ما الذي حقّقه التحالف الدولي بقيادة الولايات الأميركية المتحدة بعد نحو خمسة أشهر على تنفيذ الضربات الجويّة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، وبعد أكثر من 1300 غارة غالبيتها بواسطة طائرات أميركية، وصرف المبالغ المالية الطائلة على هذه الغارات الجوية بهدف القضاء على «داعش»؟!
حتى الآن لا يمكن الحديث عن نجاح حقّقه التحالف، بل إنّ الدفّة تميل الى ناحية الفشل، والفشل الذريع أيضاً، يقول مصدر ديبلوماسي، فعندما بدأت الولايات المتحدة تُهدّد «داعش» بتنفيذها هذه الضربات، كان الوضع أفضل عليه ممّا هو اليوم، لأنّ التنظيم كان يخشى فعلاً من هذه التهديدات، رغم اتخاذه التدابير اللازمة بعد أن أُعطي الوقت الكافي لذلك، لأنّه كان يعتقد أنّ نتائجها ستكون كارثية عليه. لكن مع بدء تنفيذ الضربات وعدم تحقيق الغاية المنشودة منها، بات التنظيم يستخفّ بها، وقد أظهر استخفافه هذا على لسان الرهينة البريطاني جون كانتلي في الفيديو الأخير الذي صوّره وهو يقوم بجولة في الموصل، عندما نظر الى إحدى الطائرات الحربية للتحالف الدولي وراح يصرخ: «هي عديمة الجدوى، عديمة الجدوى بلا شكّ»!!
صحيح أنّ التحالف لا يتوانى عن تنفيذ الغارات الجويّة على مواقع تنظيم «داعش» ويصيب مواقع تجميع النفط والأسلحة، غير أنّ ما يقوم به، بحسب المصدر نفسه لا يبدو جديّاً، لأنّه لم يؤثّر سلباً على وجود عناصره في العراق وسوريا واستمرارهم بشنّ المعارك، والمزيد من التهديدات، الأمر الذي يؤكّد فشل التحالف في القضاء على «داعش»، أو عدم نيّته الفعلية في القضاء عليه.
وفي المحصّلة أنّ الولايات المتحدة باتت تملك فائضاً من النفط يؤكد المصدر الديبلوماسي بعد هجومها الجوّي على «داعش»، ولهذا تدنّى سعره عالمياً بشكل كبير، ولكن السؤال: الى متى سيستمرّ هذا الإنخفاض في ثمن برميل النفط، وألن يعود الى الإرتفاع بعد استهلاك الكمية المتوفّرة والتي تقوم بشرائها من التنظيمات نفسها؟! فالحرب على «داعش» وسواه من التنظيمات الإرهابية، هي حرب إقتصادية بالدرجة الأولى، ولا تبدو الولايات المتحدة والدول الحليفة لها التي خلقت هذه التنظيمات بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، أنّها تريد فعلاً التخلّص منها، بل تأمين مصالحها الإقتصادية في المنطقة والعالم، ولهذا نجدها تُفشّل التحالف على حساب تحقيق الأرباح وشراء النفط بأرخص سعر ممكن.
أمّا أن تقوم الضربات بالتخلّص من العناصر الإرهابية التي تُهدّد دول المنطقة بما فيها لبنان حيث تسعى الى توتير المناطق الحدودية مع سوريا بعد تسلّلها من هناك، فيأتي هذا الأمر في آخر اهتمامات دول التحالف، على ما يؤكّد المصدر نفسه، لأنّ بقاء هؤلاء يخدم مصالحها الاقتصادية أكثر من عدم وجودهم، رغم أنّ هذه الأخيرة تخشى من ارتداد بعض العناصر الإرهابية على دولها، على غرار ما حصل أخيراً من هجوم مسلّح على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة الأسبوعية في باريس لنشرها رسوم مسيئة للرسول، ما أدّى الى مقتل 10 أشخاص.
وبدلاً من أن تؤدّي غارات التحالف الى القضاء على عناصر التنظيمات المتطرّفة، فقد أسفرت أخيراً عن وقوع ضحايا مدنيين، الأمر الذي أربك القيادة الأميركية ودفعها الى القيام بالتحقيقات الميدانية رغم نفيها لهذا الأمر كونها ترفض حصوله لكي لا تُتهم الولايات المتحدة بتنفيذ ضربات غير مدروسة. لكن إذا كان هذا الأمر قد حصل فعلاً، فهو يدلّ، بحسب المصدر، على نوع من الإهمال في قصف المواقع الفعلية للتنظيم.
وإذا كانت الدول المنضوية في التحالف والتي تشنّ الضربات في العراق أي كلا من الولايات المتحدة وأستراليا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، أو في سوريا أي الولايات المتحدة أيضاً والبحرين والأردن والسعودية والإمارات، لا تزال مؤمنة بما تقوم به، إلاّ أنّ التحالف بدأ يُواجه الإنتقادات يؤكد المصدر الديبلوماسي لعدم جدوى ضرباته، إذ وجّهت الحكومة العراقية ولأول مرة منذ بدء التحالف الإنتقادات لتوجيه الضربات في الكثير من المحافظات العراقية لا سيما محافظة الأنبار المترامية الأطراف، بأنّها «لم تكن بالمستوى المتوقّع قياساً بعدد الدول المشاركة وما تمتلكه من قدرات عسكرية». الأمر الذي يؤكّد، على ما يُضيف المصدر، على أنّ دول التحالف غير مهتمة بالقضاء على «داعش» ولا حتى بالفشل الذي تُمنى به يوماً بعد يوم، أمام تنظيم «داعش»، الذي لا يضمّ سوى آلاف العناصر.
أمّا على صعيد التسليح والتدريب الأميركي لوحدات من الجيش العراقي، ولوحدات سورية من جهة أخرى، الى جانب تقديم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني لمواجهة «داعش»، فيقول المصدر بأنّها ليست سوى «ضحك على الذقون»، لا سيما وأنّ الولايات المتحدة نفسها هي التي تقوم بمساعدة «داعش» على صعيد تأمين المؤن اليه. كما أنّها هي نفسها التي وقفت في وجه نظام صدّام حسين عندما أرادت تفكيك دولته بهدف الإستيلاء على آبار النفط العراقية، كما توعّدت بضرب نظام الأسد جوياً، وهي اليوم تغازل لبنان الموعود بثروة نفطية لا بأس بها.
وإذ يجد البعض أنّه من الإجحاف اتهام الولايات المتحدة بالتعاطي الإيجابي مع «داعش»، وعدم تكثيف الضربات الموجعة ضدّه، يحاول التأكيد أنّ التحالف تمكّن من استهداف تجمّعات عدّة للتنظيم ومعسكراته ومخازن تموينه ما أثرّ عليه كثيراً. أمّا الأيام المقبلة فستكون كفيلة بإظهار نيّة التحالف الفعلية في القضاء على التنظيم لا سيما بعد حصوله على خرائط دقيقة تتعلّق بمواقعه الرئيسية، الأمر الذي يجعله يعدّ لضربات جويّة متلاحقة وذكية، على ما ذكرت المعلومات.
يبقى القول إنّ الولايات المتحدة لا تزال تضرب ضربة على الحافر وأخرى على المسمار على حد قول مصدر ديبلوماسي لكي تلمس أخيراً على أي قاعدة عليها أن ترسو، وتستمرّ في هذا الوقت بتقديم المساعدات للقوات المستعدّة بمواجهة «داعش» على الأرض، ولا سيما الجيوش العراقية والسورية واللبنانية، علّها تتمكّن من تخفيف بعض الضغوطات عن التحالف الدولي.
https://telegram.me/buratha