علي آل غراش كاتب واعلامي من أحرار مهلكة آل سعود
شهدت الأحساء وبالخصوص قرية الدالوة في ليلة العاشر من محرم 2014 م عملية إجرامية دموية إرهابية عبر استهداف حسينية المصطفى بإطلاق النار على الشيعة بشكل عشوائي مما أدى إلى سقوط 8 شهداء والعشرات من الجرحى، وترويع الأهالي...، في عملية الهدف منها اشعال حرب طائفية، فكان رد الأهالي المفجوعين والشيعة في الاحساء والوطن: لا للحرب الطائفية، نعم للتعايش السلمي الحقيقي، لا للتحريض الرسمي والشعبي، إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه).
هذه الحادثة الإجرامية مرفوضة من جميع الشرفاء في الوطن كل الفئات والاطياف المحبة للتعايش والتسامح والاعتراف بالاخر، والمجتمع الأحسائي أصيل متسامح يرفض العنف والتخريب والتطاول على دور العبادة، وما حدث يتطلب وقفة من الأهالي لتكريس الأخوة الصادقة والمحبة وروح التسامح بشكل عملي عبر رفض ما يسبب إثارة الطائفية البغيضة والتحريض مثل المناهج الدراسية ومنابر المساجد وغيرها في مؤسسات الدولة، وتجريم من يقوم بذلك.
المواطنون الشيعة ومن خلال التشييع المهيب بمشاركة نحو ربع مليون قدموا رسالة الولاء للوطن وتكريس الحب والتعايش والتعددية، ورفض التكفير والتحريض الرسمي ومطالبة بتجريم الجهات المسؤولة عن صناعة الفكر التكفيري والإرهابي.
هل يوجد في السعودية تعايش سلمي حقيقي قائم على التعددية الفكرية والمذهبية واحترام الرأي والرأي الاخر، اي هل كل فئة وجماعة تمارس حريتها، أم التعايش المقصود هو ان تتنازل كل فئة عن خصوصيتها وأفكارها لتسيطر فئة محددة على المشهد، باسم المحافظة على التعايش السلمي. وهل ذلك التنازل يمثل تعايش سلمي حقيقي أم العكس؟.
شرق الوطن " وبالتحديد الاحساء" يشكل أفضل أنموذجاً للتعايش السلمي في المملكة كما يقال، حيث يوجد فيها كافة المدارس المذهبية الاسلامية، وفيها تنوع فكري، ويوجد فيها كثافة سكانية من الشيعة، بالاضافة إلى السنة من كل المذاهب: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي.
الأحساء أرض جاذبة منذ القديم لأنها أرض خير، فهي سلة أقتصادية عامرة في الفترة التي سبقت أكتشاف النفط حيث تشكل أكبر واحة زراعية في الجزيرة العربية، وتطل على ساحل بحر الخليج، وحافظت على مكانتها عبر اكتشاف النفط ففيها يقع أكبر حقل في العالم (حقل غوار) ويقع في الأحساء والكثير من الآبار في حرض والعثمانية وخريص وشدقم...، ومنطقة شيبة التابعة للاحساء إداريا، والأهم من ذلك طبيعة أهل الاحساء أهل الساحل الشرقي في الجزيرة، فهم يرحبون بالاخرين ويفتحون قلوبهم قبل بيوتهم لمن يأتي إليهم، ويحترمون عقيدة وفكر الاخر، اي ليس لديهم تعصب أو كراهية..، ولهذا السبب أستقر العديد في هذه المنطقة وعاشوا فيها بلا تفريق.
· التعددية والتهميش
الأحساء منارة للعلم والثقافة والاداب، وعلم الشريعة، ففي الاحساء مدارس لكافة المذاهب، وحافظت الاحساء على هذا التنوع رغم التحديات الصعبة، ومنها تعرض كافة المدارس للتهميش كالصوفية والشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية التي خارج إدارة السلطة، وذلك بسبب محاولة السلطة فرض مذهب أو فكر محدد على كافة المدارس وهو فكر مدرسة محمد بن عبدالوهاب التي تسمى الوهابية، فمع تبني رأس السلطة ذلك الفكر خسرت البلد والمنطقة روح التعددية.
والطامة الكبرى كانت عبر محاربة الفكر الشيعي، وتكفير أتباعه من خلال المناهج التعليمية والمنابر، وعدم احترام المذهب الشيعي بشكل عملي، ومنع دخول الكتب الشيعية وعدم السماح للمدارس الشيعية بالانتشار كحق وطني!!.
منذ الثمانينات من القرن الماضي وإلى الآن والوطن والمنطقة تشهد ازمات واحتقان استطاع العقلاء منع الانفجار، ومازال الخطر قائما مع تزايد حالة الطائفية البغيضة في المنطقة مما تهدد بانفجار كبير.
هل في السعودية عامة وفي شرق الوطن والاحساء بالخصوص تعايش سلمي حقيقي أم مجرد كلام ومجاملات وامنيات؟.
نعم نتمنى ان تكون بلادنا والاحساء أفضل نموذج حقيقي وعملي على ارض الواقع، ربما هذا الواقع الموجود حاليا يمثل افضل نموذج تعايش متاح في الوطن، ولكنه نموذج ناقص .. يحتاج إلى دعم وتعاون من أهل الاحساء كافة، عبر احترام التعددية والرأي الاخر وثقافة الاخر والسماح لكل فئة ممارسة ما تؤمن به بحرية، لنجد حراكا مؤثرا لكافة المدارس الأمامية الجعفرية الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والصوفية والسلفية والمدارس التنويرية ..، وتتويج ذلك بالمشاركة.
· غضب أحسائي
الاحساء شهدت مظاهرات كبيرة وبالخصوص في يوم 4 مارس 2011م. - ومازال الحراك مستمرا في المنطقة وبالتحديد في القطيف - للمطالبة بالحقوق وتطبيق العدالة والمساواة بين المواطنين والافراج عن المعتقلين ومنهم الداعية الحقوقي البطل القائد الناشط الشيخ توفيق العامر.
نعم للتعايش السلمي، المبني على العدالة والتعددية وممارسة الحرية الفكرية لجميع المدارس، لا للمنع التنوع والتعددية الفكرية والعقائدية..، ولا للاعتداء على بيوت الله ودور العبادة وحقوق الآخرين ومنها حق التعبير عن الرأي.
· التعايش السلمي والتنازل!
المشكلة في الأحساء وأهل الاحساء، انه لا يسمع ولا يذكر بالتعايش السلمي إلا عندما يغضب المواطنون أبناء المنطقة، نتيجة أحداث سلبية وقعت ضدهم، حيث تبرز هذه الكلمة في محاولة لتهدئة الشارع!!.
ولكن؛ لماذا مطلوب من المواطنين المحرومين من ممارسة حقوقهم اتباع المدارس الاخرى غير المؤوسسة الحكومية وبالخصوص مذهب الامام جعفر الصادق دائما تقديم التنازل بعد التنازل للمحافظة على التعايش السلمي، وكأن التعايش لا يقوم الا من جهة واحدة عبر تنازل المواطنين وبالتحديد أهل المنطقة عن حقوقهم كي لا تغضب الدولة ولا الشركاء من المذاهب الاخرى؟؟!!.
لماذا لا يتم التعاطي معهم بانهم مواطنون ولهم حقوق ويجب ان يحصلوا على حقوقهم كاملة كحق لكل مواطن، ولماذا لا يتحرك الاخرون الشركاء في المنطقة والوطن للدفاع عن حقوق المواطنين وبالخصوص الطائفة التي تشكل الأكثرية في المنطقة، ودعمهم لممارسة حقوقهم الوطنية، الدينية، والفكرية، بشكل عملي وتطبيقي وليس العكس.
إن التعددية الحقيقية تكون عبر فتح المجال لكافة المدارس بممارسة حقها، فذلك اثراء للفكر وقوة للوحدة والنسيج الوطني.
هل من التعايش السلمي، إن كافة مسؤولي الدوائر الحكومية وغيرها في المنطقة من طائفة محددة بل من بيوت معينة، ولو كانت تلك إدارات، ولماذا لا يكون منهم وزراء ومسؤولين كبار في الدولة؟.
هل من التعايش السلمي، عدم المساواة في الحقوق والمواطنة، ومنع مواطنين لغاية اليوم من الحصول على حق المواطنة بشكل كامل، والتعامل مع المواطنين حسب المحسوبية والقبلية والمناطقية والمذهبية، وهل من التعايش منع المواطنين من الاذان حسب ما يرونه، وذلك في مناطق سكناهم، وهل من التعايش السلمي أن يمنع بناء وتجديد دور العبادة المساجد، وهل من التعايش منعهم من أقامة المهرجانات والفعاليات الثقافية والأدبية والدينية كالقراءة الحسينية في الأماكن المفتوحة "العامة" كما هو في المناطق والمدن الاخر والدول المجاورة والسماح بمسيرات العزاء في الطرق في مناطقهم، وهل من التعايش السلمي أن يمنعوا من وضع الرايات التي تدل على مصيبة عاشوراء ومناسباتهم في مناطقهم، وهل من التعايش السلمي منع المواطنين من الاحتفال بالمناسبات الخاصة الحزينة والمفرحة بطريقتهم، كالاحتفال بالمولد النبوي الشريف (ص)، وليلة الاسراء والمعراج، وبمناسبة مولد الامام علي ومولد السيدة فاطمة الزهراء (ع)، ومولد الامام الحسن (ع) ليلة القرقيعان الناصفة، وبمناسبة مولد الامام المهدي (عج) النصف من شعبان؟؟.
