التقارير

مابعد داعش... المزيد من الشيء ذاته

1561 09:51:28 2015-01-26

عريب الرنتاوي

  يخطئ من يظن أن القضاء على تنظيم "داعش"، دولة وخلافة، سيُطفئ جبهات القتال المشتعلة على أكثر من جبهة ومحور في المنطقة بعامة، وفي سوريا والعراق بخاصة... ذلك أننا، وقبل أن نشرع في قتال التنظيم على نحو جدي، بدأنا نشهد إرهاصات معارك وحروب لاحقة، بين أطراف وقوى، يوحدها خطر التنظيم المشترك، ويفرقها إرث تاريخي – ديني – قومي ثقيل، متراكم وحافل بالخلافات.

الأكراد الذين وجودوا صعوبة في إخفاء مشاعر "الشماتة" بهزيمة الجيش العراقي في الموصول، لم يتواضعوا قليلاً إلا بعد أن اقترب داعش لمسافة عشرين كيلومتراً من عاصمة إقليميهم الناهضة، فأخذوا يطلقون صيحات الاستغاثة وطلب العون، وأبدوا "واقعية" في التعامل مع العاصمة المركزية، وانفتحوا على أشكال ومستويات معينة من التعاون بين المركز والإقليم.

لكنهم بعد فوزهم بأول جولة في الحرب مع داعش، وقبل أن تضع الحرب مع "دولة الخلافة" أوزارها بوقت طويل، أعلنوا نهاية "المادة 140" من الدستور العراقي، المتعلقة بمصير كركوك والمناطق المتنازع عليها، وحسموا الخلاف على هذه المناطق من جانب واحد، بل ولم يترددوا في القول، بأن البيشمركة منذورة فقط للدفاع عن الأراضي الكردية، وأنها لن تقاتل على أراضي "الغير"، لكأن بقية العراق، بات دولة أجنبية، لا يتعين اختراق سيادتها أو التفكير بنقل المعارك إلى أراضيها.

ما فعله الأكراد مع بقية العراقيين، يفعله اليوم الأزيديون مع الأكراد... فهذه الطائفة قليلة العدد، التي تعرضت لأبشع أشكال القتل الجماعي والتنكيل والاغتصاب والسبي، لاذت بالإقليم طلباً للعون والحماية، ما أن تقدمت جحافل الخليفة البغدادي إلى تخوم جبالها وأوديتها... ولكنها ما أن تمكنت بدعم البيشمركة والتحالف، من استعادة جبال سنجار، حتى أعلنتها منطقة أزيدية، ضاربة عرض الحائط بكل ما قدمته لها قيادة الإقليم وشعبها... ومثلما شكا الأكراد تاريخيا من محاولات "تعريبهم"، خرج علينا من بين الأزيديين من يتحدث عن مخاطر "تكريدهم".

مع يحدث في العراق، يحدث اليوم بصورة أو بأخرى في سوريا، قوات النظام ووحدات الحماية الشعبية الكردية، تخوض معارك طاحنة في منطقة الحسكة، تتساقط فيها أعداد من القتلى والجرحى، في حين يخوض الأكراد السوريين معارك عنيفة وعنيدة مع داعش في كوباني وغيرها، فيما قوات النظام، تواجه صعوبات جدية في صد هجمات قوات الخلافة على محاور عدة، في دير الزير ومطار أبو الظهور وغيرها... لكن يبدو أن كلا الفريقين المستهدفين بـ "داعش" فشلا في ضبط أعصابهما واستيعاب خلافاتها وقررا التساجل بالرصاص والمدافع.

لن نأتي على ذكر الكثير من خطوط التماس الطائفي والمذهبي والقومي في هذه المنطقة، واحتمالات انفجارها بعد التخلص من "التهديد المشترك" المتمثل في "داعش"، هذا إذا كان أمر الخلاص من هذا التنظيم ممكناً، أو ممكنا في المدى المنظور على أقل تقدير... لكن يبدو أن حدة "صراع الهويات" ودرجة الاستقطاب والتوتر التي تطبع العلاقة بين مختلف المكونات والكيانات السياسية والاجتماعية والثقافية، لم تعد من النوع القابل للاحتواء والتأجيل، فهي تنفجر في أول سانحة لها، وتتخذ أشكالاً سياسية وإعلامية، وأحياناً عسكرية مباشرة، وتنذر بأن مرحلة ما بعد داعش، قد لا تكون أحسن حالاً من المراحل التي سبقتها أو صاحبتها.

نحن سنظل إذاً، إمام "المزيد من الشيء ذاته"، فعملية التفكك والتفكيك التي تفاعلت على إيقاع الانقسام المذهبي العريض بين سنة وشيعة، تتفشى في هذه المجتمعات، وتُدخل إلى "ديناميكياتها" مختلف العناصر والمكونات الأولى لبلداننا ومجتمعاتنا، والأرجح أننا ما زلنا بعيدين عن رؤية "قعر الهاوية" الذي تهوي إليه المنطقة بأسرها، برغم كل الكوارث والنكبات التي ألمّت بها.

لقد أدى الإخفاق في إنجاز هدف المشروع القومي الأول: بناء "دولة الأمة" من المحيط إلى الخليج في خمسينات القرن الفائت وستيناته، إلى تكريس "الدولة القطرية" العربية، أو دول ما بعد الاستقلالات الوطنية وفقاً لدارج التعبير... بيد أن فشل هذه الدولة، في بناء علاقات صحيحة وغير مختلّة مع مواطنيها ومكوناتها، يقود اليوم إلى تقويض أسس هذه الدولة، ويتهدد بقاءها ووجودها كما هو حاصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومن قبل في السودان، والحبل على الجرار.

والمؤسف أنه لا يوجد هناك من يضمن أو ما يضمن، أن "دويلات المزق والشظايا" المتشكلة عن انهيار الدولة القطرية العربية، لن تواجه المزيد من التشظي والتمزق في قادمات الأيام، وفور أن يرفع عن عنقها، سيف الدولة المركزية والنظام القومي والحاكم المستبد... فجنوب السودان على سبيل المثال، يعيش منذ انفصاله عن الشمال، في مسلسل متصل الحلقات من الحروب الأهلية، وثمة في أربيل والسليمانية من ينبئك بأن الإقليم يحفظ وحدته وسلامه الأهلي طالما ظل جزءا من العراق، وأن استقلاله الكامل عن بغداد، قد يفضي إلى صراعات لا تحمد عقباها... وفي فلسطين، حيث لا انقسامات مذهبية أو قومية، وحيث الاحتلال هو عامل التوحيد الرئيس لشعب يرزح تحت نيره، أخفق الفلسطينيون في حفظ وحدة سلطتهم الهشمة، كما أن مرور الزمن يكرس تباعد جناحي الكيان الناشئ، وما ينطبق على هذه النماذج، ينطبق بقدر أو آخر، على أية نماذج أخرى، طالما أن "الإقصاء والتهميش والإخضاع" هو القانون الناظم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين أغلبية وأقلية، وبين مكونات متنوعة في اللغة والدين والعرق والمنشأ.

17/5/150126

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك