حمزة الخنسا
لا تسعف البيانات النارية لمجلس التعاون الخليجي، السعودية، ولا تعيد شيئاً من هيبتها أمام تسارع التطورات من حولها، خصوصاً في اليمن، بعد سوريا. اليمن السعيد تحوّل باباً يُدخل القلق الى قصور رجال الحكم الجديد في المملكة التي تعتنق الوهّابية مذهباً عقائدياً. الخيارات شبه معدومة أمام الملك سلمان وفريق عمله. إشراك الآخرين في تحمّل تبعات سياسات سلفه الراحل عبد الله، خطة مقبولة. الحديث يدور هنا حول حلف يجمع الدول السُنيّة في المنطقة الى جانب السعودية ودول الخليج العربية التي "تمون عليها".
الكلام عن قلق سعودي استراتيجي تزايد بعد انقلاب الأوضاع في اليمن، وتحوّل السيطرة في الحديقة الخلفية للمملكة الى "أنصار الله" وحلفائهم. لم تفلح الرياض وأتباعها اليمنيين في فرملة الاندفاعة الحوثية. حتى ورقة عبد ربه منصور هادي، باتت محروقة. جرى تهريب الرئيس المستقيل متنكراً بزيّ امرأة، وسط مجموعة من النساء المنقّبات، بغطاء من المبعوث الدولي جمال بن عمر. السعودية راهنت على تكوين سلطة حليفة لها في عدن بقيادة هادي.
اليمن.. فشل سعودي آخرجهود إنشاء سلطة في عدن وتحويلها الى عاصمة بديلة لليمن، ترافقت مع محاولات إغراء قادة جنوب اليمن، علي ناصر محمد، وعلي سالم البيض، لإعلان "دولة الجنوب" والانفصال عن اليمن. أرادت السعودية بذلك الضغط على الحوثيين، وتحميلهم مسؤولية تفتيت البلاد. لم تتجاوب العشائر الجنوبية، وكذلك فعل محمد والبيض، مع المحاولات السعودية التي قادها عبد ربه منصور هادي. أساساً، يُدرك الحوثيون أن الرهان السعودي على هادي كالرهان على "جمل" خاسر، وخيار السلطة البديلة في عدن غير قابل للحياة. الرهان الأساس يبقى على الجيش اليمني، لا على مناورات هادي التي يتمثل سقفها في الحصول على أوراق قوة تستخدمها السعودية في أية عملية تفاوضية لاحقاً.
السعودية..فشل وقلق ومذهبيةلم يكن ينقص المشهد من زاويته السعودية، سوى مناورات عسكرية مناوئة على حدود المملكة. في التوقيت، اختار الحوثيون صباح اليوم الذي كان وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي يجتمعون في العاصمة السعودية الرياض، ونفّذوا مناورات عسكرية استخدموا فيها جميع أنواع الأسلحة. المناورة العسكرية الحوثية الأولى من نوعها جرت في منطقة البقع بصعدة شمال اليمن قرب الحدود السعودية، وشاركت فيها قيادات من الجيش اليمني.
وضعت القيادة الحوثية تلك المناورات في خانة "الرسالة الواضحة بأن اللجان الشعبية لن تسمح بنجاح أية مؤامرات تهدّد مصلحة البلاد وتحاول جرّها إلى مربع العنف". رَدّْ مجلس التعاون الخليجي على المناورات، جاء على شاكلة القلق السعودي العام. كلاسيكياً، طمأن المجلس الى قدرته على مواجهة التحديات. عملياً، دعا المجلس حركة "أنصار الله" الحوثية الى المشاركة في مؤتمر الحوار اليمني في الرياض. رَفْض الحوثيين دعوة الرياض، وَضَعَ القيادة السعودية أمام مأزق جديد، وفوّت عليها فرصة محاولة "تطويع" الحركة الثائرة وامتصاص قوتها. قرأ الحوثيون اغتيال ممثلهم في مؤتمر الحوار عبد الكريم الخيواني، على أنه ردّ ورسالة من الجيران.
