بغداد ـ عادل الجبوري
من غير الواضح تماما فيما اذا كان رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة مارتن ديمبسي قد حقق مبتغاه من زيارته المفاجئة للعراق مطلع الاسبوع الجاري ام لا؟.
ولانها كانت مفاجئة، ومتزامنة مع جدل واسع عن ما ينبغي أن تقوم به الولايات المتحدة الاميركية حيال تنظيم داعش، وجدوى ومصداقية ما تقوم به، فإنه كان من الطبيعي جدا ان تثير زيارة ديمبسي لغطا كبيرا، لم ينته بمغادرته بغداد واربيل، وانما استمر وتواصل بإيقاعات سريعة ومحتدمة خلف الكواليس.
وربما يكون ما همس به قائد عسكري كبير في وزارة الدفاع العراقية لبعض زملائه هو الاقرب الى الواقع، اذ قال لهم "جاء الجنرال ديمبسي الى العراق وهو لا يعرف ماذا يريد بالضبط، ولا رؤساؤه في واشنطن يعرفون ما يريدون"!.
وحينما سأله زملاؤه كيف ذلك.. رد القائد العسكري الكبير قائلا "مرة يقول نسلح العشائر السنية، ومرة يتحدث عن الخشية من ان تؤدي تلك الخطوة الى وقوع الاسلحة بيد داعش لان وجود الاخير يتمركز في المناطق السنية، ومرة يقول نحتاج الى التعاون مع ايران للقضاء على داعش، وفي مقابلها يحذر من ان تقوية الحشد الشعبي يعني تزايد النفوذ الايراني في العراق، ومرة يدعي ان واشنطن لا نية لها لارسال قوات برية الى العراق، وفي نفس الوقت يتحدث عن انشاء قواعد عسكرية في مناطق مختلفة، وعدم الاكتفاء بقاعدة او قاعدتين في اربيل والانبار، وارسال المزيد من الجنود الاميركان تحت عنوان "المستشارين العسكريين".
ولعل الانطباع السائد في داخل المحافل والاوساط السياسية الاميركية قبل غيرها هو ان صناع القرار السياسي في واشنطن يعيشون حالة من الارتباك والتخبط والتناقض. وقد انعكس كل ذلك بوضوح على الملفات التي لهم دور في ادارتها، لا سيما ملف تنظيم داعش في سوريا والعراق.
وفيما يتعلق تحديدا بأهداف زيارة رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة للعراق وما يمكن ان يترتب عليها من معطيات ونتائج، فإن الارتباك والتخبط والتناقض بدا واضحا وجليا، فوزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل قال "اننا سننتظر ما تسفر عنه زيارة الجنرال ديمبسسي للعراق، لنقرر فيما اذا كنا سنرسل قواتٍ بريةً الى هناك ام لا، وهذا الامر يعتمد على طبيعة توصيات رئيس هيئة الاركان".
بيد انه لم يمر وقت طويل حتى خرج الرئيس باراك اوباما ليقول "انه لن ينتظر توصية من رئيسِ هيئة الاركان مارتن ديمسي لإرسال قوات برية الى العراق او سوريا في حال امتلك تنظيم داعش اسلحة نووية بل إنه سيأمر بذلك مباشرة".
وموضوع امتلاك داعش لاسلحة نووية وربطه بإرسال قوات برية اميركية، هو بمثابة ترك النهايات سائبة وعائمة، والخيارات مفتوحة.
وما ينبغي الالتفات اليه هو ان حيرة ديمبسي، هي في الواقع حيرة مراكز القرار في واشنطن بأكملها. ولا تتأتى تلك الحيرة اساسا من سيطرة داعش على مدن ومناطق في سوريا والعراق، وانما ترتبط اساسا بتسويق وفرض الاجندات الاميركية.
وحتى قيام تنظيم داعش بذبح الرهينة الاميركي الصحفي جيمس فولي ومن ثم سيطرتهم على قضاء سنجار المتاخم لاقليم كردستان والمحسوب على مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، في النصف الثاني من شهر اب/اغسطس الماضي، لم تكن مواجهة داعش تشكل اولوية لدى واشنطن رغم الجرائم البشعة التي ارتكبها بعد احتلاله محافظة نينوى ومناطق في محافظات اخرى ضد ابناء المكون الشيعي.
