية بين البلدين، مثل معبر الريحانية ومعبر الحيزتاب، وأضاف أن عشرات المصريين ملتحقون بالقتال في سوريا والعراق بجانب جماعات السلفية الجهادية.
وفى أبريل2014 أثبتت «داعش» أن لديها عدداً كبيراً من المصريين في صفوفها، حيث نشرت فيديو لشاب ملثم يستقل سيارة خاصة، يتوعد فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالقتل، وقال «الطواغيت في مصر شأنهم شأن الطواغيت في سوريا، شأنهم شأن الطواغيت في ليبيا والأردن، والنظام المصري لا يختلف تماماً عن الطواغيت في سوريا".
بعد نشر فيديو الشاب المصري كشفت المعلومات الأمنية أن عدداً غير قليل من المسلحين المصريين الذين يتبنون فكراً جهادياً انخرطوا بالفعل في القتال مع «داعش». وقال مصدر أمنى إن أحمد عشوش، زعيم أنصار الشريعة في مصر، ومحمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم «القاعدة» ، كانا يشرفان على إرسال المقاتلين إلى سوريا والعراق.
البغدادي وأنصار بيت المقدسوفى المقابل، استغل «البغدادي» التمويل، ووفر الدعم اللوجيستي لضم «أنصار بيت المقدس»، وفى تسريب لأحد التسجيلات لعادل حبارة اعترف أنه ذبح جنود رفح كهدية منه لأبو بكر البغدادي، وأنه تلقى 10 آلاف دولار كدفعة أولى من الدعم المالي.
وفى فيديو آخر، دعا أحد أعضاء حركة «داعش» المصريين إلى الجهاد لتطبيق الشريعة قائلاً: «هيهات أن يطبق الإسلام في مصر بغير جهاد طويل ومرير، لأن التجربة الديمقراطية أثبتت فشلها في بلدان المسلمين، ولأنها فكرة مشوهة». وكشف موقع «لونج وار جورنال»، المهتم بالجماعات الإرهابية، عن فيديو لـ«داعش» موجه إلى جهاديين في سيناء، يدعوهم فيه إلى «التعاون من أجل إنشاء دولة الله، نحن وأنتم واحد»، وأكد أنه يجب عليهم الصبر لتحقيق مسعاهم، وأضاف: «الجهاد وسيلة تأسيس دولة الله». كل ذلك كان سبباً في وجود مئات المصريين في صفوف «داعش»، حتى خرج علينا أخيراً «إسلام يكن»، كما يعرف نفسه على الشبكات الاجتماعية، الذى كان طالباً في مدرسة «ليسيه الحرية» في هليوبوليس، بمصر الجديدة عام 2009، ثم درس في كلية حقوق جامعة عين شمس، وتخرج فيها عام 2013، ليؤكد على صفحته الشخصية، أنه سيجيء مع الداعشيين، لفتح أرض الكنانة، وإقامة الخلافة على أرضها. الى ان تناقلت الصحف اخبار قتله في احدى المعارك، وعلى الجانب الآخر مبايعة أنصار بيت المقدس البغدادي وانضمامهم رسميا لتنظيم الدولة والمعارك الدائرة الان في شمال سيناء.
من أين يأتي كل هذا العنف؟ وكيف يتفاقم؟ وكيف يصير عارا، عارنا العربي، الذي يطاردنا في مطارات العالم؟ من أين تستمدّ الشخصية العدوانية عدوانيتها؟
الجواب ببساطة من الثقافة، من الأفكار التي يتمّ تداولها منذ مئات السنين، من "البطولات" التي تمجد السيف، في حين قلما نجد ما يمجد الفكر والعقل.
هناك أمثلة كثيرة غير التي أشرنا اليها هنا فالأمثلة لا تحصى، بدءا من النصوص الدينية، التي تمثل المراجع الأولى لمعتقداتنا، والخزان الأساسي الذي يتحرّك فيه لا وعينا الجمعي، إلى أسطح الذات التي يتراكم عليها غبار العنف ومفرداته، لكن مع ذلك يبقى السؤال: أين دور المؤسسة الدينية في مصر لتجنيب شبابنا كل هذه الدماء ليست المؤسسة الدينية فقط بل المؤسسات جميعا ثقافة وتعليم وشباب.. وغيرها تلك المؤسسات المنوط بها الحفاظ على الشباب المصري واستثماره فيما ينفعه وينفع وطنه؟
4/5/150305
https://telegram.me/buratha