السعودية.. قلق وخيارات على ورقلا ترسل السعودية إشارات اعتراض وقلق الى الداخل اليمني وحسب. بل يفكر رجالات العهد الجديد في مملكة آل سعود بما يعتقدون أنه سيُعيد سيطرتهم على المنطقة ويثبتها لفترة طويلة. يُزعجهم "تعنّت" الحوثيين وتمسكهم بحقوقهم. القوة العسكرية ضد الحوثيين خيار ضروري بالنسبة للسعوديين، لكنه ملكف. التجارب السابقة تؤكد أن تكاليفه باهظة سياسياً وعسكرياً ومعنوياً، خصوصاً في هذه المرحلة. يُمكن للسعوديين تعديل الأفكار بما يناسب وضعهم وحجم الخطر الذي يستشعرونه.
الانفتاح السعودي على مصر كان ضمن أدوات تعديل مفهوم الخيار العسكري ضد الحوثيين . أنتج هذا الانفتاح حديثاً عن قوات ردع عربية بقيادة مصرية تدخل الى اليمن لإعادة الشرعية الى عبد ربه منصور هادي. حُدّدت مهمة هذه القوات بادئ الأمر في مناطق التوترات المنتشرة في غير بلد عربي. لكن نتيجة للخلاف على قيادة هذه القوة، وعدم رغبة السعوديين في تولي مصر قيادتها، انتهت الفكرة أدراج أحد القصور السعودية.
وضْع الجيش المصري ومدى استعداده لخوض مثل هذه التجربة، فيما تعاني مصر من إرهاب في قلبها وعلى حدودها، لم يمثّل أي رادع لدى دراسة الخطة. أكثر ما دَفَعَ الى غض النظر عنها هو مسألة قيادة قوة عربية كبيرة تضم في صفوفها وحدات من جيوش مصر والأردن والسعودية ودول خليجية أخرى.
اليوم، وفيما يجري الحقن المذهبي على قدم وساق عبر الإعلام العربي، وتوظّف العصبيات المذهبية والطائفية في أزمات سوريا والعراق واليمن، ولبنان بمستوى أخف، يدرس السعوديون والحلفاء توسيع فكرة قوات الردع العربية. الحديث هنا يدور عن "حلف سُنّي" يشمل الى السعودية دول خليجية أخرى على رأسها الإمارات، ومصر والأردن، تركيا وباكستان. تأمين اليمن وإعادته الى الحظيرة السعودية، أولى مهمات هذا الحلف، وحسب سير الأمور يمكن لكرته أن تتدحرج لتشمل العراق وسوريا.
لا تسير الأمور بسلاسة على خط تشكيل الحلف. الملك الأردني صاحب نظرية "الهلال الشيعي" من أبرز المتحمّسين للفكرة، ويبذل جهوداَ حثيثة لتحقيقها. لكن السعودية الضائعة في الهلال اليمني ـ العراقي ـ السوري، والواقعة تحت هاجس إنجاز الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني، لا تملك رؤية واضحة عمّا يمكن أن تكون عليه مهمة هذا الحلف ومبرر وجوده، فضلاً عن أنها غير مؤهّلة لقيادتها. القيادة هنا تستوجب مستلزمات مالية وسياسية وأمنية واقتصادية هائلة تفوق قدرة السعودية وحدها. بالمناسبة، فتحَ الحوثيون الخط الاقتصادي على مصراعيه بين اليمن وإيران. الأمر يشكل ضغطاً إضافياً على السعودية. يُكثر السعوديون من التفكير بالخطط وبدائلها، فيما المتغيّرات على الساحة الدولية والإقليمية تتحرّك بسرعة أكبر من حركة تفكيرهم.
28/5/150322
https://telegram.me/buratha