شارل أبي نادر – عميد لبناني متقاعد
تشكّل مدينة تكريت العراقيّة من النّاحية الجغرافيّة نقطة ربط أساسيّة بين مناطق الجزيرة والأنبار مع ديالى والموصل، فيها تتلاقى الطُّرُق السريعة الرئيسة مع الموصل وبغداد وكركوك وهي بالنسبة لِـ"داعش" خط دفاع أوّل قبل الحويجة على طريق الموصل، ونقطة أساسيّة لإمداد مسلّحي هذا التنظيم في عمليّاته الواسعة ضدّ الجيش والمؤسّسات والمواطنين العراقيين في محافظتي ديالى وصلاح الدّين.
لتحقيق الانتصار على "داعش" في كافّة المناطق العراقيّة، اعتبر الجيش العراقي أنّ الهدف الرئيس هو استعادة السّيطرة على الموصل، ومن هُنا فقد رأى أنّ تحرير تكريت هي مرحلة أساس على طريق ذلك، كما أنّ السّيطرة عليها تلعب دوراً مهمّاً في حماية العاصمة وفي حماية مدينة سامرّاء شمالها عبر توسيع وإكمال حزام أمن بغداد المُمتدّ من ديالى شرقاً مروراً بقاعِدة سبايكر الجويّة في تكريت شمالاً حتّى الحبّانيّة بين الفلّوجة والرّمادي غرباً وهذا يفترض مُهاجمة تكريت كمرحلة أولى ثم الوصول إلى الحبّانيّة كمرحلة ثانية، حيث يُمكنه بذلك قطع خطوط الإمداد وعزل مسلّحي التنظيم عن الشمال باتّجاه الحويجة - الموصل وعن الغرب باتّجاه الرّمادي - الرّقة أو الرّمادي - الحسكة.
مطلع آذار الحالي نفذّ الجيش العراقيّ عمليّة عسكريّة لتحرير مدينة تكريت والبلدات التّابعة لها حيث تتمركز عناصر "داعش"، وذلك تحت شعار "لبّيك يا رسول الله"، يُعاونه في ذلك قوّات من الحشد الشعبيّ ومن المُتطوّعين السّنَّة المُناهظين للتنظيم وكتيبة تُدعى "كتيبة روح الله المسيحيّين" من الآشوريّين العراقيّين؛ وقد ناهز عدد عناصر الحملة الـ 30,000 عنصر مدعومين بِسلاح الطيران العراقي وطوّافاته وبأسلحة المُدرّعات والمدفعيّة والهندسة وذلك عبر المحاور التّالية:
- المحور الشّمالي الشّرقي من مدينة العظيم بيجي باتّجاه تكريت.
- المحور الشّمالي الغربي من منطقة الديوم باتّجاه تكريت.
- المحور الجّنوبي الشّرقي من جلولاء والسّعديّة وآمرلي (ناحية ديالى) باتّجاه الدور والعلم جنوب شرق تكريت.
تمّت السّيطرة على بلدات الدور والعلم والبوعجيل حيث تشكّل هذه البلدات خط إمداد تكريت في حوض دجلة وقد تكبد التنظيم خسائر كبيرة في "جلام الدور" وفي "سور شناز" قرب الدور، وسادت صفوفه حالة من الهلع والضّياع خصوصاً بعد أن عمدت قيادات التنظيم على تنفيذ أحكام الإعدام رمياً بالرّصاص بحقّ عناصره ممن فشلوا في مواجهة الجيش العراقي، أو ممن فروا من أمامه، وانسحب مقاتلو تنظيم "داعش" على دفعتين نحو الحويجة شمالاً ونحو مركز مدينة تكريت، ونجحت وحدات المحور الشّمالي الغربي في منطقة الديوم بِمُهمّة المُدافعة ومنع التنظيم من الانسحاب باتّجاه جامعة تكريت وقاعدة سبايكر الجّويّة حيث كانت تتمركز وحدات من الجيش العراقي.
مع ازدياد الضّغط على "داعش" في تكريت بدأ التنظيم يتراجع باتّجاه مركز المدينة، ومع كلّ خطوة يتراجع فيها كان يزرع عبوة ناسفة أو يفخِّخ مبنى إلى أن أصبح عدد مقاتليه، كما تؤكد التقارير، بضع مئات من الانتحاريّين غير العراقيّين والمسلّحين بالقنّاصات والأسلحة الحديثة المُضادّة للدّروع، يتحصّنون خلف غابة من العبوات النّاسفة والألغام في مساحة لا تتعدّى 4 كلم مربّع في منطقة القصور الرئاسيّة المحصّنة والمُجهّزة أساساً لمقاومة قذائف الطيران والدّبّابات والمدفعيّة الثّقيلة، وقد تطوّرت مُقاومتهم ضدّ القوّات المُهاجمة فقاموا بتنفيذ أكثر من عشر عمليّات انتحاريّة بواسطة آليات هامر مُفخَّخة، كما عمدوا إلى احتجاز أكثر من 150 عائلة مدنيّة مُتّخذين منهم دروعاً بشريّة لمنع استهدافهم بالطّيران أو بالصّواريخ المُدمّرة وإزاء هذا الوضع عمدتْ قيادة الجيش العراقي إلى تجميد عمليّة تنفيذ الوثبة الأخيرة في مُهاجمة عناصر التّنظيم المُحاصرين في القصور الرئاسيّة وفي مبانٍ أخرى ريثما تتمّ إعادة تقدير الموقف العسكريّ والتّعامل مع المُعطيات الحسّاسة التي تفرضها طبيعة الحرب ضدّ عناصر "داعش" الذين يمثّلون حالة غريبة في القتال باعتمادهم على العمليّات الانتحاريّة أو باتّخاذهم المدنيّين كدروع بشريّة.
لاحقاً اتّخذ القرار بمُتابعة العمليّة حيث يتمّ الآن تشديد الخناق على المسلّحين داخل مركز تكريت، مع تنفيذ غارات مُركّزة على أماكن تواجدهم والأخذ بعين الاعتبار حماية المدنيّين، وذلك بالتّزامن أيضاً مع تنفيذ هجمات على كافّة الجيوب الإرهابيّة المُتواجدة في شرق الفلّوجة وجنوب شرق الرّمادي وغيرها بهدف استكمال السّيطرة على حزام أمن بغداد المذكور أعلاه حيث تدخل عمليّة تحرير تكريت كمرحلة أساس في ذلك.
27/5/150329
https://telegram.me/buratha