محمد الحسن
مازالت قضيتنا إقليم, سواء كان بتسعة محافظات أو عشرة, أو تعديل الحدود وإلغاء محافظات إستحدثها النظام البائد. قضية ومشروع, نعتقد به حلاً جذرياً لمشاكل العراق. كان الطرح في البداية يتضمن فيدرالية صريحة؛ بمعنى (فيدرالية المكونات) شيعة, كورد, سنة. ونتيجة لمصالح مجاميع بعثية وغير بعثة وتعارضها مع من تبنى (فيدرالية الوسط والجنوب) قاموا بإسقاط المشروع ونسفه, والغريب إنّ أغلب من عارض فيدرالية الوسط والجنوب كان يتحجج بأعذار واهية لا تتقاطع مع الأصل, أحدهم كان يقول: نريد فيدرالية خاصة للجنوب لإنّ جمع الوسط بالجنوب (طائفية)!..الثاني يقول: فيدرالية محافظات, والثالث يقول: الوقت لا يسمح..المهم المشروع السابق إنتهى عملياً, لكنّه بقيّ في الدستور كمبدأ أساسي, يعطي الحق لمحافظة أو أكثر أن تجتمع وتكوّن إقليماً.
البصرة, ونتيجة لشعورها بالمظلومية من جهة, ولإمتلاكها مقومات إقتصادية وجغرافية وسكانية من جهة ثانية؛ طالبت بالإقليم, وهو حق دستوري لا يمكن إخضاعه للتخوين أو (التصهين)..!
عرفت البصرة على مدار تاريخ العراق المعاصر, بإنها نقطة البداية, أو الرفض..أول حالة معارضة مسلحة إنطلقت من أهوار البصرة, شرارة الإنتفاضة الشعبانية قُدحت في البصرة, سقوط نظام البعث الحيواني بدأ من البصرة, والفترة القصيرة التي تحقق بها أمن نسبي بالعراق بدأ أيضاً من البصرة (صولة الفرسان). بمعنى إنّ من البصرة تبدأ إحداث التغيير, وهذه المرة التغيير يشمل إعادة صياغة الدولة العراقية؛ فلو أُقرّت فيدرالية البصرة, سيبدأ تغيير أكبر. إذن فهو الحلم الذي ينتظره الجميع, لكنّ هناك جوانب مخيفة يجب أخذها بالإعتبار عند الحديث عن أقلمة البصرة, وهذه الجوانب لا تتعلق بأحداث منطقة أو مخاوف من تمزّق بلد؛ غير أن الواقع البصري يفرضها, ومنها:
1- الجانب العشائري: أخطر ظاهرة مستفحلة في البصرة هي ظاهرة النزاعات العشائري, ومن السهل على أي عشيرة (مايعجبها الوضع أو تنازع عشيرة ثانية) تقطع الطرق وتعبث بالأمن, وهذه الظاهرة لا تتعلق بتركيبة الدولة؛ إنما هي حالة إجتماعية. المنظومة الأمنية المحلية فشلت إلى حد بعيد في فرض الأمن, وعندما ضعف تواجد الجيش الإتحادي في المحافظة نتيجة الحرب, إزدادت هذه الظاهرة. والسبب هو إنّ رجل الشرطة, الفرد أو المنظومة, مهدد عشائرياً لو قام بإداء واجبه بصورة صحيحة. والسؤال هنا: ماذا سيغيّر إقليم البصرة من هذا الوضع المعقد؟ قد تكون الإجابة, عند إصلاح الوضع الإقتصادي ستنصلح الأوضاع الإجتماعية, لكن ليس من السهل والسرعة إصلاح الإقتصاد أو تبديل عادات المجتمع.
2- الجانب السياسي: المجمتع العراقي في الوسط والجنوب يرتبط بجذر واحد, ويتطابق في كل شيء, وبالتالي فإنّ الأحزاب الموجودة في بغداد أو كربلاء أو السماوة, هي ذاتها التي تتواجد في البصرة. هذه الأحزاب تمثّل حقيقة لا يمكن إغفالها, إذ تشكّل نسبة كبيرة من السكان, حتى وإن تعاطى جماهير تلك الأحزاب في البصرة مع مع الأقلمة, لكن تبقى الإختلافات عنصراً أساسياً في الحراك السياسي ضمن المحافظة, وبما إنّ مركزية بغداد الحزبية حالة قائمة؛ فإنّ قرار بغداد هو السائد في (إقليم البصرة) وهذا يؤدي إلى إفراع الإقليم من مضمونه وتحوّله إلى حالة شكلية.
3- الإقليم مشروع
على ماذا إرتكزّت الدعوة إلى إقامة الإقليم في الوقت الحاضر؟
هذا السؤال مهم, ويجب تصحيح النظرة التي سنجدها في الإجابة..مشروع إقليم البصرة موجود منذ فترة طويلة, لكن بعد ظاهر داعش, وحراك سني مطالب بإقليم وإنسجام هذا الحراك مع داعش, صار البحث عن فدرالية شيعية أكثر منطقية, ولم يعد هناك تأييداً لإي تجزأة لهذا الإقليم. فجأة تجددت الدعوات إلى إقليم البصرة. ولو ركزّنا لوجدنا إنها جائت كرد فعل على مكتسبات إقليم كوردستان أو مطالبهم وخصوصيتهم. إنّ إقليم كردستان يمثّل قضية وصلت إلى مراكز القرار العالمية, وهو يقوم على مكوّن وليس محافظة, إضافة إلى إن كوردستان هي إقليم مستقل منذ أكثر من 25 سنة.
الدعوة إلى إقليم البصرة يجب أن ترتكز على مشروع واضح المعالم لا ردة فعل, وقد يواجه هذا الرأي بإن المشروع هو (تحسين واقع البصرة الإقتصادي), لكن تجدد الدعوة ليس لهذا السبب؛ إنما هي فورة, ونأمل أن تتحوّل إلى ثورة لتكوين مشروع ناجح.
4- شكل العلاقة بين بغداد وإقليم البصرة..
لو تحوّلت البصرة إلى إقليم, فهذا يعني إنّ ما لكوردستان للبصرة وأي تباين ستكون له آثار سلبية وخطيرة, بل سينسف الدولة. كوردستان قوتها بالإقليم, والإقليم له مقومات, إهمها الإنسجام الداخلي. المكون الكوردي يعيش في كورستان, وممثليهم في بغداد جذورهم هناك, ولا يوجد لهم تمثيل في بغداد, وعندما يطالبون فهم ينطلقون من موقف واحد يمثّل وحدة الشعب الكوردي. في حالة البصرة فإنّ أعضاء البرلمان, كلهم يعبرون عن بغداد ولا يخرجون عن طوعها..هذه الحقيقة..فالبصرة لا يمكن أن يجتمع رأيها طالما المحرّك هو بغداد, ومن الممكن جداً أن تكون حكومة (إقليم البصرة) محصورة بين نفس المكونات السياسية الحالية. وهنا يحدث تناقض بين تعامل المركز مع كوردستان من جهة ومع البصرة من جهة ثانية, الأمر الذي يقود إلى إختلال في موازين القوى؛ حيث إقليم قوي (كوردستان) وآخر ضعيف غير مؤثّر (البصرة).
الحل:
لتلافي المشكلة العراقية, على بقية المحافظات, سيما الوسطى والجنوبية, الإنضمام إلى مشروع البصرة (الفدّرلة) والمطالبة الجادة والسريعة بإقرار إقليم شيعي قوي.
أما مظلومية البصرة, وإذا كان الخيار الوحيد لنا (كشعب بصري) هو إقليم مستقل لا يشاركنا به أحد, علينا في البداية أن نتخلّص من تلك المخاوف ونزيلها, ثم نشّرع بالخطوات اللاحقة, ولا يتحقق الحلم دون ذلك.
ملاحظة/ أمنيتي الشخصية وحلمي الكبير هو تحوّل البصرة إلى إقليم ورؤية هذا العلم يرفرف فوق سماء فيحائنا.
21/5/141217
https://telegram.me/buratha