وبعد ذلك، فإنه لم تتبلور مواقف جادة ونوايا صادقة لدى واشنطن للتصدي لتنظيم داعش، رغم شن غارات جوية على عدد من مواقعه وتجمعاته في شمال وغرب العراق، والتي استهدف البعض منها مواقع للجيش العراق والحشد الشعبي، ناهيك عن اسقاط اسلحة وعتاد ومؤن اغاثة من طائرات اميركية على مناطق يسيطر عليها داعش، وادعى المسؤولون الاميركان في حينه ان ذلك حصل بالخطأ.
نوايا غير صادقةوبما ان الاستراتيجية الاميركية غامضة والمواقف غير جادة والنوايا ليست صادقة، بحسب رؤية طيف واسع من القوى والشخصيات والنخب السياسية العراقية، فانه من الطبيعي ان لا تسفر زيارة ديمبسي عن نتائج ايجابية ملموسة.
فالقائد العسكري الاميركي الاعلى، اراد ان يحصل على اقصى دعم وتأييد للتحركات العسكرية الاميركية في العراق، ولم يجد ذلك الا في اربيل الكردية، رغم بعض التسريبات التي تذهب الى ان الحكومة الاتحادية ابدت تأييدا نسبيا للتحركات العسكرية الاميركية اذا كان من شأنها نزع فتيل خطر تنظيم داعش الارهابي. في حين لم يتبلور موقف واضح ومحدد من قبل المكون السني حيال التوجهات الاميركية، رغم تلويح بعض الاطراف والشخصيات السياسية والعشائرية من ذلك المكون بدعوة واشنطن لارسال قوات برية لمحافظة الانبار لتخليصها من داعش في حال فشلت الحكومة الاتحادية بانجاز تلك المهمة.
ولكن هناك اطراف وشخصيات تشعر بالقلق من قوات الحشد الشعبي اكثر من قلقها وخوفها من تنظيم داعش، وهو شعور تلتقي فيه مع بعض هواجس واشنطن التي تؤكد الكثير من الحقائق والمعطيات انها تسعى الى افراغ "الحشد الشعبي" من محتواه واخراجه من معادلة الصراع والمواجهة، لا سيما بعد ان ساهمت تشكيلات الحشد مساهمة فعالة في تطهير عدة مناطق من تنظيم داعش، مثل امرلي وجرف النصر وبيجي.
وتنقل بعض المصادر ان الجنرال ديمبسي ضغط كثيرا على المسؤولين العراقيين الذين التقاهم في بغداد لحل تشكيلات الحشد الشعبي اذا اريد من الاميركان ان يتدخلوا بشكل اكبر في محاربة داعش، او بتقنين وجودها من خلال دمجها بالقوات الحكومية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية.
ولان "الحشد الشعبي" بات يمثل رقما صعبا ومؤثرا في الواقع الميداني، فانه من الصعب بمكان ان تجد المطالب الاميركية في هذا الجانب اذانا صاغية، بل على العكس تماما، راحت تنطلق مطالب ودعوات من المناطق الغربية لاشراك قوات الحشد الشعبي في التصدي لتنظيم داعش في تلك المناطق، وبالفعل فان الاسبوع الماضي شهد توجه مئات من عناصر الحشد الشعبي الى الانبار للمشاركة في خطة تطهيرها من الارهابيين.
فضلا عن ذلك فان انشاء القواعد العسكرية الاجنبية، لا يمكن ان يتم دون موافقة السلطة التشريعية (البرلمان)، حتى وان كانت هناك موافقة وترحيب من قبل رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وواشنطن تدرك وتفهم ذلك، وتعرف مدى التعقيدات التي تواجه مثل تلك الامور، في ظل مشهد سياسي فيه الكثير من التقاطعات والاختلافات. لذلك فانها راحت تبحث عن منافذ تستطيع عبرها تجنب السياقات القانونية والدستورية العراقية، مثل التنسيق مع الاكراد لانشاء قواعد عسكرية في الاقليم، واستغلال الفراغ الذي سببه سيطرة داعش على بعض المناطق الغربية لتثبيت مواطئ قدم فيها، ولتكون مقدمة للتمدد الى مساحات اخرى، وهذا ما بحثه ديمبسي في زيارته الاخيرة للعراق، بيد انه اصطدم بمعوقات وعراقيل من غير اليسير تجاوزها بسهولة.
ولان ما يريده الاميركان بعيد الى حد كبير عما يريده العراقيون، لذلك فانه من الطبيعي والمتوقع ان لا يحقق الجنرال ديمبسي الهدف المطلوب من زيارته المفاجئة.
5/5/141120
https://telegram.me/buratha