التقارير

الأنبار .. بين كابوس ’داعش’ وتخبط مرجعياتها!

1853 12:35:10 2015-04-30

بغداد ـ عادل الجبوري

   تعيش الساحة في الأنبار بالعراق، إن صحّ التعبير، أوضاعا قلقة ومرتبكة الى حد كبير، لا سيما وأن المواجهة مع تنظيم "داعش" الإرهابي بدأت من الناحية الفعلية، منذ أكثر من أسبوعين.

   تتعدد مصادر وأسباب القلق والارتباك، علما انها في المجمل العام ليست جديدة، بيد أن تفاعلات المشهد الأمني دفعت بها الى السطح بعد أن كانت كامنة او غير ظاهرة للعيان بما يكفي، لفترة طويلة من الزمن.

   أول مصادر وأسباب القلق "الانباري"، هو أن عموم الناس هناك يتخوفون من تكرار سيناريو احتلال "داعش" لمحافظة نينوى في الانبار. وهذا يعني، في حال حصوله، المزيد من حالات الخراب والدمار والنزوح والتهجير. ولعل أعدادًا كبيرة من أبناء الأنبار يتمتعون بظروف ومستويات اجتماعية وحياتية جيدة، بحكم ما حصلوا عليه من وظائف ومواقع وامتيازات في عهد النظام البعثي السابق، وكذلك بحكم عمل الكثير منهم في مجالات التجارة والاعمال الحرة المربحة، ناهيك عن ارتباط البعض منهم بجهات خارجية من خلال عناوين سياسية، وأمنية ومخابراتية.

   ومن الطبيعي أن يدفع التخوف من تكرار سيناريو احتلال نينوى في الانبار، ساسة المحافظة وشيوخها ووجهاءها وأصحاب النفوذ فيها، الى البحث عن مخارج وحلول مناسبة. ولن يكون مستغربا حينما يتوجهون الى الولايات المتحدة الاميركية لإنقاذهم وحمايتهم من "داعش"، إلا أنّ المستغرَب هو أن تخذلهم واشنطن وألّا تقدم لهم سوى الوعود والدعم المحدود، الذي لا يغني من جوعٍ ولا يسدّ رمقا.         

   ساسة ورجال عشائر من الأنبار أو من عموم المكون السني، أقروا واعترفوا بأن واشنطن لم تستجب ولم تعر آذانا صاغية لصرخاتهم واستغاثاتهم، فمن كبير مشايخ الأنبار الشيخ ماجد حاتم السلمان، الى رئيس مجلس إنقاذ الأنبار حميد الهايس، ورئيس مجالس الصحوات وسام الحردان، فعضو مجلس النواب عن محافظة صلاح الدين مشعان الجبوري، الى الفريق المتقاعد وفيق السامرائي، وغيرهم آخرين، انطلقت انتقادات حادة ولاذعة للولايات المتحدة، وتلويح واضح باللجوء الى ايران للحصول على المساعدات المطلوبة للخلاص من تنظيم "داعش".  

    وإن لم تكن الاسماء، الانفة الذكر، تحمل صفات رسمية، أو تشغل مواقع زعامات سياسية، فإن التذمر والاستياء من واشنطن، حينما يصدر عن أسماء تشغَل مواقع عليا في الدولة، وتمثل زعامات سياسية رفيعة في بيئتها الاجتماعية والسياسية، مثل نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، فإن ذلك يعني أن هناك احتقانا وضغطا كبيرين، ناهيك عن غياب الرؤية والمسار لدى رموز المكون السني.

   وتؤكد أوساط مطلعة أن النجيفي والجبوري والمطلك، اشتكوا للملك الاردني عبد الله الثاني، خلال زيارتهم الاخيرة لعمّان قبل بضعة ايام، الاهمالَ الاميركي للمكون السني، وعدم الايفاء بالوعود التي يقطعها الساسة الاميركيون لهم، في وقت باتت تقف الانبار فيه على حافة الهاوية.

   والمصدر والسبب الاخر للقلق والارتباك، هو في وجود الحشد الشعبي وتحوله الى رقم صعب، وعنصر محوري في الميدان. وهذا ما اثبتته نتائج المعارك والمواجهات مع عصابات "داعش" في جرف النصر وبلد والضلوعية وامرلي وتكريت، حيث باتت هناك قناعة راسخة، ليس لدى قادة ورموز الشيعة ، بل لدى قادة ورموز المكون السني، بأن أية معركة مع "داعش" لا يمكن حسمها والانتصار فيها اذا ما غابت عنها قوات الحشد الشعبي. وقد يكون التقدم الذي حققه "داعش" في بعض المناطق من الانبار مؤخرا يعود لعدم دخول الحشد الشعبي على الخط.