وهل من التعايش ان يمنع المواطنين في حاضرة الدمام - أكثرهم من أصول احسائية شاركت في انشاء حاضرة الدمام -، من بناء مساجد او حسينيات او ممارسة حق احياء مراسيم عاشوراء الحسين في محرم، او يسمح لهم بدفن موتاهم في مقبرة الدمام، او في مقبرة خاصة؟.
· التعايش السلمي واحترام التعددية
إن التعايش السلمي الحقيقي، يكون عبر أحترام التعددية واحترام الرأي الاخر والتعامل مع الجميع حسب المواطنة، والسماح لأفراد أي فئة بممارسة حريتها التعبدية والفكرية، وعدم وضع لائحة ممنوعات تزيد من الاحتقان الذي يولد الانفجار.
· دعوة للمشاركة لتكريس التعايش
ولأجل إرسال رسالة واقعية تعبر بشكل حقيقي عن التعايش السلمي في الاحساء، أتمنى أن يشارك اهل الاحساء والوطن بتنوعهم في المهرجانات والمراسيم الخاصة بكل فئة بكلمة او عمل ما، وبما اننا نعيش أجواء ذكرى شهادة الامام الحسين ابن علي (ع) حفيد رسول الله محمد (ص)، فالحسين هو حفيد الرسول الاعظم (ص)، وهو لكافة المسلمين بل والعالم، ويفتخر المواطنون والوطن باحتضان قبر خاتم الأنبياء سيدنا محمد (ص)، كما ان الأمام الحسين مولود في مدينة جده المدينة المنورة، وهو وأخوه الامام الحسن ريحانة الرسول (ص) محبتهما من محبة جدهما (ص) وابيهما (ع)، فنامل أن تكون هناك مشاركة في الفعاليات المصاحبة لمراسم احياء ذكرى شهادة الامام الحسين.
وان يسمح منذ اليوم للمواطنين بممارسة حقهم في احياء مناسباتهم بطريقتهم، وان ترتدي شوارع الاحساء الرداء الأسود ويسمح برفع الرايات على البيوت والطرق، والسماح لمواكب العزاء بالخروج في الطرق .. وان يقوم الاعلام المحلي بنقل الحدث ليكون دليلا للعالم بان الاحساء تعيش التعايش السلمي الحقيقي.
وليس العكس عبر اعتقال كل من يرفع راية، او يقوم بإحياء المناسبات في بيته !!.
فمن خلال احترام فكر ورأي الاخر والسماح له بممارسة حريته الفكرية والعقائدية في الوطن وبالخصوص في مناطق وجودهم هو أفضل رسالة للداخل والخارج حول حقيقة التعايش السلمي.
هل ستتحقق هذه الأمنية لتكريس ثقافة التعددية واحترام الرأي والرأي الاخر ليتحقق التعايش السلمي بشكل حقيقي على ارض الواقع.
هل يوجد في السعودية والاحساء أحترام للتعددية ليكون هناك تعايش حقيقي وليس مجرد كلام؟.
ان منع المواطنين من حقوقهم الوطنية وممارسة حريتهم وبالخصوص الدينية والفكرية يخالف ابسط مفاهيم التعايش السلمي، بل يؤدي الى الاحتقان ثم الانفجار، فأهل الاحساء يعيشون الكبت من الحرمان وتقديم التنازل طوال السنين الماضية من اجل المحافظة على روح التعايش السلمي، هل سيتم انصافهم؟
نعم للتعايش السلمي والسلام في الاحساء والوطن والخليج وفي الدول العربية والاسلامية والعالم، عبر احترام التعددية ورأي الآخر وإعطاء الحرية والسماح لاي فئة ان تمارس طريقتها في التعبير عن معتقداتها وفكرها، والتعامل مع كافة المواطنين حسب المواطنة.
إن التعددية الحقيقية تكون بفتح المجال لكافة المدارس بممارسة حقها، فذلك اثراء للفكر وقوة للوحدة والنسيج الوطني.
شكرا لاهل الاحساء وكافة المواطنين الشرفاء الذين يرفضون الاعتداء على بيوت الله والتضييق على المدارس المتنوعة، وانتهاك الأعراض، والظلم والفساد، والقمع الفكري والديني والسياسي، والاعتقالات ومنع الناس من حقوقهم، ويرفضون الاعتداء على حقوق الآخرين مهما كان الاختلاف، وشكرا لمن يطالب بتطبيق العدالة والمساواة واحترام التعددية في الوطن الغالي، والإفراج عن المعتقلين، فان احترام الرأي والرأي الاخر واحترام التعددية الفكرية والثقافية والمحافظة على التنوع الثقافي الموروث في كل منطقة في الوطن دليل على نجاح التعايش السلمي ودليل عافية ومصدر قوة للوطن والمواطنين، ونتمنى ان تكون الاحساء أنموذجا حقيقيا للتعايش في الوطن والمنطقة.
https://telegram.me/buratha