التقارير

فلسطين والثورة الإسلامية في إيران: محورية الهدف وفشل المشتّتات

1529 18:15:33 2015-02-12

محمود ريا

بعد مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على انطلاقتها، أين أصبحت الثورة الإسلامية في إيران، ماذا حققت، وإلى أين تسير؟

إن أسئلة بهذا الحجم تتطلب استعراض المسار الذي اختطته هذه الثورة منذ انطلاقتها النهائية عام 1978، وحتى انتصارها المؤزر عام 1979.

والقصد بـ "الانطلاقة النهائية" هو تلك الفترة التي تصاعدت فيها الأحداث منذ انطلاق التظاهرات الشعبية الحاشدة، وصولاً إلى عودة الإمام الخميني (قده) في أوائل شباط/ فبراير عام 1979، وإعلان الانتصار في الحادي عشر من الشهر نفسه. أما الثورة بكامل مسارها فهي أقدم من ذلك بكثير، حيث كانت انطلاقتها الأولى في العام 1963، حين نهض ذلك الرجل الرباني بمهمة إيقاظ الأمة الإسلامية، ابتداءً بالشعب الإيراني، ودفع ثمن تلك النهضة الكثير من العذاب والتشريد وحتى الأذى الذي تلقاه من أعتى قوة إمبراطورية شهدتها المنطقة، أي شاه إيران، الذي عوّد القوى الموجودة في ذلك الوقت على تسميته بـ "ملك الملوك".

لم يمرّ يوم دون أن تعاني هذه الثورة، ابتداءً من أعداء الداخل الذين كانوا يبذلون كل جهودهم لإفشالها، إلى الأعداء المستجدين من الانتهازيين الذين حاولوا مصادرة الثورة وحرفها عن مسارها، مستخدمين التفجيرات وعمليات اغتيال قادة الثورة ومنظّريها، وصولاً إلى أعداء الخارج، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي تلقّت ضربة قاصمة بالانتصار الذي حققه الشعب الإيراني على "وكيل الإدارات الأميركية" في منطقة الخليج.

ويبقى العدو الأكثر مرارة لهذه الثورة هو "إسرائيل"، الكيان الذي تراءى لقادته شبح انهيار حلمهم التلمودي مع قيام حراك إسلامي يضع القدس نصب عينيه، ولا يحيد عن هذا الهدف، مهما تكاثرت المشتّتات وتضافرت الجهود لحرف الزحف عن مساره وإلهائه بمعارك جانبية وعقبات عسكرية وسياسية واقتصادية، وحتى اجتماعية وثقافية.

لقد كان تحرير فلسطين، واستعادة القدس، وإزالة الرجس الصهيوني عن الأقصى هو الهمّ الأكبر لمفجّر الثورة الإسلامية، ومن أجل ذلك كان من أولى الخطوات التي قام بها بعد انتصار ثورته المباركة هو إعلان يوم القدس العالمي، مع ما يحمله هذا الإعلان من رمزية ومن تعبير عن الإصرار على تعبئة طاقات الأمة كلها باتجاه هذا الهدف الكبير.

ومع اندفاع الثورة في معالجة القضايا المصيرية التي اعترضتها، لم يكن موضوع القدس وفلسطين ليغيب عن ذهن قادتها، سواء خلال فترة وجود الإمام الخميني على رأس القيادة أو بعد ارتحاله للملكوت الأعلى، واستلام الإمام السيد علي الخامنئي زمام الأمور.

فلا الحرب التي فرضها النظام الصدّامي في العراق على إيران على مدى ثماني سنوات، ولا الحصار الاقتصادي الخانق الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة والعالم على الجمهورية الإسلامية، ولا القلاقل والاضطرابات التي حاول الأعداء إثارتها في الداخل الإيراني، دفعت القيادة على مدى العقود الماضية إلى التنازل عن الحلم الكبير، حلم تحرير فلسطين وإنقاذ الأقصى.

لقد فشلت كل الاستراتيجيات والسياسات التي اعتمدتها القوى المعادية في جعل الثورة الإسلامية تنسى فلسطين، فلا التهديد والوعيد نفع، ولا التلويح بمكاسب إقليمية وأدوار دولية أثمر، ولا الإيحاء بإمكانية التغاضي عن البرنامج النووي الإيراني دفع القيادة الإيرانية إلى اتخاذ طريق مختلف عن الطريق الذي التزمت به الثورة منذ انطلاقتها.

إن ما نشهده اليوم من تطورات على مستوى المنطقة ينطلق ـ في كثير من عناوينه ـ من هذا القرار الإيراني في العمل من أجل جعل موضوع تحرير فلسطين خياراً قابلاً للتحقق والإنجاز في مرحلة ما، وعدم وضع الشعوب العربية والإسلامية أمام أمر واقع اسمه بقاء "إسرائيل" في المنطقة إلى الأبد. وهنا بالضبط تكمن كل هذه الهجمة الأميركية الإسرائيلية الأوروبية " العربية" على إيران، وعلى الدول الحليفة لها، وعلى القوى الشعبية والجهادية التي تحمل فكر المقاومة الثابتة والراسخة للكيان الصهيوني ولجرائمه، ولوجوده من أساسه.

إن الصراع الذي تشهده منطقتنا كامن في هذه النقطة بالذات، ولا يمكن أن ينتهي إلا بنتيجة حاسمة، بين نجاح مشروع القوى الغربية في فرض بقاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وتمدده بكل الاتجاهات، وبين نجاح المشروع المقاوم في اقتلاع هذا الكيان الغاصب، مع ما يشكله هذا الكيان من رافعة للمشاريع الغربية الهادفة إلى تفتيت أمتنا والهيمنة عليها والقضاء على أي إمكانية للنهوض في المستقبل.

وانطلاقاً من هذه القاعدة يمكن تقدير مدى نجاح أو فشل الثورة الإسلامية في تحقيق ما عملت لأجله على مدى عقود.

إن ما نشهده اليوم من انتصارات لمحور المقاومة، في إيران وفي لبنان وفي فلسطين وفي سوريا والعراق وغيرها، ومن إحباط للمؤامرات الغربية الصهيونية التي تستهدف أمتنا، هو دليل على تقدم الثورة الإسلامية في طريق إنجاز المهمة التي تعهدت القيام بها.

ويبقى الأمل في تحقيق الانتصار النهائي، وهو أمل تعمل من أجل تحقيقه أجيال تربّت على أفكار الثورة الإسلامية وتغذّت من مبادئها واقتنعت بأحقية الأهداف التي وضعتها على رأس قائمة أولوياتها.

30/5/150212

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك