محمد محمود مرتضى
لم يكن الحلف الذي عقد بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود بن محمد بن آل مقرن حلفاً عاديا، او فلنقل لم يكن يتصور أحد أنه سيغير وجه المنطقة في يوم من الأيام. فالحلف الذي انطلق وكان اقصى ما يطمح اليه هو نشر التعاليم الوهابية في مناطق نجد والحجاز، تحول بفضل الثروات النفطية الهائلة الى مدارس ممولة ومنتشرة في معظم أرجاء العالم الاسلامي.
فعندما خرج محمد بن عبد الوهاب من مسقط رأسه العيينة طريداً قاصداً الدرعية كان يطمح لمأوى يؤويه، ربما لم يكن هو نفسه يتوقع أن تحالفه مع ابن سعود سوف يترك ذلك الاثر الكبير خارج الجزيرة العربية. ووفق المصادر الوهابية فان «الامير» ابن سعود قد اشترط عليه شرطين: الاول: ان لا يرجع عن مناصرته اذا نشر دعوته وتمكن من البلاد.
الثاني : ان لا يمنع عنه الخراج الذي ضربه على اهل الدرعية وقت الثمار. فقيل ان ابن عبد الوهاب قال له : « أما الأول : فالدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثاني فلعل الله يفتح عليك الفتوحات وتنال الغنائم ما يغنيك عن الخراج»( كتاب : محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الاخلاقية وثناء العلماء عليه، أمر بطباعته الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1390ه).
اذن ومنذ بداية «الدعوة» فان الاغارة على ما هو خارج الدرعية هو فتوحات، وكل ما تقع عليه ايديهم هو غنائم.
الاكتشافات النفطية وانطلاق الوهابية خارج الجزيرةوعلى اي حال فرغم الغارات التي شنها هذا التحالف على بعض المناطق العراقية لا سيما كربلاء فان تطلعاتهم التوسعية لم تتعد الجزيرة العربية، ثم جاءت اتفاقية دارين عام 1915 بين آل سعود وبريطانيا لتضع الدولة السعودية تحت الحماية البريطانية من جهة ولتحدد لهذه الدولة الناشئة حدودا لا تتعداها خصوصا لناحية الممالك الخليجية الاخرى التي تقع بدورها تحت الحماية البريطانية ايضا.
وفي منتصف القرن الماضي حصلت الاكتشافات النفطية التي جعلت المملكة السعودية من اغنى دول العالم. اكتشافات أعطت الوهابية أداة لتنشر فكرها في العالم الاسلامي لا سيما عبر انشاء مدارس دينية ونشر دعاتها.
ان هي الا سنوات حتى دخل هذا الفكر الوهابي كأداة في الحرب الباردة لمحاربة المد الشيوعي والاتحاد السوفياتي، ما انتج تنظيم «القاعدة» او ما سمي « السلفية الجهادية العالمية»، لتتوالى بعدها الاحداث، وليصبح لتنظيم القاعدة « اخوات وابناء» حتى وصلنا الى النسخة «الداعشية» وكل حركات التكفير.
لقد قيل الكثير عن دور الفكر الوهابي في نشوء هذا التكفير، كما قيل الكثير عن ان محاربة هذه الحركات عسكريا وامنيا غير كاف ما لم يصاحبه عمل فكري وثقافي على هذه الافكار.
محاربة الفكر الوهابي ممكنة... ولكنومرة جديدة يبرز دور المملكة من حيث كونها مصدرا لهذا الفكر، فمحاربة التكفير تكاد تكون مستحيلة من دون المملكة، فهل تستطيع المملكة فعلاً لعب هذا الدور؟! هل تستطيع السعودية الخروج من العباءة الوهابية والتنصل من الحلف الذي قام بالدم والهدم؟؟
لا تصعب محاربة العقيدة الوهابية في دولة اعتادت التنوع وعرف اهلها تعدد المذاهب فانتشرت فيها مثلا الشافعية والمالكية والحنفية .
ولكن في الحالة السعودية فاننا امام اجيال لم تعرف من الاسلام الا النظرة الوهابية التي تعتبر نفسها الاسلام اما غيرها فاصحاب بدع واهل شرك.
فتعليم العقيدة الوهابية لا يقتصر في المملكة على المدارس الدينية وحسب بل يدخل في صلب التعليم الديني في المدارس المدنية.
لقد اجتُثت ومنذ عشرات السنين في المملكة جميع المذاهب الاخرى بوصفها مذاهب تحمل الكثير من افكار الشرك ومن مظاهر الجاهلية.
وامام هذا الواقع يعاد طرح السؤال المركزي مرة اخرى : هل يمكن للمملكة السعودية، مع توفر النية الجدية، محاربة الفكر الوهابي التكفيري؟
بتعبير آخر هل يمكن رؤية مملكة عربية سعودية بلا وهابية؟؟!
الوهابية وآل سعود..زواج ابديلا شك أن أنصار تنظيم القاعدة وداعش في المملكة هم اكبر بكثير من بضع شبكات تكتشفها السلطات الامنية لا سيما مع عدم وجود فروقات جوهرية عقدية بين الفكرين ( الوهابي والحركات التكفيرية) حيث تنحصر الفروقات الى حد ما بين « سلفية جهادية عالمية» تكفر الانظمة العربية الحاكمة ومنها المملكة، وبين مؤسسة وهابية رسمية قائمة ترى ضرورة استمرار الحلف المعقود منذ قرنين ونيف من الزمن بينها وبين آل سعود طالما ان هذا الحلف يؤمن لها الاستمرار والدعم والاحتفاظ بالامتيازات الهائلة. فهل ستبقى المؤسسة الوهابية ترى ضرورة بقاء هذا الحلف فيما لو قرر آل سعود بالفعل محاربة الوهابية؟؟!
تمثل الوهابية بالنسبة لآل سعود شريان حياة وبقاء لانها تضفي عليهم الشرعية الدينية بوصفهم «ولاة أمر» لا يجوز القيام عليهم او الاطاحة بهم، فيما يمثل آل سعود بالنسبة للوهابية بقاء دولة وحكم هو بنظرهم الاسلام النقي الخالي من البدع والشرك اضافة الى تدفق كبير لاموال تمول مدارسهم وتغذي طموحاتهم في نشر هذا الفكر حول العالم.
وبالمحصلة، كلّ منهما يمثل شريان حياة للآخر وزواجا ابديا لا يصلح فيه الطلاق.
بهذا المعنى فان اي محاولة طلاق بين الوهابية وآل سعود هي انتهاء للملكة كما نعرفها، اعني كدولة تنعم بالامن والرخاء والوحدة.
والنتيجة : واهم من يظن اننا يمكن ان نرى مملكة عربية سعودية بلا وهابية. وربما العكس صحيح ايضا اي ان نرى وهابية بلا مملكة عربية سعودية.
12/5/150108
https://telegram.me/buratha