التقارير

الخلاف السعودي - القطري: هل تتأجج النزاعات أمنيا داخل البلدين؟

1921 10:22:46 2014-11-13

عبد الحسين شبيب

من حيث المبدأ نجا كأس الخليج لكرة القدم من الخلافات السياسية المتفاقمة بين اطراف مجلس التعاون التي يبدو انها تتجه نحو الاختلاف اكثر فاكثر. لكن المفارقة ان الطرفين اللذين يتجاذبان الخلاف الرئيس اي السعودية وقطر هما بطلا المباراة الاولى في الرياض. ومن الان وحتى انتهاء الدوري في السادس والعشرين من الجاري وبمعزل عمن سيحمل اللقب فان السؤال سيبقى مطروحا حول اجتماع القمة الخليجية المقرر عقده في الدوحة الشهر المقبل وسط مؤشرات على احتمال فرط عقده، بعد الاخفاق في عقد الاجتماع التحضيري على مستوى وزراء الخارجية.

وحتى ولو استجاب الملوك والامراء لدعوة امير قطر تميم بن حمد التي وجهها لعقد القمة، فان القمة وبعد فشلها العام الماضي في المضي قدما نحو خيار الفدرالية الذي اسقطته مسقط بضربة قاضية، فان مصير هذه المؤسسة بات على المحك في ضوء استفحال الخلافات بين دوله، والتي كان ابرز تجلياتها استدعاء كل من السعودية والامارات والبحرين سفراءهم من الدوحة، لاسباب كثيرة، المعلن منها الدور السلبي الذي تؤديه قطر في مجال الاسلام السياسي بمختلف ادواته، الدينية (استضافة يوسف القرضاوي)، الاعلامية (قناة الجزيرة)، المالية (تمويل جماعات ارهابية مثل جبهة النصرة، ودفع فدى مقابل اطلاق رهائن لدى هذه التنظيمات بما يدر ملايين الدولارات على التكفيريين)، السياسية (احتضان وايواء قيادات الاخوان المسلمين)، العسكرية (الانخراط الوهمي في التحالف الدولي لمحاربة داعش في سوريا والعراق).

العناوين الاخيرة هذه مستجدة وتعتبر من نتائج ما سمي الربيع العربي الذي كانت بداياته اشهر عسل خليجي سعودي قطري ترجم اكثر ما ترجم على الساحة السورية لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، وفتح البلدان لابواب واسعة من الدعم اللامحدود المالي والسياسي والعسكري والقيادي فضلا عن الاعلامي للجماعات الارهابية بمختلف تسمياتها، والتي تبين لاحقا ان كلا من قطر والسعودية وطبعا تركيا كانت وراء تاسيس اغلبها، بحيث توزعت ولاءاتها على العواصم الثلاثة برعاية واشراف اميركي _ اوروبي مباشرين. كما ترجم التعاون الخليجي في الحرب على العراق وتمويل الجماعات الارهابية وفقا لاتهامات مباشرة وجريئة شخصها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ضد الدوحة والرياض وحملهما مسؤوليات الاعمال الارهابية التي تستهدف تقويض النظام العراقي الجديد. وكان العدو المشترك للطرفين هو سبب تنحية خلافاتهما جانباً..

مسار الخلافات الخليجية الى تصاعد

لكن يبدو ان اشارة انطلاق الخلاف وبعمق عادت لتظهر بين الجانبين بعد تسلم السعودية ملف الحرب في سوريا وازاحة قطر عنه ليتولى بندر بن سلطان رأس الاستخبارات السعودية سابقا مسؤولية ادارة المعركة لاسقاط الاسد. طبعا كلا الادارتين اخفقتا في هذا الملف، وانتهت الازمة السورية الى مسار مختلف، بدا من خلاله انه لا بد لقطر والسعودية ان تعودا الى سابق عهدهما من الخلاف، وكان ذلك احد مقاتل ما سمي المعارضة السورية التي رمت كل بيضها في سلال تركيا وقطر والسعودية، لتخسر لاحقا كل شيء، وينتهي بها الامر الى ان تصبح عمليا مجموعات غريبة امام تنظيمات جديدة فتحت لها كل الطرق نحو سوريا لتصح النصرة ثم داعش قوتي التاثير الاساسيتين في الحرب السورية وتعتمدان في تكوينهما العسكري على العنصر البشري الاجنبي. وهنا بدأت مقاربة مختلفة لكل الاطراف المتورطة في الحرب السورية بما فيها السعودية وقطر التي باتت في قلب الاتهامات بدعم الارهاب (داعش والنصرة وفصائل اخرى) وهنا عادت العلاقات بين البلدين الى نقطة الصفر. وكان لحكم الاخوان المسلمين في مصر ثم الاطاحة به نقطة الخلاف المركزية التي تم عليها تاسيس عناصر الخلاف الجديد السعودي_ القطري، اضافة الى عناصر الخلاف السابقة.

القت السعودية ومعها الامارات العربية المتحدة والبحرين بثقلها وراء النظام المصري الذي اسقط حكم الاخوان المسلمين، وسمت هذه الدول الاخوان تنظيما ارهابياً. في المقابل قامت قطر بايواء هذا التنظيم وتبني خطابه ازاء الازمة المصرية، وابتعد الحلفاء الاقليميون في سوريا عن بعضهم بعضا وباتوا خصوما بما ادى الى تفكك البيئة الاقليمية الحاضنة للحرب الخارجية على النظام السوري، بل باتت سوريا احدى ساحات التحارب بين المحورين الخليجيين: قطر ومعها تركيا والتنظيم الدولي للاخوان المسلمين بكل فروعه، مقابل السعودية ومعها الامارات والبحرين والكويت ومصر التي حولت الاخوان الى خطر استراتيجي ينبغي التخلص منه.

هكذا اصبحت مصر ثم ليبيا ساحة صراع دموي بين هذه الدول بحيث توزعت الجماعات المسلحة في ليبيا على محوري السعودية _ قطر، وبات للصراعات الليبية العسكرية عناوين خليجية تفسر حدة النزاع او تراجعه بحسب مؤشر الخلاف بين هذه الاطراف وحروبهما المتنقلة التي يدفع الشعب الليبي ثمنها. وايضا طبقت المعادلة نفسها على صراع عبد الفتاح السيسي وفريقه مع الاخوان المسلمين الذين فتك بهم بدعم سعودي اماراتي كان واضحا وصريحا، مقابل حملة تحريض كبيرة شنتها قطر عبر قناة الجزيرة ضد ما اسمته الانقلاب على الثورة، وانتصرت للاخوان المسلمين. ولم تخرج تونس عن هذه المعادلة، حتى في لبنان ظهرت تجليات هذا الصراع في اكثر من ملف وساحة امنية دفعت بحلفاء الامس الى خصومات ميدانية.

انكى من ذلك ان الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة تحولت بذاتها ورغم منسوب الارهاب والتدمير الاسرائيلي الوحشي الى ساحة صراع بين محوري قطر _ السعودية، واسقط الطرفان خلافاتهما على تلك المعركة الخطيرة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وكان احد اسباب اطالة عمر الحرب وعدم توقفها هو الدعم العربي الذي تلقاه العدو من بعض الدول الاقليمية وباشكال مختلفة على خلفية الحرب واعتبار حركة حماس جناحا عسكريا وسياسيا فلسطينيا للاخوان المسلمين، ولم ينجُ الفلسطينيون من تداعيات توصيف الارهاب الاخواني رغم طبيعة المعركة مع العدو الصهيوني.

لكن ما شفع للفلسطينيين وساعد في تقريب موعد وقف الحرب هو التطورات التي حصلت في اليمن وتمدد حركة انصار الله باتجاه العاصمة بعدما اطلقت معركة اسقاط الجرعة الاقتصادية والحكومة، ما دفع بالخصوم الى اللقاء على طاولة واحدة في جدة لمناقشة ما سمي حينها التحالف الدولي ضد داعش. لكن الموضوع الرئيس في ذلك الاجتماع كان التطورات اليمنية وكيفية احتواء المخاطر التي يشكلها انصار الله الحوثيون على الامن القومي السعودي بعدما اعتبر كثيرون ان سقوط صنعاء هو سقوط للرياض.

وعليه بات يمكن القول اليوم وفق مصادر يمنية معنية ان قطر والسعودية اختلفتا في كل الساحات من سوريا الى مصر فليبيا وتونس ولبنان، وعادتا لتتفقا على الساحة اليمنية ومعهما تركيا، بعدما اطاح الحوثيون بكل الادوات الاقليمية العاملة في اليمن: آل الاحمر، التجمع اليمني للاصلاح (الاخوان) وعلي محسن الاحمر، وبعدما تم اسقاط المبادرة الخليجية التي صدرت ثورة فبراير 2011 لصالح اتفاقية السلم والشراكة التي وقعت من قبل الاطراف اليمنية بمعزل عن التدخلات الخارجية.

 قطر والسعودية اختلفتا في كل الساحات وعادتا للاتفاق على الساحة اليمنية ومعهما تركيا بعدما اطاح الحوثيون بكل الادوات الاقليمية العاملة هناك لكن هل يصمد هذا التحالف التركي القطري السعودي في اليمن، ام ان الخلافات السياسية التي تترجم صراعات دموية بادوات محلية في اكثر من بلد ستبقى حاكمة لهذه العلاقات المتوترة بين هذه الدول الخليجية؟

من الطبيعي ان هناك خلافات ذات طابع بنيوي في العلاقة المتأزمة بين اطراف مجلس التعاون الخليجي، ابرزها ان قطر ترى في نفسها قدرة على الخروج من الوصاية السعودية، وهي حققت تجربة ناجحة بالنسبة اليها عندما خرجت من بيت الطاعة السعودي وعبرت مباشرة الى واشنطن عبر اسرائيل، وصار لها حظوة استثنائية لدى الادارة الاميركية بناء على وظائف تؤديها الامارة الصغيرة لها، وبات قصر الامير القطري خاضعا مباشرة للحماية الاميركية من القوات الموجودة في الجزيرة، فضلا عن الحصانة السياسية لنظامه ككل. وهذا هو الذي ازعج السعودية التي وجدت الطفل الصغير في البيت الخليجي يشاغب على ابيه ، الى حد انه بات يشكل خطراً على الاب.

كما ان قطر البراغماتية تشاغب على السعودية بمواقف تقاربية من طهران في حمأة الخلاف السعودي الايراني، وهو امر لا يروق للرياض. لكن طبعا النقطة الاكثر اثارة للقلق هي محاولة قطر اللعب في ساحات مذهبية اقليمية تعتبرها السعودية حكراً عليها، ولا ينبغي لاي طرف خارجي من البيئة المذهبية نفسها ان يشارك في هذا الامر. وفي هذا السياق يمكن تذكر التاديب العلني الذي قام به الرئيس اللبناني الراحل الياس للهراوي لسفير قطر في بيروت امام وسائل الاعلام، وكانت تلك صفعة قام بها الهراوي للولد القطري نيابة عن الاب السعودي.

خلاصة ما تقدم ان مسار الخلافات الخليجية الى تصاعد، ونقاط الاشتباك اكثر من نقاط التقارب، ولو كان التقارب ممكناً لكانت الساحة السورية هي افضل مكان لاستمرار الود القطري _ السعودي ولكن ورغم الكره المشترك للرئيس بشار الاسد فان الطرفين اختلفا وتصارعا دمويا على الارض السورية ولا يزالان، ويتصارعان حالياً في ليبيا ومصر. لكن ماذا عن امكانية ان تتاجج هذه النزاعات امنياً في داخل البلدين، كمثل الفرضية التي تحدثت عن احتمال ان تكون اياد سعودية وراء التفجير الذي حصل في اواخر شباط الماضي في الدوحة ونسب الى صهريج ضخم للغاز موقعا عددا من القتلى والجرحى، او ان تكون هناك اياد قطرية وراء الاعتداء على حسينية في قرية الدالوة في الاحساء بالسعودية مطلع هذا الشهر، مع اشارات الى ان تكون داعش وراءه، مع ما يمده ذلك من خيوط خارجية؟

من الواضح ان تجربة مجلس التعاون الخليجي انتهت عملياً منذ اخفق في تحقيق وظائفه البسيطة وهي العملة الموحدة، ثم اخفاقه في التحول الى اتحاد فدرالي كانت تطمح اليه الرياض لبسط نفوذها، ذلك انه في زمن التشظي المناطقي والعرقي والديني والمذهبي الذي يسعى له في المنطقة لن يكون هناك مكان لمؤسسات ذات طابع وحدودي، فكيف اذا كانت بين دول جعلت ما يفرقها اكثر مما يجمعها. وبمعزل عن انعقاد قمة الدوحة او عدمها، فان اي نتائج لم تعد متوقعة من هكذا لقاءات ربما تعقد من باب المجاملة لا اكثر.

22/5/141113

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك