إيهاب زكي
من خلال بادرة موسكو الحوارية ومبادرة ديمستورا الأمريكية، والائتلاف وبحرته يُجريان المشاورات والمناكفات كتعبيرٍ عن عضٍ متقدم لأصابع الندم، على بيع البلاد والعباد وتدمير الوطن مقابل سهرة حمراء على حساب النفط، والفصائل "المعتدلة" في ميدان العار تتوحد وتتحد في سبيل مواجهة الإرهاب "داعش" حصراً، وحتى محمد رحال-مين محمد رحال- المعارض السوري يتهم قطر وتركيا بدعم وتمويل الإرهاب منذ اللحظات الأولى لما يسمى بالثورة السورية، وشن هجوماً لاذعاً على الإخوان المسلمين، وهنا تطغى رائحة النفط السعودي على رائحة الغاز القطري، فيبدو أنّ تميم أقل كرماً من أبيه، فيتفلت منه الخلان والسمراء والندماء لصالح سهرات الأكثر كرماً أبومتعب.
والأمريكيون والأوربيون أصبحوا أكثر زهداً في إسقاط "النظام" وأشد مقتاً لهوجائيتهم الجاهلة ورعونتهم الراغبة بإسقاط الرئيس الأسد، والسعوديون والقطريون علموا ألا مناص من تغيير نهجهم الهمجي والتدميري، وأنّ سوريا بلدٌ شقيق وابن شقيق، والأردن عرف أنّ سلامته في سلامة سوريا، ولا حياة له في موتها، ومصر تأخذ بزمام أمرها كما في الستينات، وتعود قطباً دولياً يجلس على طاولة رسم الخرائط الدولية، والصينيون والروس والإيرانيون يحاولون توحيد ما يسمى بالمعارضة السورية مقابل انتزاع تنازلاتٍ من "النظام" للنجاة بالسفينة السورية إلى بر الأمان، فيما تبقى تركيا الأردوغانية هي العقدة الوحيدة التي تقف في طريق منشار "الحنية"، وأنّ أردوغان الخبيث يتآمر على عصر "الحنية"، من خلال الإصرار على دعم الإرهاب المعتدل واللامعتدل، فيما يتطلب منه عصر الحنية دعم الإرهاب المعتدل فقط، وحتى قضية الطيار الأردني المخطتف لدى "داعش" لا تبتعد كثيراً عن إكمال اللبنة الأخيرة في تدشين عصر الحنية، فلا ينفك أهله مناشدة "إخوةٍ كرام" على حد قولهم، بمعاملته حسب أصول الضيافة العربية، وحتى حكومة أبوحسين أجادت لعب دور الضحية المحتاجة للحنية.
كل ما سبق هو عبارة عن انطباعات أولية لكنها مترسخة لكل من يتابع النغمة الإعلامية في هذه الأوقات، لكنها في الوقت ذاته انطباعات لا تساوي حبراً أو ورقاً لتُكتب، وهي أشبه بالقصائد الإخبارية، حيث أنه في عصر السادات كانت الحاجة ماسّة لتشريع الانفتاح وتعرية فوائده، فكان الشعراء يقرأون عناوين الصحف في الصباح عن إنجازات الانفتاح، وينظمون قصائدهم في المساء بناءً على تلك العناوين، واليوم لا أحد يتذكر تلك القصائد ولا حتى أصحابها، فيما لا أحد إلا ويذكر البيت وقائله مظفر النواب، "شارك في الحل السلمي قليلاً، أولاد ... كيف قليلٌ، نصف لواطٍ يعني"، لا يمكن لأحدٍ في هذا الكون إقناع ولو طفل سوري بأنّ الشياطين في أمريكا وأوروبا عادت لرشدها الملائكي، أو أنّ الإمعات فيما يُسمى بالمعارضة السورية أصبحوا سادة تليق بهم القيادة، أو أنّ رعاة الإبل صقلتهم التجربة ليصبحوا ساسة شعوبٍ ودولٍ وتسويات، أو أنّ القتلة والفعلة السفلة باتوا أصحاب مشروع سوري للحرية والعدالة، وأنهم وحدوا البندقية لمواجهة إرهاب أنفسهم، وبالمناسبة هم ليسوا إرهابيين، هم يمارسون عملاً استرزاقياً بغض النظر عن ماهيته، لأنّ ما في تجاويف أدمغتهم لا يحتمل هذه التوصيفات القانونية أو السياسية، فأعقلهم يظن أنّ وظيفة حمل السلاح أكثر ريعاً من سرقة حبل الغسيل.
أما الدولة السورية فهي لا تمارس فعل الندامة على شرفٍ تفردت به بمقاومة كل بغاة الأرض، من خلال تقديم التنازلات، وإن كان لا بد من ندمٍ فعلى أنش صدرها كان أكثر سعةً من السحق منذ اللحظة الأولى، ويكون التعبير عنه من خلال تفعيل قانون قسوة الدولة، فالدولة لا قلب لها، بل عقل قد يرى في الدمار مواداً خاماً صالحة لإعادة التدوير واستخدامها لإعادة البناء، ولن أسلم عقلي لم يريد مني استيعاب معاذ الخطيب أو أشباهه رئيساً لحكومة وفاق، وأن هذا ضريبة مستحقة لدخول عصر الحنية ووقف نزيف الدم، بعد أن يسلّم الجميع سلاحهم يحق للدولة أن تمارس حقوقها بطريقة دخولها لذاك العصر، فتسجنهم أو تعدمهم أو تسوي أوضاعهم أو تعيد تربيتهم، فهذا يعود لها حصراً، وأما قبل ذلك فلا قوانين ولا عصور إلا قانون السحق وعصر الدعس للجيش العربي السوري، وبالمناسبة أيضاً فهذا لا يتنافى مع مرونة شق الدولة السياسي، فحزم الميدان مع مرونة الطاولات سيتمخض عن عصر دولي جديد بتوقيع سوري، بعيداً عن عصر الحنية الزائف.
https://telegram.me/buratha