ترحيب

   ولا شك في ان تصاعد المطالبات من قبل رموز من الانبار وغيرها، يعكس قراءة واقعية لمجريات الامور على الارض، ولما يمكن ان تؤول إليه فيما لو لم يتم تدراك الأخطار المحدقة بالمحافظة.

   وقد حظيت تأكيدات بعض قادة الحشد الشعبي، بأن "تحرير الأنبار يتحقق من خلال معادلة رباعية احد اركانها الحشد الشعبي، والاركان الثلاثة الاخرى المتمثلة بالجيش والشرطة والعشائر"، بترحيب بين أوساط سياسية وعشائرية من المكون السني في الانبار.

   بيد ان ذلك لا يلغي وجود قلق كبير لدى هذا المكون حيال قوة الحشد الشعبي ودوره الفاعل، رغم قناعته بتمثيله العنصر الحاسم في اية مواجهة مع "داعش"، ومصدر ذلك القلق يعود بجانب كبير منه إلى نزعات طائفية، فضلًا عن الحملات الاعلامية الهابطة ضد الحشد واتهامه بالقتل والتدمير والسلب والنهب للمناطق التي يحررها من عصابات "داعش".

   ويتجاوز القلق قضية التدمير والتخريب والسلب والنهب، الى كونه يدخل في إطار "اجندات" ومشاريع كبيرة وخطيرة توجهها وتدعمها سياسيا وماليا واعلاميا وعسكريا اطراف خارجية. ويراد من ورائها تحجيم المكون الشيعي، وايجاد جدار نفسي ومعنوي عازل بينه وبين الآخر السني، حتى وان ادى ذلك الى تقسيم العراق الى "كانتونات" على اسس قومية ومذهبية، كما خطط لذلك منذ عدة اعوام، نائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن.

   فبالرغم من أن تنظيم "داعش" افصح في مناسبات عدة عن مخططاته للسيطرة على سوريا والعراق، وقيامه بتنفيذ عمليات إرهابية في دول عدة، من بينها مصر ولبنان وليبيا ونيجيريا وغيرها، الا ان هناك أطرافا اقليمية منغلقة ما زالت تصر على دعمه ومساندته في العراق وسوريا وأماكن أخرى، ليضرب مكونا اسلاميا معينا هو المكون الشيعي، ويهدد نظاما سياسيا قائما هو نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية. والا، فلمَ هذا الرفض من قبل البعض لمشاركة قوات الحشد الشعبي في معارك تحرير الانبار ونينوى من "داعش"، وماذا خلف كل تلك الحملات الاعلامية ضده؟

   المصدر والسبب الثالث للقلق "الانباري"، يتمثل بعدم وجود مرجعيات سياسية او دينية او عشائرية تحظى بمساحات قبول واسعة وتمتلك قواعد جماهيرية يمكن الاتكاء عليها في اتخاذ المواقف وتسويقها. فالمرجعيات في فضاء المكون السني، سواء كانت سياسية ام دينية ام عشائرية، غالبا ما تكون محدودة القبول. وحتى تلك المحدودية ترتبط بمصالح آنية ومرحلية معينة، وتكون مرتكزة على دعم خارجي، يكون ماليا واعلاميا في معظم الاحيان. ناهيك عن ان مثل تلك المرجعيات غالبا ما تكون عرضة للاقصاء والتشهير من قبل المرجعيات الاخرى المنافسة لها على الجمهور والمواقع والامتيازات والولاءات.

   كل ذلك يجعل من الصعب بمكان تبلور جبهة، او جبهات، جماهيرية رصينة لمواجهة الارهاب او تبني أية قضية معينة، ولعل تجربة ساحات الاعتصام في الانبار خلال عام 2013 خير شاهد ودليل على ذلك. وكذلك يجعل زمام المبادرة في مختلف القضايا خارج حدود الانبار، وحتى خارج حدود المكون السني، وبالتالي تغيب الحلول والمعالجات من داخل ذلك المكون، ويصار الى البحث عن حلول ومعالجات من خارجه. ولعل مطالبة البعض بدخول الحشد الشعبي ومعارضة البعض الاخر هو انعكاس لذلك. والشيء ذاته بالنسبة الى الموقف من التعاطي الاميركي مع الشأن العراقي، وطبيعة وشكل العلاقة مع ايران.  

   هذه هي صورة الواقع "الانباري" العام، والذي هو جزء من واقع المكون السني في نينوى وصلاح الدين ومناطق اخرى، ذلك الواقع المعتم والفاقد للمخارج الصحيحة، والافاق الواضحة، والخيارات السليمة.

31/5/150430

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك